«وحدة المعارضة» وجنيف2

«وحدة المعارضة» وجنيف2

مع اقتراب انعقاد مؤتمر جنيف2، وسير التحضيرات والمشاورات الدولية لتحديد موعده وشكل الوفود المشاركة فيه، يتجدد الحديث القديم حول «توحيد المعارضة»، لدرجة تظهر المسألة مطبّاً على الطريق إلى المؤتمر الدولي. فما هو حجمها ومغزاها؟

التباس مفهوم المعارضة

لا بد أن يبقى في الذهن مفهوم علمي تاريخي عن المعارضة، في أي نقاش حول وحدتها أو فرقتها. هذا المفهوم الذي يختلف عما صنّعته وسوّقت له الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من القوى العالمية والإقليمية منذ ما قبل «الربيع العربي»، إذ عززته بخاصة منذ «الثورات الملونة»، والذي يتلخص جوهره في جماعة تعمل تحت شعارات «التغيير والديمقراطية والحرية» على استدعاء التدخل الخارجي والاستقواء بالأجنبي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسواء أكان تدخلاً عسكرياً أم اقتصادياً أم سياسياً..
ولا شك بأن هذا النمط من «المعارضة» والذي يعتبر وصفه باللاوطني أكثر دقة، والذي بحكم صناعته وارتباطه بالأجنبي، وبحكم وجود مركز ثقله في الخارج، يصبح مرتبطاً بنعت «الخارجي»، الذي يحبذه المعارضون اللاوطنيون أنفسهم، لما يوحي به من معاني الظلم والنفي، وتعززه قوى الفساد والقمع الداخلي أيضاً، كيما ترسخ الفكرة الضيقة الناقصة عن «المؤامرة» بحصرها بشقها الخارجي، وإبعاد الشبهات عن عناصرها داخل جهاز الدولة والمجتمع، لإبقاء الصف مرصوصاً يحمي الطالحين بإخفائهم خلف الصالحين. وهكذا يتم إعطاء شكل معارض وهمي وموالٍ وهمي بعد إفراغ المضمون الحقيقي لكل منهما. في حين يفترص أن يتحدد معيار التضاد والتعارض بين أي قوتين أو طرفين متمايزين حسب البرنامج والممارسة السياسية لكل منهما، وتفاصيل رؤية وأهداف هذا البرنامج من ثلاثة جوانب أساسية: الوطني، الاقتصادي-الاجتماعي، الديمقراطي.

«تسليم السلطة»

إنّ طلب تسليم السلطة الذي ينادي به البعض (ائتلاف الدوحة مثلاً) ينطوي على عدد من الإشكاليات والدلالات. فالطرف الذي يطالب بـ «تسليم» السلطة التي في حوزة طرف ثانٍ، ويعجز عن تحقيق ذلك، لا يملك القوة الذاتية ولا الإقناع والتأثير لحشد وقيادة قوة شعبية كافية لتحقيق ذلك، فإما أنه يطلب من طرف ثالث أجنبي دعمه وانتزاع السلطة له (يعني استدعاء التدخل الخارجي في بلاده وحياة شعبه)، أو أنّه يدّعي وقوفه في موقع «المنتصر» الذي يطالب الطرف «المهزوم» بتسليمه سلطته. ولكن الواقع السوري أثبت بعد صراع زهاء ثلاث سنوات أنّ التدخل الخارجي بجميع أشكاله قد فشل في تغيير الاحداثيات السورية، ولم يحدث نصر حاسم لأي من الطرفين على الآخر، أي أن الحالة السورية هي «لا غالب ولا مغلوب».
وأصبح الإصرار على مقولة «تسليم السلطة» من جانب بعض المعارضة، تماماً مثل الإصرار على مقولة «الحسم العسكري» بالطريقة السابقة نفسها من جانب جزء من النظام، كلاهما يعتبر شكلاً من أشكال المكابرة وإنكار الواقع الموضوعي، أو أنه محاولة لـ «رفع سقف» المطالب في تفاوض سيقدمان عبره تنازلات متبادلة..
إنّ الخط البسيط نسبياً الذي ميّز أزمات بلدان «الربيع العربي»، غدا في الحالة السورية، أكثر تعقيداً بوجود خصوصية سورية إضافية، قد تصبح حاسمة في تغيير وجه مستقبل سورية إذا جرت الاستفادة من اللحظة التاريخية المؤاتية، وهذه الميزة هي وجود مزاج شعبي وطني واسع الانتشار مستقل عن المتشددين في الطرفين يعارض لا الفساد الموجود في النظام فقط، بل والجزء من المعارضات المتمسح بالخارج بحسٍ سياسي اكتسبه السوريون عبر تجاربهم الطويلة والمركبة. ويقف هذا المزاج الشعبي بوضوح على يسار معظم القوى السياسية على الساحة السورية..
وفق هذا المنظور، فإن المعارضة السورية ليست موحدة في أهدافها السياسية. وبالتالي الحديث عن تمثيل موحد للمعارضة هو كلام غير واقعي وغير عملي بدلالة التناقض بين المعارضات نفسها. وبذلك يبقى المؤتمر الدولي العتيد الإطار الوحيد الممكن والضروري في أجل تثبيت الشروط الدولية والإقليمية والداخلية اللازمة كي يبدأ «قانون حل الأزمة» فعله: وقف التدخل الخارجي - وقف العنف - الحوار السوري الداخلي. ولذلك فهو بالوقت نفسه بداية تعطيل عملية «إحراق سورية من الداخل» بوصفها الشكل السوري الخاص من «الفوضى الخلاقة» للعدوانية الإمبريالية، والتي يبدو أنّ تسوية دولية أوسع «يالطا2» سوف تنهيها، برسمة جديد لخارطة عالَمٍ يرفع ذراعه شيئاً فشيئاً نحو تلويحة الوداع للنظام العالمي القديم.