مشروع البرنامج بين النظرية والتطبيق
ينتصر في نهاية المطاف من ينتصر معرفياً، ولذلك كان لزاماً على حزب الإرادة الشعبية أن يعيد قراءة الحركة الثورية خلال القرن العشرين في ضوء النظرية الماركسية - اللينينية، وفي ضوء المعطيات التاريخية لتكوين رؤيته الخاصة حول سير الصراع ومآلاته اللاحقة... رؤية مهمتها أن تكون صلة الوصل بين النظرية العامة وبين الواقع الملموس
بهذا التكثيف والعمق يقدم الحزب رؤيتة الثورية كي تصبح عملية التغيير المتبناة برنامجياً حقيقة، وليس وهماً، مستنداً بذلك على قاعدة معرفية صلبة أساسها القراءة الشاملة لتجربة الحركة الثورية العالمية بنجاحها وإخفاقها، بتقدمها وتراجعها، وكذلك كان سباقاً في تقديم رؤية علمية حول الأزمة العامة للرأسمالية بأنها أزمة نهائية للنظام الرأسمالي العالمي وبأنه لم يعد ذلك النظام كلي القدرة، من حيث إمكانية التوسع الأفقي والهيمنة، وذلك بسبب عمق أزمته التي طالت الاقتصاد الحقيقي، مما عمق التناقض الأساسي بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج على النطاق الرأسمالي العالمي بما فيها دول الأطراف، وهذا ما جعل الاستنتاج صحيحاً، أن الأزمة العميقة للرأسمالية قد سدت الأفق التاريخي أمامها، وجعلت قدرتها على تجاوز أزمتها كما في الأزمات السابقة غير ممكنة بالرغم من كل المحاولات من أجل التخفيف من آثارها التي أصابت الرأسمالية في القلب، الأمر الذي يعني تكوُن فرصة تاريخية أمام الحركة الثورية العالمية، وأمام الشعوب لأخذ زمام المبادرة باتجاه الهجوم للإجهاز النهائي على العدو الطبقي المتراجع بالإمكانيات، والدور الذي كان يلعبه، والذي كان يقرر فيه مصير البشرية، وهذه العملية «الإجهاز» تحددها مجموعة عوامل منها العامل الذاتي للقوى الثورية، واعتراف الجماهير بها كممثل لمصالحها الجذرية، وتغير حقيقي في موازين القوى، والإستفادة القصوى من التناقضات الناشئة بين القوى الرأسمالية الصاعدة، والمتراجعة.
لقد تخلت المراكز الإمبريالية عن رعايتها الاجتماعية التي كانت تتبناها في مرحلة الحرب الباردة أي مرحلة توازن القوى التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، مما اضطر الرأسمالية تحت ضغط نضالات الطبقة العاملة للتنازل أمامها، ولكن هذا الدلال لم يدم طويلاً مع تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة كنهج أساسي للرأسمالية، وتعميمه على دول الأطراف، فقد لعبت السياسات الليبرالية دوراً خطيراً في الدول التي تبنتها كما جرى في مصر وسورية أبرز بلدين كان القطاع العام هو الأساس في الاقتصاد الوطني، يلعب دوراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بالرغم مما اعتراه من تشوهات.
إن السياسات الاقتصادية الليبرالية، المتبناة رسمياً في المؤتمر العاشر لحزب البعث من خلال تبني «اقتصاد السوق الاجتماعي» الذي ساد فيه اقتصاد السوق بكل ما حمله من آثار تدميرية على الاقتصاد الوطني وعلى مصالح الطبقة العاملة السورية، وحقوقها قد أدى إلى خسارتها جزءاً هاماً من حقوقها ومكتسباتها، ولم تستطع الدفاع عنها، أو على الأقل الحد من آثارها التخريبية على الاقتصاد والمجتمع، والسبب الكامن وراء هذا الضعف يعود إلى عدة أسباب منها:
• انخفاض مستوى الحريات العامة، ومنها الحريات النقابية والديمقراطية التي لم تمكن الحركة النقابية، والطبقة العاملة من استخدام حقها المشروع في الدفاع عن مصالحها في مواجهة القوى الليبرالية، وحلفائهم داخل جهاز الدولة وخارجها.
• تبني النقابات لمبدأ التشاركية مع الحكومة، وبأنهما فريق عمل واحد، وتحميلها مسؤولية قرارات الحكومة باعتبارها شريكاً معه، وهذا أدى إلى تكوُن حالات عدم الثقة بين الحركة النقابية والحركة العمالية من حيث الإمكانية الحقيقية في الدفاع عمن تمثل الحركة النقابية، وخاصةً ما يتعلق بالموافقة النهائية على قانون العمل، ومجمل التشريعات الصادرة فيما يتعلق بمصالح العمال، مع العلم أن النقابات قد عارضت الكثير من المواد المضرة بمصالح العمال وحقوقهم، ولكن موازين القوى فرضت واقع الحال الذي نتحدث عنه.
• توافق أحزاب الجبهة على شكل ومضمون العمل المفروض على الحركة النقابية، وخاصةً ما يتعلق بالانتخابات النقابية، وما يجري فيها من توافقات على توزيع الحصص النقابية بين أحزاب الجبهة بشكل أساسي، مما حرم الحركة النقابية والعمالية من وصول كوادر حقيقية تملك إرادة النضال دفاعاً عن حقوق العمال.
إن رؤية الحزب التي قدمها في مشروع البرنامج حول سير الصراع، ومآلاته اللاحقة تؤكده حركة الشعوب الآن ومنها الطبقة العاملة في مواجهة السياسات الليبرالية التي ستؤدي بالضرورة إلى تعديل موازين القوى إذا ما تطور الوضع الذاتي للقوى الثورية الواعية لطبيعة التناقضات الحاصلة باتجاه الخيار الأساسي للشعوب وهو الاشتراكية.