د. جميل: إذا استمرت الكارثة لستة أشهر أخرى فهل ستكون هناك سورية بالمعنى الذي نعرفه؟!

د. جميل: إذا استمرت الكارثة لستة أشهر أخرى فهل ستكون هناك سورية بالمعنى الذي نعرفه؟!

عقد د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وعضو قيادة ائتلاف قوى التغيير السلمي مؤتمراً صحفياً بمقر وكالة أنباء موسكو بروسيا بعد ظهر الأربعاء 13/11/2013 أكد خلاله أنه لا يرى بديلاً عن مؤتمر جنيف لحل الأزمة العاصفة في البلاد والتي لم تعد سياسية الطابع بل تحولت لتصبح كارثة إنسانية شاملة، مشيراً إلى أن 90 بالمئة من السوريين لم يعودوا اليوم موالاة أو معارضة بل راغبين بالحل السياسي. وفيما يلي ما عرضه د.جميل في بداية المؤتمر وأبرز ما جاء في الأسئلة والأجوبة:

في سورية كارثة من صنع البشر
يعرف البشر عادةً ما تعنيه الكوارث الطبيعية ونتائجها الكارثية على الإنسان، ولكن هناك كوارث من نوع آخر وتكون نتائجها أحياناً أخطر من نتائج الكوارث الطبيعية. وإذا كانت الكوارث الطبيعية من صنع الطبيعة، فإن ما يجري في سورية هو كارثة من صنع الإنسان، وهي كارثة تتجاوز بحدودها الكوارث الطبيعية التي نعرفها. هنالك اليوم في سورية أكثر من مئة ألف قتيل حسب أقل التقديرات وباعتراف جميع الأطراف. ولا أحد يتحدث عن أرقام الجرحى والتي تبلغ ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا الرقم، ولا أحد يركز على أرقام المعاقين والتي تبلغ مئات الآلاف، ولا أحد يتذكر أرقام اليتامى الذين أصبحوا مشردين بلا أهل، ولا أحد يذكر أرقام الأرامل اللواتي باتوا بلا أزواج.
السؤال الذي أطرحه: إذا استمر الوضع هكذا لستة أشهر أخرى، فإلى أين ستصل سورية؟ وهل سيكون هناك سورية بالمعنى الذي نعرفه؟ والكارثة في سورية لا تطال البشر فحسب وإنما الحجر أيضاً، حيث أصبح أكثر من 50% من البنية التحتية مهدماً اليوم، وأصبحت منازل سكنية وأحياء كاملة في مناطق بأكملها غير موجودة. لذلك، لا يستطيع أحد أن يقدّر حجم الكارثة التي حلّت بالشعب السوري. من هنا أنتقل إلى الموضوعة الثانية في موضوع الكارثة، وهي أن الكارثة الحالية لم تعد أزمة سياسية. هناك أزمة وكارثة إنسانية. لذا، فعلى السياسيين المحليين والإقليميين وفي العالم أن يتحلوا بروح المسؤولية تجاه الشعب السوري. والتاريخ لن يرحم كل من سيساهم في هذه الكارثة لاحقاً.
