افتتاحية قاسيون 635 : نتائج «جنيف2» المسبقة وسط إرهاصات موعده
مع بقاء انعقاد المؤتمر الدولي حول سورية ثابتاً حتى الآن في موعده المقرر في 22 الجاري تستمر محاولات اللحظات الأخيرة، ليس لتحسين «الأوضاع التفاوضية» لمختلف الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية عبر بوابة تصعيد الوضع الميداني والميليشياتي فحسب، بل لتحويل مسألة شكل مشاركة المعارضة السورية وتركيبة وفدها، أو وفودها، أو بعثتها في جنيف2 كورقة يجري استخدامها من الجانب الأمريكي وحلفائه لتأجيل انعقاد المؤتمر، أو خروجه بنتائج هزيلة
وعلى اعتبار أن حل المسألة السورية بالوسائل السياسية، بعد تدويلها كلياً، وبعد ثلاث سنوات من الاستنزاف والاستعصاء، بات يعني في جملة ما يعنيه تحقيق انعطافة كبرى في مسار التحولات في ميزان القوى الدولي، وحل حلقة أخرى من سلسلة القضايا العالمية والإقليمية العالقة في غير المسار التقليدي لمصلحة الغرب الامبريالي والأمريكي، فإنه من الواضح تماماً أنه مع اقتراب «جنيف2» باتت تتسارع وتيرة التصعيد الميداني الإرهابي في المنطقة والعالم، من مصر إلى روسيا، مروراً بلبنان والعراق، على اعتبار أن مستوى الصراع العالمي وصل، على نحو عابر في سياق التراجع العام للمعسكر الأمريكي، إلى منعطف جديد سمته الاستماتة بالتصعيد بكل أشكاله، حيث لا تزال مفاعيل المشروع الأمريكي التفتيتي لسورية والمنطقة والشرق عموماً تفعل فعلها، ولو بقوة عطالة الصراع داخل المؤسسة المتنفذة خلف الإدارة الأمريكية.
بموازاة ذلك في الداخل السوري فإن محاولات تأجيج وتسليح الصراعات الطائفية والعرقية من أطراف مختلفة داخلياً وخارجياً تحت مسوغات مختلفة إنما تستهدف الاستباق على المرحلة التي ستلي مؤتمر جنيف كرسمة لمستقبل سورية، لينسجم ذلك بالمحصلة، ورغم تباين المصالح والمواقف افتراضاً، مع المشروع الأمريكي القائم على محاولة تكريس ديمقراطية مكونات ما قبل الدولة الوطنية وإنجاز تحاصص فيما بينها، ليس على أساس توفير عناصر حل وطني شامل يقطع الطريق على ما كنا نصطلح عليه «الخطة-ب».
وعود على بدء بخصوص ما يجري تعويمه كقضية إشكالية معيقة لجنيف تتمثل في شكل «تمثيل المعارضة»، وما إذا كانت تلك المشاركة موحدة أم متعددة أم إقصائية أم غيره، فإن الفيصل الذي سيبدد كل تلك القنابل الدخانية هو أمر مرتبط بتوافق هذه القوى والتشكيلات على رؤية أو برنامج الحد الأدنى، وذلك بغض النظر عن أوزانها الفعلية، التي لم يجر قياسها بعد على أساس قربها أو بعدها عن الشارع السوري وهمومه وتطلعاته، بل يجري على أساس مدى اقتراب أو ابتعاد علاقتها بالسلاح، مع العلم أن إعادة القياس هذه لم تجر أيضاً مع «شعبية النظام» بعد ثلاث سنوات من عمر الأزمة.
وإذا كان المطلوب فعلياً هو مشاركة جميع أطراف المعارضة بمؤتمر جنيف كأنداد، دون أفضلية أو امتياز لأحد على الآخر إلا ببرنامجه ورؤيته، فإنه من الواضح الآن أن مجرد انعقاد مؤتمر جنيف يعني على المستوى السوري السير نحو تحقيق اثنتين من ثلاث نقاط برنامجية أساسية لأية قوة سورية جدية ووطنية، والمتمثلتين بإعلان التوافق الطوعي أو الملزم لمختلف القوى الدولية والإقليمية والداخلية على وقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، ووقف العنف من مختلف مصادره، ليبقى على السوريين بالدرجة الأولى تحقيق عمليتهم السياسية، والتي يقف في مقدمتها بناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي ديمقراطي متكامل يضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً ومواقف وطنية معادية للاستعمار والصهيونية ومشاريعهما وحلفائهما الإقليميين وأزلامهما المحليين، ويضمن عدم إنتاج الأزمة، وإنجاز المصالحة الوطنية بكل مفرداتها وموجباتها، ويضع مسألة «مكافحة الإرهاب» وداعميه، محلياً وإقليمياً ودولياً، في سياقها الفعال.