التداول.. ودوره الرئيسي في توزيع الثروة
يوصّف مشروع برنامج حزب الإرداة الشعبية في جانبه الاقتصادي النموذج الاقتصادي المطلوب "أعمق عدالة اجتماعية لأعلى نمو اقتصادي" أي ينطلق من مفهوم تعميق العدالة الاجتماعية كشرط رئيسي لتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية، وذلك من أوسع بوابة لهذه العملية وهي معدلات توزيع الثروة التي تتوزع في سورية ما قبل الأزمة بمعدلات، تقترب من 80% لأصحاب الأرباح، و 20% لأصحاب الأجور، مع كل ما يسببه هذا التوزيع من تشوه في عملية النمو الاقتصادي الحقيقي أي في مواضع إنتاج الثروة وخلقها مجدداً، والتي هي قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات المرتبطة بحيث تزيد من قيمة الإنتاج الاجتماعي.
وباعتبار أن المؤتمر التاسع للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين وهي الإطار السياسي الذي ولد منه حزب الإرادة الشعبية، رفع شعاراً واضحاً يقول "الاشتراكية هي الحل" وهو الشعار الذي يعبر عن الأداة المكملة والمحققة لشعار المؤتمر التأسيسي الأول للحزب: "نحو التغيير والتحرير" لذلك لا بد ونحن على عتبات انتقال المجتمع السوري نحو منظومة سياسية جديدة، أن نبحث في الأدوات العميقة التي تجعل مفهوم الاشتراكية أكثر وضوحاً وواقعية كما نراه، وذلك بتحويله إلى خطوات برنامجية ملموسة، وهو أمر محقق في طرح البرنامج لمعدلات النمو الضرورية وطرق الوصول إليها سواء من جانب مصدر الموارد من جهة وطريقة توظيفها من جهة أخرى، ومحقق أيضاً بكل التوصيفات البرنامجية التفصيلية في الجانب الاقتصادي كفكرة الاستثمار في المزايا المطلقة السورية والمجمعات الصناعية الزراعية وهذا في غاية الأهمية. مجمل النقاط التفصيلية المطروحة والمعبرة بالملموس عن الطريق إلى منظومة اقتصادية بديلة تركز على جانب الإنتاج، وهو العتبة الأولى التي من المفترض الانطلاق منها، ولكن عملية استكمال نتائجها باتجاه تغيير نمط توزيع الثروة في سورية، والانتقال نحو زيادة حصة المنتجين من الثروة التي ينتجونها تتطلب البحث في الجانب الآخر من العملية الإنتاجية، وهو عملية التداول التي تحدد بالنهاية طريقة توزيع العوائد وبالتالي توزيع الثروة.
منشار التجار.. أداة التوزيع الجائر
حصة أصحاب الربح الكبيرة من توزيع الثروة 80%، تعود بدرجة كبيرة إلى تضخم قطاع التجارة وإلى سمته الاحتكارية، حيث من الممكن رصد أسماء معدودة من كبار رجال الأعمال الذين يحتكرون تجارة المواد الغذائية المنتجة أو المستوردة، وأسماء معدودة ممن يحتكرون تأمين مستلزمات الإنتاج، وتجار محدودين يختصون باستيراد مستلزمات القطاع العام بكاملها بينما انحسرت عمليات التبادل التجارية الحكومية بقطاعات محددة وضيقة ومخترقة بعمليات التسريب والتهريب ومهددة بالخصخصة كقطاع المحروقات وتوزيع مستلزمات المحاصيل الاستيراتيجة كالأسمدة والبذار..
درجة الاحتكار العالية تسمح بفرض أرباح احتكارية عالية، وهي الوسيلة الأساسية في نقل جزء هام من دخل أصحاب الأجور إلى أصحاب الربح.. حيث يتحول دور هذه الفئة إلى عبء يضغط المنتجين ويفقدهم كثيراً من عوائد إنتاجهم، ويستولي على جزء هام من دخل المستهلكين، أي منشار يقطع من الطرفين كما يفسر بالمفهوم العام وهو تفسير دقيق، حيث يحققون أرباحهم بالاستيلاء على إنتاج المنتجين بأسعار شراء أقل من جهة على جزء هام من دخول المستهلكين بأسعار البيع الاحتكارية من جهة أخرى، وهذا يتأمن للتجار عن طريق وصول الإنتاج بمرحلة التداول إلى هذه الحلقة حتماً، لينقل عبرها إلى مستهلكيه.. وعدم وجود بديل.