ضحايا للرصاص.. وللجوع والمرض والبرد
إذا لم نستطع أن نحل الأزمة السياسية، وتحولت إلى أزمة إنسانية فأين المخرج منها اليوم؟ المخرج من الأزمة الإنسانية هو سياسي بكل معنى الكلمة. أنا أعلم أن أقل تقديرات الخسائر المباشرة في سورية هي مئة مليار دولار وأذكّر بأن هذه هي الخسائر المباشرة فقط، وهناك خسائر غير مباشرة لا تقدّر الآن وستظهر على مدى السنوات القادمة، لذا فسورية بحاجة إلى سنوات وسنوات لكي تقف على قدميها وتستعيد عافيتها. إن متوسط عدد الضحايا الذين يذهبون يومياً في سورية هو 200 شخص وسطياً و5000 شخص في الشهر، وهؤلاء الضحايا ليسوا ضحايا الرصاص فقط، فهناك ضحايا للجوع والمرض، وبحلول الشتاء ممكن أن يذهب ضحايا للبرد أيضاً في سورية. لذا لا أعتقد أن هناك مهمة أكبر من مهمة إيقاف هذا العبث الذي يجري في سورية، ولقد أصبحت لا أفهم إصرار بعض السياسيين من هذا الطرف أو ذاك على الانتصار، الانتصار على من؟ في نهاية الأزمة، وإذا كانت الخسائر بهذا الحجم، فمن سيتمتع بالانتصار على أنقاض السوريين وأنقاض سورية؟ وهل سيكون هناك منتصر حقيقي؟ لا أعتقد أنه سيكون هناك منتصر حقيقي. والمعروف أنه في أوضاع من هذا النوع فإن أحسن صيغة للخروج من الأزمة هي صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، وإن أحسن حل للخروج من هذه الأزمة هو المصالحة والمسامحة، ومن يعيق هذه العملية عادةً في كل التاريخ هم المتشددون في الطرفين الذين كانوا يريدون دائماً الانتصار ولا شيء سوى الانتصار، والانتصار بالنسبة لهم هو استمرار الحصول على الغنائم نتيجة الفوضى الموجودة، ويجب وضع حد لهؤلاء من الطرفين، وهم الذين يعيقون بدعم من بعض القوى الخارجية حل الأزمة السورية في الظروف الحالية.
لقد أصبح المجتمع الدولي أكثر تفهماً لحجم الأزمة السورية، وهناك تحول وبداية انعطاف يجب أن نرى نتائجه على الأرض في ضرورة الحل السياسي انطلاقاً من هذا الفهم. وبالنسبة للقوى الإقليمية فهناك قسم منها «معنّد» في التعامل مع الأزمة السورية ومازال مصراً على مواقفه السابقة والتي أعتقد أن ضغط المجتمع بدأ يؤتي ثماره، وسيؤتي ثماره في تغييرها.
غالبية السوريين يريدون حلاً
في الداخل السوري أقولها بصراحة: 90% من الشعب السوري لا يعتبر نفسه معارضة وموالاة بل يريد حلاً ويريد أن يعيش بسلام وأن يأكل وأن يذهب أبناؤه إلى مدارسهم وألا تهطل القذائف فوق رؤوسهم، هذا ما يريده الشعب السوري، وأعتقد أن ما يريده الشعب يجب أن يكون ملزماً للسياسيين. ففي نهاية المطاف، من يتحكم بالأزمة السورية في الداخل هو مئتان أو ثلاثمئة سياسي من الطرفين وهم أصحاب القرار، ويمكن أن يوجد بين هؤلاء عشرون متطرفاً يعيقون الحل. فهل يعقل أن يموت 200 شخص يومياً من أجل «فزلكات» وعناد وإصرار عشرين سياسياً يعيقون الحل؟ هل هذا منطق؟ وهل يجوز الاستمرار بهذا الوضع؟ أنا أقول بأن الأزمة والكارثة إنسانية ويجب الذهاب إلى حل سياسي.
استمرار الوضع سيضر بالجيش السوري
قلت في اللقاء الماضي بأن الحل السياسي هو المخرج، وإذا كان هناك أحد لا يعجبه هذا الكلام فليقل لنا ما هو المخرج؟ لقد أعطينا الجميع فرصة سنتين ونصف لكي يجربوا قواهم في إيجاد مخارج وفق ما كانوا يريدون (الانتصار على الطرف الآخر) وأعتقد أن هذه المدة كافية للاقتناع بأن الحسم العسكري في الظروف السورية غير ممكن بأي حال من الأحوال، وأقول هذا مع كل الاحترام للجيش السوري الذي يشكّل عماد الوحدة الوطنية وعماد وحدة البلاد، وهو غير قادر على الحسم ليس لكونه ضعيفاً، بل لأن القوى الخارجية التي تدعم المسلحين كبيرة جداً، و«يعطيه العافية» لأنه استطاع الحفاظ على وحدته ووحدة البلاد حتى اليوم، ولا يمكننا أن نطلب منه أكثر مما يستطيع أن يقوم به واستمرار هذا الوضع سيضر بالجيش السوري لأنه سيضر سورية ولن يحافظ على وحدتها، هذه النقطة الأولى.
