افتتاحية قاسيون 634 : لماذا رفع منسوب التصعيد ؟

افتتاحية قاسيون 634 : لماذا رفع منسوب التصعيد ؟

على الرغم من تحديد موعد المؤتمر الدولي الخاص بالأزمة السورية، وبداية انفراط عقد المواقف المتشددة لبعض القوى الإقليمية كقطر وتركيا، إلا أن الأجواء الميدانية الداخلية المتصاعدة في حلب وريف دمشق وأماكن أخرى متعددة على الخارطة السورية، تبدو وكأنها تغرد خارج سرب المشهد الدولي والإقليمي العام..

وإنّ فهم هذا التصعيد المتواصل والمتزايد خلال الأسابيع الماضية، بوصفه محاولة لكسب النقاط الأخيرة ما قبل التسوية السياسية، وإن كان فهماً صحيحاً إلا أنه يبقى فهماً جزئياً لا يعبر عن جوهر عمليات التصعيد الأخيرة..
يستقر وراء هذه العمليات مجموعة من الأسباب أهمها:
أولاً: المأزق الذي تعانيه عدد من الدول الإقليمية الداعمة للعنف في سورية، والتي تجد في حل الأزمة السورية سياسياً تهديداً لمستقبلها وتأثيرها اللاحق على المعادلات الإقليمية، وعلى رأس هذه الدول تأتي السعودية المرتبطة بشكل نهائي مع الفاشية العالمية الجديدة ومركزها، أي الجزء المتشدد من الإدارة الأمريكية، وأدواته المباشرة المتمثلة بـ«داعش» وأشباهها..
ثانياً: المأزق الذي يعانيه ائتلاف الدوحة ومعه القوى الدولية والإقليمية التي يمثل مصالحها، والمتجسد بعدم قدرته على ضمان وجوده اللاحق داخل أي عملية سياسية سورية، نظراً لمعرفته العميقة بضعف تمثيله الشعبي، ولقناعته أنه سيتبخر بمجرد انحسار العنف والمواجهات..
ثالثاً: يشارك متشددو النظام ائتلاف الدوحة أزمته، فهم يخشون العملية السياسية ويخشون تحديداً من أن تؤدي هذه العملية إلى تغييرات بنيوية عميقة في بنية النظام القائم، وهو الأمر الذي لا يستطيعون ضمان عدم حدوثه، إلا بطريقة واحدة، هي رفع مستوى التصعيد إلى حدوده القصوى سعياً وراء تحويل جنيف من مكان لإيقاف التدخل الخارجي وإيقاف العنف وإطلاق العملية السياسية إلى مكان لإقرار نتائج هذه العملية مسبقاً وفرضها على السوريين، الأمر الذي لا يختلف بالجوهر عن طموحات الائتلاف، بما يسمح لمتشددي الطرفين بالحفاظ على النظام القائم من حيث جوهره الاقتصادي- الاجتماعي، وتحاصص السلطة فيما بينهم. ويلعب التصعيد العسكري هنا دوراً محدداً هو محاولة مصادرة نتائج جنيف قبل انعقاده، وبالضبط قطع الطريق على عملية سياسية حقيقية يتم الاحتكام فيها إلى الشعب السوري.
رابعاً: وراء محاولة متشددي الطرفين استباق نتائج المؤتمر، ومحاولاتهما تأجيله أو حتى إلغائه، تبقى واشنطن ومعسكرها وكل أعداء الشعب السوري المستفيد الأكبر من استمرار استنزاف سورية وإنهاكها لتصل إلى المؤتمر الدولي وهي بأضعف أحوالها..
عود على بدء، فإن ارتفاع مستوى التصعيد، أياً كانت أهدافه، يتناقض مع الميل العام للتوازن الدولي القائم والمتحرك لغير مصلحة واشنطن، والذي يفرض نفسه بقوة أكبر يوماً بعد آخر. ولذلك فإن الإصرار على عقد جنيف وتوجيهه لتحقيق غاياته الثلاث الأساسية: (إيقاف التدخل الخارجي، ووقف العنف بالتزامن مع إطلاق عملية سياسية) هو الخيار الوحيد أمام جميع الشرفاء السوريين أينما وجدوا، وإن مكافحة الإرهاب تمر قبل كل شيء عبر بوابة وقف التدخل الخارجي، ومن ثم عبر تحالف السوريين موالين ومعارضين في وجهه. ولا يمكن الوصول إلى أية نتائج حقيقية في محاربة الإرهاب طالما استمر التدخل الخارجي، لذا لا يحق لأحد المتاجرة بتضحيات الجيش العربي السوري عبر وضعه أمام مهمة مستحيلة هي إنهاء الإرهاب مع استمرار التدخل الخارجي، بل يجب التوجه بأقصى سرعة ممكنة للحل السياسي الكفيل بإنهاء التدخل الخارجي، وبالتالي الكفيل بتمهيد الطريق أمام السوريين وجيشهم للقضاء على الإرهاب..