«معارضة» جاهزة.. تحت الطلب!
بلغ التناقض بين أنصار الحرب واللاحرب أن وصل الأمر إلى حد الانقسام الداخلي في الغرب عموماً، وفي أمريكا خصوصاً, ما زاد تخبط الإدارات الغربية، المأزومة أساساً والباحثة عن حلول لأزماتها الداخلية خارج حدودها...
ازدادت وتيرة التصعيد الإعلامي والسياسي في الأوساط الدولية الغربية، حول العدوان المحتمل على سورية، في الأسابيع القليلة الماضية, ذاك التصعيد الذي اصطدم بأوساط دولية جديدة لم تكن ذات تأثير حقيقي في العقدين الأخيرين على الأقل، هي بلدان مجموعة« البريكس», ليبرهن على أفول النجم الأمريكي الذي لعب دور شرطي العالم، لأكثر من عشرين عاماً مضت, وإيذاناَ بخلق فضاء سياسي جديد في العالم، تغيب فيه شمس الأحادية القطبية لمصلحة قطب الشعوب المتصاعد...
فبين مواقف الدول الغربية من جهة والدول الرافضة للعدوان على سورية، من جهة أخرى، يبدو التنخدق واضحاً، ليكمل المواقف المعلنة على طول خط الأزمة، بين أنصار الحل السياسي والرافضين له، وعليه أصبح بالإمكان فهم موقف المعارضة اللاوطنية من موضوع العدوان على سورية.
ليست المرة الأولى في التاريخ التي تواجه فيه البلاد خطر التدخل الخارجي، فمن هيمنة العثمانيين على مقدرات المنطقة حتى أوائل القرن الماضي، إلى تدخل القوات الفرنسية عام 1920، وصولاً إلى الحروب التي خاضها الجيش العربي السوري مع الكيان الصهيوني تباعاً بعد حرب الجيوش العربية 1947. وعند كل تهديد بالعدوان على سورية، كانت بعض الواجهات الداخلية العاملة، على التهليل لهذا العدوان وتلميع صورته، حاضرة على الساحة السياسية. ساعيةً بذلك إلى استثمار الرافعة السياسية التي قد يؤمنها لها العدوان، بعد استنفاد إمكانيتها الذاتية على تأمين رافعتها الشعبية بعملها السياسي على الصعيد الداخلي. ذلك أن رصيدها السياسي مرهون بتحقيق الأهداف الخارجية من هذا العدوان.
فحل أزمات البلاد المتراكمة، حسب زعمهم، هو ثمنٌ باهظ على المنهوبين لكي يدفعوه، مقابل إنجاز مطالبهم المحقّة، وعليه يدخل هؤلاء في عملية طويلة يجاهدون فيها لإقناع فقراء البلد بضرورة التدخل الخارجي، كحلٍ وحيد لأزمتهم المتفاقمة..
وقد جاء تغييب البرنامج السياسي لهذه القوى اللاوطنية، ليعبر في جوهره عن ارتهانها للأجندات الغربية التي سعت، ومازالت تسعى، إلى تفكيك بنية جهاز الدولة السوري. فكانت مواقفهم على الدوام صدى للمواقف الغربية كيفما جاءت...
وإن الموقف الغربي برفضه للحل السياسي في المراحل الأولى من الأزمة، أو بقبوله له على مضض في مراحل أخرى، كان لسان حال القوى اللاوطنية التي كانت تتلقف التصريحات الغربية على اختلافها، وتعيد صياغتها كمواقف ومبادرات تعبر عنها علانية...
واليوم، يعود الحديث مجدداً عن عدوان عسكري مباشر على سورية، لينعش بدوره أوهام «الحسم العسكري». وقد عانت قوى المعارضة غير الوطنية، حتى الأمس القريب، من الواقع الموضوعي على الأرض، والذي كان، ولم يزل، يؤكد يوماً بعد يوم على استحالة كسر التوازن الداخلي العسكري، قبل أن تسبقه عملية كسر للتوازن الدولي الذي يحكمه. هذه الحقيقة التي تفهمها قوى الغرب جيداً، انعكست في تقليص حجم أجندتها من الحدود العليا، المتمثلة بكسر التوازن العسكري لمصلحة المعارضة المسلحة، إلى الحدود الدنيا، المتمثلة بتعديل الموازين على الأرض فقط، قبيل الذهاب إلى طريق جنيف 2 والحل السياسي الذي أصبح قدراً لا راد له.