لذلك فإني أدق جرس الإنذار، إذا استمر هذا الوضع أشهر قليلة أخرى، فمن الممكن أن يصل الوضع الإنساني في سورية إلى نقطة اللاعودة وسيصبح من الصعب إصلاحه.
الحل هو الحل السياسي، والجهود تؤتي ثمارها وجنيف2 يقترب، وأستطيع القول بكل ثقة إن العد العكسي لانعقاد جنيف2 قد بدأ. ويريد بعض عدم الراغبين بجنيف2 لرغباتهم أن تكون واقعاً، ويقولون بأنه لن يعقد أملاً بعدم انعقاده، ولكن أعتقد بأن المجتمع الدولي الواعي لخطورة الوضع في سورية على الإقليم والعالم قد حزم أمره وقرر انعقاد جنيف2 كمخرج سياسي من الأزمة السورية، لذا فلا مجال للأوهام حول عدم انعقاده، والبعض يسوق حجة تقول بأن جنيف لن يُعقد لأن الوضع على الأرض لم يُحسم بعد، وأنا أقول لأن الوضع على الأرض لم يُحسم ولن يُحسم فسيُعقد جنيف2.
إيقاف التدخل الخارجي إيقاف لطاعون الفاشية
قد يكون لديّ عشرون ملاحظة على جنيف2، ولكني لا أرى حلاً غيره في الظرف الحالي. إن جنيف2 بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وفي ائتلاف قوى التغيير السلمي المكوّن من ستة عشر تكويناً والذي كلّفني بتمثيله في التحضير لجنيف2، هو أولاً إيقاف التدخل الخارجي بالشأن السوري وخاصة العسكري من مقاتلين وأسلحة وتمويل، وقد وصلت أعداد المسلحين الأجانب في سورية إلى عشرات الألوف، ووزنهم النوعي يفوق وزنهم العددي بسبب خبراتهم المتراكمة في مناطق أخرى، وهم يشكّلون خطراً جدياً ليس على سورية فحسب بل على الإقليم بكامله لأنهم وبعد إنهاء مهمتهم في سورية فشلاً أو نجاحاً، سيقومون بالذهاب إلى مناطق أخرى ليعيثوا خراباً وفساداً، وستنتقل المشكلة إلى نقطة أو نقاط أخرى لا يعلم سوى الله مكانها أو متى تتوقف. لذلك فإن منع التدخل الخارجي هو إيقاف لهذا الطاعون وهو الفاشية الجديدة التي تنمو في المنطقة منذ فترة بسبب السياسات غير العقلانية من بعض القوى العالمية والتي مورست خلال العشرين عاماً الماضية، واليوم يجب إيقاف هذا النمو السرطاني لهذه القوى. وإذا انتصرت هذه القوى اليوم في سورية لا سمح الله، فستتكرر المأساة التي عاشتها البشرية في الحرب العالمية الثانية، حيث كما خلق انتصار الفاشيين في إسبانيا عام 1936 مقدمات الحرب العالمية الثانية، فإن انتصار الفاشية الجديدة في سورية سيفتح نوعاً غير معروف من الحرب على العالم كله ولا يمكن معرفة أين ستتوقف هذه الحرب. لقد قام العقلاء في الغرب والشرق بالتحالف سابقاً ضد خطر الطاعون القديم، ونحن نحيي كل الجهود التي تذهب باتجاه تحالف العقلاء اليوم في الغرب والشرق أيضاً ضد خطر الطاعون الجديد الذي نراه بأعيننا.
