ماذا تعني «لا غالب ولا مغلوب»؟

ماذا تعني «لا غالب ولا مغلوب»؟

قبل الخوض في تفسير المعنى الحقيقي لقاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، يبدو من الضرورة بمكان العودة إلى تقييمٍ سريع لما مرَّت به التجربة السورية قبل أن تثبت اليوم، بما لا يدع مجالاً للشك، أن كلا الطرفين لم يحققا أهدافهما المعلنة منذ بداية الأزمة.

 لابد من خيار آخر!

بعد استعار الحرب في سورية، رفع كلا الطرفين أهدافه التي اعتبرها، حتى الأمس القريب، مبادئ عليا لا يمكن استبدالها، ويمكن اختزال هذه الأهداف من جهة المعارضة المسلحة بهدف «إسقاط النظام» عبر السلاح، بما يعنيه من تسليمٍ للسلطة بلا قيدٍ أو شرط. وأما قوى التشدد في النظام، فتجسدت أهدافها المعلنة في «الحسم العسكري»، وغير المعلنة في إعادة سورية إلى ما قبل بداية انفجار عوامل الأزمة، مع ما رافقها من حراكٍ شعبي.
وللتذكير، ففي حينه استقرأت «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» التوازنَ الدولي باكراً، فقالت باستحالة الانتصار العسكري لأحد الطرفين على الآخر، فيما كان هذا الكلام عصياً على الاستساغة ممن غاصوا في دراسة الظاهرة بسكونها، على حساب حركتها وواقعها الموضوعي، لتنضم فيما بعد مختلف القوى إلى قافلة المتحدثين بالحل السياسي للأزمة السورية، وهي القافلة التي أخذت صفوفها بالتوسع مع تقدَّم الحل السياسي إلى الأمام أكثر.
اليوم، وبعد أكثر من سنتين ونصف من التجريب في الأزمة، لم تتغير المعادلة، لا المعارضة المسلَّحة قادرة على انتزاع هدفها المتمثل في «اسقاط النظام»، ولا النظام يستطيع إنهاءها بالضربة القاضية. من هنا، يمكن القول بأن سورية باتت أمام خيارين نظريين اثنين، الأول: هو أن تستمر، ويستمر أبناؤها ومؤسساتها وجيشها، بدفع الفاتورة باهظة الثمن لمعركةٍ طرفاها عاجزين عن «كسر» سقف التوازن الدولي وصولاً إلى تحقيق «النصر المؤزر» مع ما يحمله هذا «الخيار النظري» من مخاطر على استمرار البلد وحدة جغرافية سياسية، والثاني، أن يتم الاحتكام إلى قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وبالتالي الذهاب نحو الحل السياسي، من بوابة «جنيف2» التي تؤمِّن له أرضيته اللازمة على أساس الثلاثية «وقف التدخل الخارجي ـــ وقف العنف ـــ إطلاق الحل السياسي».

حول شيطنة «لا غالب ولا مغلوب»

يحاول البعض تشويه المعنى الحقيقي لهذه المقولة بأحد اتجاهين:
إما من خلال الحديث عن استحالة التفاهم مع القوى التكفيرية التي لها وزن هام في الصراع العسكري، وبالتالي لاخيار إلا الحسم العسكري، وهذا صحيح ولكن من قال بأن فكرة لا غالب ولا مغلوب تشمل هذه القوى التكفيرية الغازية من داعش وغيرها، سواء القادمة من خارج الحدود أو من في حكمهم من السوريين، فدائما كان واضحاً بانه لاغالب ولا مغلوب هي معادلة سورية – سورية أي يقصد بها السوريين حصراً، لا بل لا خيار أمام السوريين -كل السوريين - إلا الغلبة على هؤلاء، وأفضل الطرق وأقلها كلفة لذلك هي بتفاهم السوريين بين بعضهم البعض حول أزمة بلادهم وطريق الخروج منها، لوضع المقدمات الصحيحة لإلحاق الهزيمة بهؤلاء، من خلال التفاهم والتحالف بين الجيش وكل الوطنيين من مسلحين وغيرهم، ومهمة جنيف الأولى المتمثلة بإيقاف التدخل الخارجي بجميع أشكاله تعني ضمناً غلبة السوريين ضد داعش وأشباهها لأن حقيقة الأمر أنها ليست إلا شكلاً من أشكال التدخل الخارجي.
 الانطلاق من أن «لا غالب ولا مغلوب» هي بداية لسياقٍ وحيد وهو التحاصص، مستندين في ذلك على تجارب عديدة في المحيط الإقليمي، والتي لم تستطع أطراف الحرب فيها أن تنجز انتصاراً عسكرياً، ففتح ذلك الباب أمام تفشي الانقسام العمودي في تلك المجتمعات، مما صعَّب إمكانية نهوض الدولة من جديد. وعلى هذا الأساس، يتم رفض هذه المعادلة رفضاً قاطعاً في الحالة السورية، وذلك دون التوقف الجاد ولو لحظة واحدة عند الفارق الجوهري بين الوضع الدولي خلال أزمات النصف الثاني من القرن العشرين وعقده الأخير بشكل خاص، وبين والوضع الدولي الراهن الذي يفرض معادلات مختلفة كل الاختلاف عن المعادلات السابقة..
في سورية اليوم، وبعد ترسيخ الواقع الموضوعي لقاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، هناك من لا يزال يحلم بانتصار مشروع التحاصص، تحت مسمى «لا غالب ولا مغلوب»، بما يحمله هذا المشروع من حماية لمصالحه. وعلى العكس، هناك حياة جديدة بتوازن دولي واقليمي وداخلي جديد يدافع عن وحدة سورية في وجه هذا المشروع، وما يماثله. وأما كيف تخاض المعركة بين أصحاب حلم التحاصص وبين أعدائه، فإنها ستخاض سياسياً رغم إرادة قوى النهب الأمر الذي سيزيد معركتها صعوبة ومواقعها تهافتاً لذا نراها تعود فتهاجم صيغة «لا غالب ولا مغلوب» بلا هوادة. من هنا، فإن معادلة «لا غالب ولا مغلوب» بين السوريين، هي الوحيدة القادرة على ضمان أن يكون هناك غلبةً سياسية في المستقبل، لكل الوطنيين السوريين.