رياح الحل السياسي والتسويات الميدانية

رياح الحل السياسي والتسويات الميدانية

أعلن إطلاق مؤتمر «جنيف2» بجولتيه الأولى والثانية انتصاراً أولياً للقوى العقلانية الساعية إلى إيجاد حل سياسي يؤمن مخرج آمن من تداعيات الأزمة، على رغم العراقيل التي يستمر المتشددون في وضعها بدءاً من التشكيك في جدوى الحل السياسي وانتهاءً برفع مستوى العنف إلى حدود جنونية في سعيها إلى تحييد المؤتمر عن مهامه الأساسية «منع التدخل الخارجي، إيقاف العنف، إطلاق عملية سياسية»...

على الرغم من  الضباب الملقى على النتائج الأولية لجولات «جنيف2»، فإن المؤشرات الأولى لنتائج المؤتمر المتمثلة بالتسويات الميدانية في بعض مناطق ريف دمشق «برزة والمعضمية ويلدا وببيلا» أعلنت عن نفسها كانتقال فعلي من نوايا الحل العسكري ذات الأفق المسدود إلى  بوادر العمل السياسي في الميدان وإن كانت محاولات حرف النتائج الميدانية إعلامياً عن مضمونها  مستمرة حتى اليوم كتعبير عن عطالة الماضي لقوى استنفدت محاولاتها في تسيير الأزمة باتجاه مزيد من التدويل كانت مهمته فيما لو حصل إغلاق أفق الحل السياسي وطرح خيارات ليست لمصلحة عموم السوريين.
ومع عودة خطاب الحسم الذي أطلقه الأمريكيون مجدداً مع نهاية الجولة الثانية من المؤتمر وحتى اليوم، من إعلان عن تسليح المعارضة بأسلحة نوعية جديدة وعن معركة كبرى تنطلق من الجنوب باتجاه دمشق، فإن عمليات التسوية الميدانية التي كانت تفعل فعل أحجار الدومينو باتساع مساحة تأثيرها، عانت نكسات في عدة مناطق كمخيم اليرموك الذي كان على وشك إالانتهاء من تنفيذ بنود المتفق عليها بتنحية المخيم عن ساحة المعركة وعودة الأهالي إليه، فالتنظيمات ذات الارتباط المباشر بقوى بالفاشية الجديدة ك«جبهة النصرة» و«داعش» سيطرت على معظم أجزاء المخيم وأعادته إلى حالة التوتر وربما الاشتعال لاحقاً، في إشارة إلى أن المسلحين الذين بدأوا بالنحو منحى التسويات تختلف بنيتهم ومصالحهم عن بنية ومصالح القوى الساعية إلى عرقلة أي جهد يهدف إلى تظهير الاصطفاف الجديد الناشئ بين المسلحين على أساس «سوريين وطنيين-غرباء ومن بحكمهم من السوريين» كثنائية تعبر عن واقع الميدان، ولتتأكد مقولة إمكانية الحوار بين السوريين على أساس نبذ العنف والتدخل الخارجي...
إن التسويات كجزء ونمط من أنماط الحلول المحفزة لمنظومة الحل السياسي الشامل، اقترنت باستمرارية انعقاد المؤتمر الدولي بغض النظر عن النتائج المعلنة في المؤتمرات الصحفية للأطراف المشاركة،فبجولتيه الأوليتين فتح الباب واسعاً أمام تسويات هامة كانعكاس وإبراز لرغبةٍ شعبية عميقة وواسعة، بدأت تتباطأ بشكل واضح مع انتهاء الجولة الثانية وانتظار الجولة الثالثة ما يضع أمام السوريين مهمة استباقية بتكريس مبدأ التسويات كضرورة وطنية، وفتح جميع الإمكانات المتاحة لتوسيع دائرة المناطق الآمنة على حساب ساحات المعركة، هذه الخطوة الاستباقية باعتبارها «جنيف الميدان» من شأنها العمل باتجاهين أساسيين الأول: إنجاز جسور ثقة متبادلة بطبيعة «سورية - سورية» خارج حسابات المؤتمر الدولي الذي من الممكن أن يغير-لاحقاً جزءاً من شروط المصالحات فيما لو استمرت نوايا التدويل بفرض نفسها كأساس في حل الأزمة.
والثاني: الضغط على «جنيف الطاولة» باتجاه تسريع أعماله واستكمال شروط نجاحه المتمثلة بتوسيع وفد المعارضة المشارك في أعمال المؤتمر، ولجم قوى التدخل الخارجي شيئاً فشيئاً وإلقائها خارج المعادلة السورية في نهاية المطاف.
هذه الخطوة إن تمت، فهي تأتي في إطار عزل جزء من عناصر الأزمة الداخلية عن التجاذبات الدولية والإقليمية التي تعمل على استخدامها في عملية التحصيل السياسي ضمن المباحثات المنعقدة في جنيف.