الدولة بديل قابل للانحراف
لا بد أن تخفيف دور الحلقات الوسيطة التجارية التي تسحب أرباحها من عوائد المنتجين والمستهلكين، يحتاج إلى تخفيف قدرتها على شراء الإنتاج من منتجيه وبقاء ملكية الإنتاج وعوائد تداوله بيد المنتجين الحقيقيين، وهذه العملية من الصعب تحققها في القطاعات كافة، لذلك تمت جزئياً عن طريق الدولة في سورية في مرحلة ما سمي خطأً "التحويل الاشتراكي"، وهو أمر منطقي حيث أن جهاز الدولة بوصفه ممثلاً للمصلحة العامة يستطيع أن يلعب الدور الأهم بالتداول بشراء الإنتاج من المنتجين بسعر مجدي وبيعه للمستهلكين بسعر قريب من سعر التكلفة، بما يخفف من عملية السحب من الأجور إلى الأرباح عن طريق التجارة.
إلا أن تمثيل جهاز الدولة للمصلحة العامة وعدم انحراف دورها غير مضمون كما حدث في سورية حيث توسعت حلقات التجارة على هامش دور الدولة في التبادل، ثم استقلت وبدأت تأخذ حيزاً هاماً وقطاعات كاملة، وبعدها استولت على قطاعات تجارة كانت تتحكم بها الدولة، وحولت دور الدولة في القطاعات المتبقية إلى دور ربحي، كما حصل في رفع الدعم عن المحروقات والأسمدة..
اتحادات زراعية صناعية توزيعية
لذلك فإن دور الدولة في عملية التداول رئيسي لأنها الوحيدة القادرة على تشكيل منافس كبير لهؤلاء، ولكنه غير مضمون الاتجاه إلا إذا ترافق مع دور للمنتجين أنفسهم في عملية التبادل ومع تراجع لدور التجار.. لذلك فإن نقطة الانطلاق ينبغي أن تكون دور توزيعي للمنتجين، وذلك ممكن أن يكون نقطة رئيسية لاستكمال فكرة المجمعات الزراعية الصناعية المحلية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي من منتجات ذات ميزات مطلقة لكل منطقة محلية أو ميزات نسبية مع تعظيم القيم المضافة بإنتاج صناعي مرتبط، ومن الممكن أن نضيف أن المنتجات الزراعية الصناعية لهذه المجمعات يفترض أن تعود ملكيتها للإدارة المحلية الذاتية لهذه المجمعات التي عليها أن تستكمل عملية الإنتاج بعملية التسعير والتسويق بحيث أن تجمع المنتجين وصفتهم المستقلة كاتحادات إنتاجية محلية شعبية يعطيهم وزناً تفاوضياً أقوى في العلاقة مع الحلقات التجارية الموزعة، ويعطيهم قدرة على تحديد أسعار الشراء نتيجة وجود احتمال البيع بشكل مستقل، حيث من الممكن أن تنتقل هذه الاتحادات الإنتاجية إلى البيع المباشر للمستهلكين بنسب يتم تحديدها وفق هوامش ربح تعود تراكماتها لمصلحة الاستثمار في هذه المجمعات ذاتها، وتوزع بين أعضائها، وبذلك فإن الملكية الجماعية للإنتاج في المجمعات المذكورة تجعل عائد عملية التداول موزعاً بين أعضائها وتلغي دور الحلقات الوسيطة عن طريق البيع من المنتجين بإداراتهم المحلية إلى المستهلكين..
نقاط ملموسة
من الممكن إضافة فكرة دور الحلقات الوسيطة في توزيع الثروة الجائر إلى بنود الجانب الاقتصادي من البرنامج، ووضع هدف تخفيف دورها كأداة رئيسية لإعادة توزيع الثروة وتعميق العدالة الاجتماعية، ويضاف إلى ذلك بنود تفصيلية حول مسألة التداول يمكن تبنيدها كالتالي:
• دور كبير للدولة في عملية التجارة بتأمين المستلزمات الإنتاجية للقطاعات الرئيسية وللمجمعات الزراعية الصناعية تحديداً باستيراد مؤسسات الدولة مباشرة، وليس عن طريق وسطاء تجاريين.
• تشكيل اتحادات إنتاجية للمنتجين بالقطاعات المشتركة وفي المجمعات الصناعية الزراعية مستقلة عن العلاقة بالدولة إلا من حيث تأمين المستلزمات.
• تقوم الاتحادات الإنتاجية بدور إنتاجي وتوزيعي مترابطين وتعود عوائدها إلى المجمعات والمنتجين بداخلها.