أمريكا تريد«عدواناً ثلاثياً» جديداً!

أمريكا تريد«عدواناً ثلاثياً» جديداً!

تعيش أمريكا اليوم الحالة ذاتها التي انتابت بريطانيا وفرنسا بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية: حالة إنكار التراجع وفقدان دور «القوة الأولى عالمياً» كنتيجة لميزان القوى العالمي الذي نتج عن الحرب في حينه.

يصعب على الولايات المتحدة الأمريكية استيعاب ميزان القوى الدولي الجديد، حيث يتراجع دورها في السياسة العالمية بشكل مطّرد، في مقابل تقدم دور «مجموعة البريكس» وعلى رأسها روسيا، وهذا يفسر إلى حد بعيد الانقسام الذي تشهده الإدارة الأمريكية إزاء ملف الأزمة السورية، ما بين قوى متشددة تدعم تدخلاً عسكرياً في سورية، وبين قوى تسعى للتكيّف مع حجم الدور الدولي الجديد للولايات المتحدّة الأمريكية.
لم تستطع أمريكا أن تتدخل عسكرياً في سورية في أكثر لحظات الأزمة السورية تعقيداً، فما الذي يجعلها اليوم تعود إلى نغمة التدخل العسكري بعد أن أنجزت توافقاً مع روسيا حول ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية، وبعد بدء التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف2؟
بعيداً عن ذريعة مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية التي جعلت منها أمريكا سبباً للتدخل العسكري في سورية، نجد الكثير من الإشارات الواضحة في الخطاب الغربي إلى ضرورة تحسين الوضع التفاوضي البائس لأمريكا وأدواتها، في المنطقة والداخل، بمعنى أن الأهداف المرجوّة من تدخل كهذا تختلف عن تلك التي كانت مطلوبة من التدخل في العراق أو ليبيا، حيث كان مطلوباً إسقاط جهاز الدولة في هذين البلدين، أما في سورية فتلجأ أمريكا إلى محاولة أخيرة لكسب ما يمكن كسبه قبيل الذهاب إلى جنيف2. 
اعتادت أمريكا على استخدام الخيار العسكري في حماية مصالحها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى العدوان على ليبيا، أي أن الأداة العسكرية كانت أداة أساسية في تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الملفات المختلفة. وأمام استمرار تراجع دور الولايات المتحدة دولياً، كنتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية، يتعزّز الميل لدى الإدارة الأمريكية نحو اللجوء إلى الحرب، التي تشكل «الرئة الحديدية للنظام الرأسمالي»، إلا أن الرئة ليست كل شيء بالنسبة للجسد، ولا تكفي وحدها لإبقائه حيّاً، فلكي تحافظ أمريكا على مصالحها أصبح من الضروري أن تلتزم التراجع المنتظم والهادئ، وأن تستوعب الوضع الجديد. ومع ذلك ما زلنا نراها، بحكم العطالة، تلجأ إلى الأدوات التقليدية ذاتها، وعلى رأسها الحرب، الأمر الذي من شأنه أن يعمق من أزمتها، ويسرّع إزاحتها من صدارة الدول الكبرى.
أمريكا هذه، هي ذاتها التي  لم توافق مثل الاتحاد السوفياتي على محاولة بريطانيا وفرنسا، استصدار قرار لمهاجمة مصر عام 1956 بُعيد تأميم قناة السويس. ولم تستطع حينها تلك «القوى العظمى»، أي بريطانيا وفرنسا، الآخذة بالأفول، أن تستوعب الحقيقة المرّة، حتى جربتا حظهما في العدوان الثلاثي مع الكيان الصهيوني على مصر، وهزم العدوان، عندها فقط أدركتا ترتيبهما العالمي الجديد. واليوم تسير أمريكا على الخطا ذاتها، وتستمر في إدمانها على الحروب، ولن تتعقل كذلك الأمر حتى تمنى بأول هزيمة.