إلى التغيير والتحريـــــــر.. من قلب دمشق

إلى التغيير والتحريـــــــر.. من قلب دمشق

هذه السنة، وقع اختيار الشيوعيين السوريين، أعضاء حزب الإرادة الشعبية، على المعهد النقابي العمالي التابع لاتحاد عمال دمشق، ذلك البيت الدمشقي القديم القائم في حي «عين الكرش» أحد أعتق الأحياء في قلب العاصمة السورية، فجُهِّزوا المكان لإقامة مؤتمرهم الدوري العاشر، الأول بعد الترخيص، على مدار يومي الخميس والجمعة، السادس والسابع من الشهر الجاري

من كل سورية.. إلى المؤتمر

ترافقت الأناشيد الثورية مع وصول وفود الرفاق الحزبيين من شتى المحافظات السورية، هذه الوفود التي استطاعت أن تشكّل نسيجا متكاملاً ومصغراً عن النسيج الوطني السوري بشرقه وغربه، شماله وجنوبه، شبابه ونسائه. فالنسيج السوري الذي باتت مهمة تمثيله ضمن مظلة وطنية شاملة، في الظرف الحالي، مهمة عصية على العديد من القوى والأحزاب السياسية السورية، طوَّعها الرفاق في الحزب العابر للثنائيات الوهمية ولكل مفردات مكونات ما قبل الدولة الوطنية.
ترديد النشيد الوطني ودقيقة الصمت تخليداً لكل شهداء الحزب والوطن أعلنا شارة انطلاق أعمال المؤتمر الذي كانت النسبة المرتفعة لأعداد الرفاق الشباب والنساء فيه لافتة، حتى أن البعض من الضيوف الأجانب أبدى إعجابه بالأعمار الفتية للرفاق وحماستهم، بما يعكس مدى صلابة وعمق الخط السياسي للحزب القادر على استقطاب الفئة العمرية الشابة، وضخ الدم الجديد والفاعل في جسد الحزب. الرفيق «إلياس أبو حامضة» الذي قضى ستين عاماً في صفوف الحزب قال في معرض الحديث عن التركيبة العمرية: «نلاحظ نجاح المؤتمر من الناحيتين التنظيمية والإدارية، وما لفت انتباهي الحضور الجيد للشباب في المؤتمر، وهذا ما أسعدني جدا».
الثبات على المبادئ منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، النضال الحثيث للحزب منذ بداياته لجعل شعار «كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار» واقعاً لا حلماً، العمل بين الجماهير الكفيل بإنجاز الرافعة والثقل الشعبيين الحاسمين في المعارك السياسية التي يخوضها الحزب، الأمل  والعمل على تحقيق المخرج الآمن من الأزمة السورية لتكون البلاد أكثر قوة ومنعة، أكثر صلابة في وجه المشاريع الإمبريالية والصهيونية، جميعها عناوين شكلت السمة الرئيسية للكلمة الأولى التي ألقاها عريف الحفل، أمين حزب الإرادة الشعبية، الرفيق «حمزة منذر». أما رفاق «الإرادة الشعبية»، ممن لم تغفل أعينهم عن النضال في المجتمع بين مؤتمرين، وما قبلهما، فقد استمعوا إلى كلمة الرفيق «قدري جميل»، أمين حزب الإرادة الشعبية، الذي عرض أمامهم التقرير العام لمجلس الحزب المركزي بين مؤتمرين..
تحت اليافطة التي حملت شعار «الحرية لجميع المعتقلين والمختطفين» حدثنا المعتقل السابق الذي اختار طريق التغيير الجذري الشامل سبيلا للنضال الرفيق «عادل نعيسة» الناطق الرسمي باسم رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير: «أرى أن التقرير العام الذي تقدم به الدكتور قدري جميل في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هو تقرير برنامجي، حيث طرح فيه  كل العناوين الأساسية المتفق عليها، فنحن في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير كل برامجنا موحدة ومتفق عليها، فهذه العناوين محل إجماع جميع القوى الوطنية في سورية»، وأردف «بكل صراحة أنا مسرور جداً بهذا التنظيم الجيد لأعمال الجلسة الافتتاحية لمؤتمركم وبهذا العدد الكبير لوفود منظمات حزب الإرادة الشعبية من المحافظات، وهو ما يبعث على التفاؤل والأمل»..