أريد التوقف عند نقطة أخيرة، مهمة جنيف كما قلت هي إيقاف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق الحل السياسي وهو مهمة سورية - سورية بالمناسبة، لأنه من غير الممكن أن يدخل الأمريكيون والروس والفرنسيون والإنجليز بتفاصيل الحوار السوري كمواد الدستور مثلاً، فهذا ليس من شأنهم وهم لا يعلمون ولا يريدون أن يعلموا به، بل هو عمل السوريين إلا أن السوريين لن يتمكنوا من الجلوس على طاولة الحوار دون تخفيف مستوى العنف، ولا يمكن للأخير أن يتم دون إيقاف التدخل الخارجي وبالتالي فهذه حلقات مترابطة ببعضها البعض.
لا «تسليم للسلطة» ولا «استمرار لشكلها السابق»
أريد أن أقول من هنا لصديقي السيد وزير الإعلام بأني أتفق تماماً مع ما ذكره بأن النظام لن يذهب إلى جنيف من أجل تسليم السلطة، وفي الأساس لو كان هناك تسليمٌ للسلطة لما كان تم في جنيف، وجنيف وُجد من أجل أمرٍ آخر وهو إيجاد رسمة وطريقة لصيغة اللا غالب ولا مغلوب، أنا أتفق معه بأن لا تسليم للسلطة لأن تسليم السلطة يعني وجود غالب، ثم إن ميزان القوى في سورية لا يقول بإمكانية تسليم السلطة من أحد لأحد. ولكن ما أريد أن ألفت نظره إليه هو أن الشكل السابق لإدارة السلطة في البلاد لا يمكن أن يستمر كما كان عليه سابقاً، وقد ساهم السيد الزعبي معي عبر لجنة الصياغة في صياغة الدستور الجديد الذي وضع الأساس لإعادة توزيع السلطة، وإعادة رسم نموذجها، ويجب ألا يفهم من كلام السيد الزعبي بأن عدم تسليم السلطة يعني إبقاء السلطة على وضعها السابق، ونحن نريد ذلك الشكل الديمقراطي الوطني الذي يريده الشعب السوري، لذا فالحوار الوطني مطلوب. ومن هنا أقول للذين يريدون لمؤتمر جنيف أن يكون مؤتمراً للاستسلام دون قيد أو شرط - وبالمناسبة فهذه النغمة موجودة عند الطرفين - بأن ميزان القوى الدولي والإقليمي والمحلي ليس هكذا. دعونا ننأى بالشعب السوري عن الخسائر والجراح التي يعاني منها، وننقل صراعنا إلى المستوى السياسي السلمي، ولتنتصر هناك الأفكار الأقوى والأفضل والأحسن وهذا هو المخرج الوحيد والصحيح، وشكراً لإصغائكم.
أسئلة واجوبة
وفي رده على سؤال إن كانت صيغة لا غالب ولا مغلوب تنسحب على «العصابات المسلحة والإرهابيين وداعش»، أوضح د. جميل أنه يتكلم عن السوريين الذين اختلفوا على أهداف سورية ووصل خلافهم إلى الشكل الذي نراه اليوم، ولا يتكلم عن أولئك الذين جاؤوا حاملين السلاح لتنفيذ أهداف غير سورية، مجدداً تأكيده على وجوب منع التدخل الخارجي وإزاحة المقاتلين الأجانب ومن بحكمهم من السوريين وترك السوريين ليحلوا أمورهم وحدهم وحتى لو كانوا مسلحين، فحينها يمكن الاحتكام إلى لغة العقل وإلى التجربة السابقة للوصول إلى حلول داخلية.
وحول ما الذي يمكن أن يضيفه جنيف2 إلى جنيف1، أوضح د.جميل أن جنيف2 هو تطبيق لجنيف1 بكل تفاصيله، وقد تعرض هذا التطبيق لصعوبات كبرى من أطراف عديدة، يجري تذليلها تباعاً.
التوافق هو المهم
وعن ما هو تعليقه على قرار ائتلاف الدوحة تشكيل حكومة مؤقتة، قال د.جميل إن الائتلاف اجتمع في اسطنبول قبل يومين وأخذ قراراً بحضور جنيف2، فهذا القرار إيجابي وجيد، وقد قرأت نص القرار ولم أجد فيه شروطاً مسبقة بل شروطاً لاحقة وهذا جيد أيضاً، حيث أنهم يبدون نيتهم حول ما سيقولونه على طاولة الحوار، ومن المحتمل أنهم يهددون بأنه إذا لم يتم هذا الشيء أو ذاك فإنهم سينسحبون وهذا حقهم، ولكن المهم أن يأتوا وأن يأتي الجميع، فعبر الحوار سنصل إلى التوافق، والتوافق هو عبارة عن حلول وسطى في نهاية المطاف. والجيد في هذا الأمر أيضاً هو أن الحكومة التي أعلنوا عنها جاءت بعد إعلانهم الذهاب إلى جنيف، ولذلك لا أعتقد أن هناك معنى كبيراً لهذا الموضوع. وأردف: لقد أعلنا البارحة في ائتلاف قوى التغيير السلمي عن تشكيل لجنة سياسية عليا في دمشق من أجل متابعة وقيادة التحضيرات لجنيف2 والاتصال والإشراف على عمل من كُلّف بالمتابعة ومن قد يلتحق به، وكان بإمكاننا أن نسمي هذه اللجنة حكومة ظل بالمناسبة، لذا فكل قوة تجد الشكل المناسب لتنظيم وتحضير قواها لجنيف2.
حول الإدارات المدنية الذاتية
وعن قراءته لإعلان قيادات كردية إدارة مدنية انتقالية في شمال البلاد، من جهة، وأسباب عدم عودته لدمشق، من جهة أخرى، قال د.جميل إن الإدارات المدنية موجودة في الكثير من المناطق والمحافظات السورية التي لا توجد فيها أجهزة الدولة أو قوى المسلحين، وهي أشكال من الإدارة الذاتية التي يضطر السكان إلى القيام بها كما أنها واجب عليهم لإدارة أمور حياتهم اليومية، فلماذا التركيز على المناطق الكردية مقطوعة الطرق عن الوطن الأم في الظروف الحالية؟ هناك مناطق كثيرة في سورية تضم إدارات مدنية لا علاقة لها بالدولة بسبب تعقيدات الوضع الراهن على الأرض. لذلك أعتقد أن ما يجري في الجزيرة السورية هو أمر طبيعي، ورفاقنا في حزب الإرادة الشعبية وفي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير يشاركون في هذه الإدارات التي تهدف للحفاظ على سير الحياة العادية في تلك المناطق في انتظار جنيف2 وإعادة الأمور إلى طبيعتها لكي يكون الوطن كله جزءاً واحداً مترابطاً على عكس ما هو عليه الأمر اليوم، بحكم تقطع الطرقات.
وبالنسبة للسؤال الثاني، فحين تحدثت عن موعد 8 أو 9 من الشهر للعودة كنت أقصد موعد اللقاءات في موسكو أي كنت أعني بأن العودة ستكون بعد هذه اللقاءات. ولكن ومع ارتفاع زخم التحضير لجنيف 2 فإن البرنامج يتغير خصوصاً وأن جنيف يقترب وبالتالي فإن النشاطات المختلفة تزداد، وأيضاً بسبب الحصار الجائر الذي يعيشه الشعب السوري، حيث لا توجد سوى طائرة واحدة أسبوعياً إلى دمشق، وهذا يعرقل برامجي من اتصالات ولقاءات مخطط لها خلال هذا الأسبوع، في الماضي كانت لدينا أربع طائرات أسبوعياً إلى دمشق أما الآن فليس لدينا سوى طائرة واحدة أسبوعياً، وبالتالي فإذا كان لدي لقاء بعد خمسة أيام فلن أستطيع الذهاب والعودة وسأضطر أن أمضي هذه الأيام الخمسة هنا، كما أن هناك بعض اللقاءات التي لا أقوم بتقريرها أحياناً بل من قبل الطرف الذي ألتقي به، وقد تمت إحدى هذه اللقاءات الهامة البارحة مع الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية السيد ميخائيل بغدانوف، حيث بحثنا في اللقاء الوضع الإنساني والإغاثة وكيف يمكن أن تلعب الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير دوراً فاعلاً في تطوير أعمال الإغاثة الملموسة والمادية للشعب السوري بالتعاون مع الجهات الروسية المختصة.