 الأصدقاء والحلفاء.. على الخط ذاته

«أودّ أن أخاطبكم كرفاقٍ ورفيقات، كما كان معتاداً أيام الاتحاد السوفييتي، وأيام الحزب الشيوعي السوفييتي». هذه المقدمة التي افتتح السفير الروسي «عظمة الله كولمحمدوف» بها كلمته، وبعد التصفيق الحار الذي لاقته من أعضاء المؤتمر، أوضح أنها «جاءت لتعبر عن عمق العلاقات السورية- الروسية، وعن جوهر الموقف الروسي الثابت في تأييده لسورية»، لأنه مما «لا شك فيه أن علاقات الصداقة والتعاون التي كانت تربط الشعبين السوفييتي والسوري على مدى عقود، لا تزال تلعب دوراً مهماً في اتخاذ الاتحاد الروسي لهذا الموقف»..
التصفيق نفسه تكرر عندما أعلن منسق «التيار اليساري الوطني العراقي» الرفيق «صباح الموسوي» عن نفاد جريدة «قاسيون» خلال دقائق من توزيعها في العراق، وهي الجريدة ذاتها التي دفع الرفاق ثمن توزيعها ونشرها في كل محافظات سورية جهداً وتضييقاً وملاحقة، واعتقالاً في بعض الأحيان.
لم يكن الرفيق الدكتور «علي حيدر» رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي والقيادي في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير ضيفاً جديداً على منبر الحزب، فالتحالف ليس طارئاً بين أعرق وأقدم حزبين في التاريخ السوري، وهو ما انعكس في الأزمة الحالية بوحدة الصف الوطني وتضافر الجهود نحو إنجاز مهمتي التحرير والتغيير الوطنيتين المترابطتين حتماً، وعن رأيه في المؤتمر والتقرير العام قال لنا: «بتصوري المؤتمر العاشر لحزب الإرادة الشعبية تقييم للمرحلة السابقة ووضع لبرنامج مرحلي للمرحلة القادمة، ورأيي أن ما تم إنجازه خلال العام الماضي وما تكلم عنه الدكتور قدري جميل في التقرير العام المقدم للمؤتمر، كان واضحاً من جهة العناوين الأربعة والآلية التنفيذية لها، كما يبيّن أن حزب الإرادة الشعبية قد قطع شوطاً جيداً في تنفيذ المهام المطروحة ضمن الظروف الموضوعية المتاحة». 
من روسيا إلى الصين وكوبا والعراق ولبنان وفلسطين، كرر الضيوف تأكيدهم على أهمية هذا المؤتمر لجهة انعقاده في هذه الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد، بما يعكس مدى قدرة الحزب الثوري على العمل النضالي حتى في أحلك الظروف، فالثوري الحقيقي لا يجعل من الإمكانات عائقاً يحول دون إنجاز المهمات الملقاة على عاتقه.. وكان للرفاق الأتراك والمصريين حصتهم أيضاً، إذ أرسل كل من حزب «إعادة التأسيس الاشتراكي في تركيا» و«حركة اليسار المصري المقاوم» رسائل نصية إلى المؤتمر أعلنوا فيها عن دعمهم للحزب والمؤتمر واعتذارهم عن الحضور لما تمر به تركيا ومصر من تطورات.. ليشكل ذلك برمته تضامناً أممياً يؤكد للرفاق وللجماهير مرة أخرى على وحدة الحال التي تربطهم بالرفاق أينما كانوا في أصقاع الشرق والعالم..

شعارات وشعر..

على مساحة البيت الدمشقي وأينما ينظر من حضر مؤتمر الحزب تكون شعارات المؤتمر حاضرة على يافطات حمراء عمت أرجاء المكان إلى جانب صورتين كبيرتين للبطل يوسف العظمة والثائر الأممي تشي غيفارا: «أعلى عدالة اجتماعية لأعمق نمو اقتصادي»، «الشعب يريد إسقاط الفساد»، «الشعب يريد نظام جديد»، «العدو الأساسي: الغرب الاستعماري، «إسرائيل»، قوى الفساد»، «العنف والفساد وجهان لعملة واحدة»، «الفساد الكبير بوابة العبور للعدو الخارجي»، «سورية لا تقبل القسمة»، «فلنسقط تحالف الفاسدين في طرفي الصراع»، «لا مكان لليبرالية اقتصادية في سورية الجديدة»، «لقمة الشعب خط أحمر»، «نحو إعادة تنظيم صفوف الحركة الشعبية»، «الحرية لجميع المعتقلين والمختطفين»، ووّحِدت جميعها بالشعار الرئيسي للمؤتمر «إلى التغيير والتحرير»، وطبعاً شعار «الشعب يريد تحرير الجولان» الذي أخذ الرفاق داخل المؤتمر يهتفون به والتحق بهم الأطفال والشباب ممن كانوا «يستطلعون» من خلف الباب الرئيسي للمكان.
بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية، صادفنا د.عباس حبيب، عضو الأمانة العامة للهيئة الوطنية العربية، وعضو المكتب التنفيذي في ائتلاف قوى التغيير السلمي المعارض، وفي سياق تعليقه على شعارات المؤتمر قال: «هذه الشعارات هي محل إجماع القوى الوطنية في سورية، ونحن موافقون عليها لأنها تعبر عن طبيعة المهمات الوطنية الديمقراطية، كما تعبر عن جوهر الصراع الحقيقي»، وحول مآلات تطور الأزمة السورية عقّب حبيب: «كل المؤشرات والمعطيات الجدية تؤكد على أن سورية ذاهبة باتجاه الحل السياسي في ظل فشل المراهنة على الحسم العسكري من طرفي الصراع، وهذا ما يؤكد على صحة الشعارات المطروحة».
مداخلات الوفود الحزبية في ثاني أيام المؤتمر تخللتها قصائد شعرية اخترقت صفوف الرتابة في نهار بدأ باكراً لتسجيل أعضاء المؤتمر وتدقيق شرعيته من أعضاء لجنة شؤون الأحزاب، التي خاضت معها لجنة الاعتمادات المنتخبة من المؤتمر برئاسة الرفيق علاء عرفات «سجالات تم حلها ودياً»، فكان للرفيقة جود مشعان قصيدتها بعنوان «شمس الحرية»، وللرفيق فاضل حسون مجموعة من قصائده من بينها «هايَ هويتي» وللرفيق العريق محمد علي طه قصيدته «نسجَ النضالُ»، قصائد قوطعت بالتصفيق مرات عديدة لما فيها من جمال فني وأفكار تقدمية ثورية تعكس خط الحزب في النضال داخل المجتمع السوري..
ما بين الحزب والعمال علاقة جدلية، إذ لا يرتقي الحزب حزباً طبقياً جدياً إن لم تشتمل أجندته على المطالب الحقيقية للعمال الذين يشكلون جزءاً واسعاً من طبقة الأكثرية المسحوقة في المجتمع، وبالمثل فإن تحقيق هذه المطالب مرهون بالرافعة السياسية التي تساعد وحدة النضال بين الحزب والنقابات على بنائها. وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ «أحمد حباب» ممثل الاتحاد العام لنقابات العمال، الذي حضر ضمن وفد ضم أيضاً الرفيقة إنعام المصري عن اتحاد عمال دمشق، أكد على دور الحزب قائلاً: «أحضر المؤتمر العاشر لحزب الإرادة الشعبية تأكيداً وحرصاً منا في الاتحاد على أهمية الدور الوطني الذي يقوم به حزب الإرادة الشعبية، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية- الاجتماعية والوطنية» وأكد كذلك على أهمية «الطريقة الفعالة التي تعامل فيها الحزب مع الأزمة الراهنة في سورية، والرؤية السباقة في أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي».

«موقع» و«نشيد» و«هيئة رئاسة»

وتزامناً مع انعقاد مؤتمر الحزب، تم إطلاق موقع «قاسيون» الإلكتروني الجديد، الذي يواكب ببنيته التقنية أحدث «ما حرر» بهذا المجال، واتُخذ من الشعار الذي أقره الحزب في هذا المؤتمر، شعاراً للموقع الجديد، فيما أقر المؤتمر نشيد حزب الإرادة الشعبية، نشيد «ميسلون» من كلمات الأخوين فليفل وألحان الأخوين رحباني وغناء السيدة فيروز، ليلاقي إعجاباً من الرفاق والحضور لما فيه من مدلولات وطنية تتقاطع مع ثوابت الحزب والإرث النضالي للمجتمع السوري، وفي هذا السياق رأى الرفيق «عبدي يوسف عابد»: «هذا أفضل مؤتمر أحضره قياساً بكل المؤتمرات السابقة. وما لفت انتباهي نشيد ميسلون الذي أقر من الرفاق بالإجماع نشيداً رسمياً لحزب الإرادة الشعبية، لما يحمله من مضامين وطنية وطبقية وأممية جامعة».
وبعد يوم «مؤتمري» طويل، وبعد انتهاء مداخلات الوفود والمداخلات الفردية التي أغنت النقاش الحزبي وأسهمت في تبادل المعطيات والتجارب فيما بين قواعد الحزب على امتداد ساحة البلاد،  وبعد إقرار المؤتمر لمشاريع قراراته وبلاغه الختامي، ومع إنجاز المنظمات لقوائم مرشحيها لعضوية المجلس المركزي للحزب، كانت أعمال المؤتمر تقترب من نهاياتها بانتخاب أعضاء المحكمة الحزبية العليا من المؤتمر مباشرة، وبفتح عملية الانتخابات لعضوية المجلس، حيث ترشح 63 رفيقة ورفيقا، لتنتهي عملية التصويت بفوز (60) عضواً، تولوا في أول اجتماع لهم بعد انتهاء أعمال المؤتمر على وقع النشيد الجديد للحزب، وتوجيه رئاسة المؤتمر الشكر للضيوف والرفاق المؤتمرين وللرفاق المكلفين بالخدمة والحراسة وللقائمين على المكان ولكل من أسهم في إنجاح اعمال المؤتمر، بانتخاب أمناء الحزب، و(11) رفيقة ورفيقاً لعضوية هيئة رئاسة المجلس المكلفة بتولي أمور العمل اليومي لقيادة الحزب بين اجتماعين للمجلس وهم: «د.قدري جميل، م.علاء عرفات، حمزة منذر، د.عروب المصري، محمد عادل اللحام، حمد الله إبراهيم، د.جمال الدين عبدو، أكرم فرحة، إيمان الذياب، خالد الشرع، رئيف بدور».


إعداد: أحمد حسن الرز
استطلاع: سعيد قاسم
تصوير: علاء أبو فراج