كُلّفت بمتابعة التحضيرات لجنيف2
ورداً على شق من سؤال آخر بالسياق ذاته أوضح د.جميل: فيما يخص عودتي، أولاً نحن لا نخاف، وثانياً أنا عضو مجلس شعب ولدي حصانة برلمانية، وثالثاً لقد كنت ملزماً بالعودة خلال مدة معينة وهي خمسة عشر يوماً عندما كنت موظفاً يدعى وزيراً، أما الآن فلم أعد موظفاً ولا يستطيع أحد أن يملي عليّ الوقت الذي يجب أن أعود فيه، وسأعود حين أقرر ذلك وحين سيسمح الظرف بذلك. ولقد قمنا في قيادة الجبهة وفي قيادة الائتلاف بتوزيع العمل، وقد كُلّفت بمتابعة التحضيرات لجنيف2، لأننا تنظيم داخلي وليس لدينا أحد في الخارج، ومركز الثقل في تحضير جنيف2 هو في الخارج اليوم وليس في الداخل، وإذا لم يكن لدينا أحد في الخارج فمن الممكن أن تفوتنا الكثير من الأمور. وقد صادفت الأمور دون أن نخطط لها بأن كنت في الخارج أثناء التحضيرات لجنيف2، لذا فقد قال لي الرفاق في قيادة الائتلاف والجبهة والحزب بأن أبقى إلى حين انتهاء التحضيرات.
ورداً على سؤال حول المخرج برأيه من «قول الرئيس الأسد أنه قد يرشح نفسه مرة أخرى» رغم «اعتراضات الائتلاف» قال د.جميل إن الائتلاف كان يضع شروطاً في السابق ولكن بيانه الأخير لا يتضمن ذلك، وفيما يخص ترشيح الرئيس الأسد، فالرئيس الأسد لم يتحدث بالشكل الذي أوردته في سؤالك، بل قال إن لترشيحه علاقة بعاملين وهما رغبته الشخصية والرغبة الشعبية، والرغبة شخصية متوفرة أما فيما يتعلق بالرغبة الشعبية فمن المبكر الحديث عنها على اعتبار أن الانتخابات ما زالت غير قريبة. وبالتالي فإن المقصود من التركيز على هذه المسألة عملياً هو إيجاد شرخ بين أوساط المتحاورين المفترضين من سورية على طاولة جنيف. وإن اختصار الأزمة السورية بقضية رئيس هو عمل فاحش وخطأ كبير.
آمال الغرب بالمعارضة الخارجية خابت
ورداً على سؤال حول ما هي القوة المعارضة التي يراهن عليها الغرب، وهل يعترف بالجبهة والائتلاف قال د.جميل لقد تعرّف الغرب منذ زمن على قوى في المعارضة الخارجية وكان يبني عليها الكثير من الآمال، ولكن أعتقد بأن آماله خابت مع مرور الوقت. ثانياً، نحن نقول بالحوار والحل السياسي وبأنه لا يوجد حسم عسكري منذ سنتين ونصف، ولم يكن أحد يصدقنا، ثم جاءت الحياة لتثبت كلامنا، لذا فقد انتبه الغرب ومحطاته الفضائية المختلفة لنا فجأةً، وفرضت سياستنا الصحيحة أمراً واقعاً جديداً. وقد اجتمعت مع روبرت فورد كممثل لجزء من المعارضة الداخلية، وكانت جلسة تعارف وتناقشنا كثيراً، وأبديت وجهات نظرنا فيما يتعلق بشكل تمثيل المعارضة في مؤتمر جنيف، وأعتقد أن الأمريكيين كانوا يهوون فكرة كون الائتلاف السوري الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية، وقلت لروبرت فورد صراحةً بأنكم بهذا تعيدون «سيرة» الحزب القائد التي عاشتها سورية لأربعين أو خمسين عاماً وهذا ليس مفيداً خصوصاً وأنكم بلدان تتحدثون بالديمقراطية، فسورية تعددية حسب الدستور، والمعارضة فعلياً تعددية، وستضرون المعارضة وسورية بفرضكم للائتلاف كممثل شرعي ووحيد للمعارضة السورية، وقمنا بتقديم اقتراحات ملموسة أعتقد أن بحثها جار من أجل تمثيل المعارضة ليس في وفدٍ واحد، ونحن لسنا متفقين حتى مع الأصدقاء الروس على تشكيل وفد واحد للمعارضة، لأن وفداً واحداً يعني وجود أرضية واحدة وهذه الأرضية الواحدة غير موجودة في المعارضة، حيث كان هناك معارضة مؤيدة للتدخل الخارجي وأخرى معارضة له وهذان النوعان لا يجتمعان، ويمكنهما الاتفاق على طاولة الحوار على رفض التدخل الخارجي ورفض العنف وحينها يبدأ الاتفاق.
الأزمة الأمريكية والتراجع الاستراتيجي
وحول ما إذا كان يعتبر أن التقارب الأمريكي الإيراني هو تغير تكتيكي أم استراتيجي غربي وأمريكي، قال جميل أعتقد بأنها تغييرات استراتيجية، لأنه يجب قراءتها من زاوية الأزمة الرأسمالية العظمى الجارية وحالة الضعف العام على كل الجبهات وإعادة صياغة الأولويات لدى الغرب عموماً ولدى الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، وأظن بأن الكثيرين ممن يتحدثون عن السياسات الأمريكية، يتجرّدون ولا ينتبهون إلى موضوع الأزمة الاقتصادية وعمقها وشكلها البنيوي، وهذا يؤدي لاستنتاجات خاطئة لأنهم يفهمون السياسة الخارجية من باب التكتيك والمناورات، وإن السؤال بالنسبة لي سابقاً لم يكن حول موضوعية الأزمة، بل إلى متى ستستمر حالة الإنكار الأمريكية لفهم الأزمة، (..) وعندما قال أوباما بأنه سيتريث في ضرب سورية ومن ثم تخلى عن هذه الفكرة اعتبرت هذا الحدث بمثابة السويس الجديدة، حيث يعني هذا بأن الأمريكيين بدؤوا يخرجون من حالة الإنكار وبدؤوا بالاعتراف بوجود توازنات جديدة لا يمكنهم القفز فوقها بل عليهم أن يأخذوها بعين الاعتبار وأن يتكيفوا معها. وما يجري مع إيران هو شكل من أشكال التكيف الأمريكي مع الوضع الجديد وما يجري في سورية وحولها هو أيضاً شكل من أشكال التكيّف هذه، وأنا لا أقول بأنهم غيروا أهدافهم، بل بأنهم يغيرون أدواتهم وتكتيكهم حيث أصبحت أهدافهم أبعد منالاً من السابق وهذا في مصلحة الشعب السوري.
وحول ما يقصده بصيغة «لا غالب ولا مغلوب»، أجاب د.جميل إن القصد هو أن يقوم النظام والمعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تنقل سورية إلى بر الأمان وإلى صندوق انتخابات ديمقراطي ونزيه وشريف وغير مزوّر، ويقرر الشعب السوري مصيره بشكل حر.