لماذا استهداف الإرادة الشعبية؟
في ربع الساعة الأخير قبل إحضارهما إلى المؤتمر الدولي للحل السياسي للأزمة السورية، والمزمع عقده عاجلاً أم آجلاً في جنيف أو غيرها، يلعب الطرفان المتشددان في الأزمة السورية أوراقهم الأخيرة، ويعيدون ترتيبها وفرزها،
وينتقون الأوراق المعدّة للحرق من أجل رفع سقف التفاوض ونصيب الحصص المشتهاة. فما هو مغزى هذه التحضيرات وهل يقتصر تأثيرها على المدى التكتيكي القصير، أم تستطيع - كما يرغبون- أن تترك ندباتها على الشكل النهائي للحل السياسي ووجه سورية المستقبل؟
محروقات المعارضة
المعارضة المرتبطة بالخارج بنيوياً ووظيفياً من ائتلاف الدوحة وما لفّ لفه، تعلم متأخرة بأنها ركبت في السفينة الأمريكية الغارقة، فتحرق جزءاً من رموزها وشخوصها المتطرفة عبر خطاب إعلامي رافض للذهاب إلى الحل لسياسي، ومصرّ على أوهام الإسقاط، فتحقق بذلك هدفين معاً، ترفع سقف التفاوض مع النظام من جهة، وتعدم سياسياً بعض شخوصها وأثقالها، لتتمكن من البقاء في إطار القبول الدولي بها إلى الحل بما تبقى من «معتدلين» لهم دور تنفيذ نفس المشروع الأمريكي، لكن بأدوات سياسية.
محروقات النظام
لعل توزيع الأدوار بين أوراق المعارضة اللاوطنية هذه، هي الأبسط والأوضح والأكثر غباءً، وبالتالي الأقل دعوى لقلق الوطنيين بشأنها. في المقابل فإنّ اللعبة التي تدعو إلى الحذر والاهتمام الأكبر من قبل جميع الوطنيين في المعارضة الوطنية وفي النظام، هي اللعبة الأذكى والأقل وضوحاً, لعبة توزيع الأوراق بين المتشددين والفاسدين داخل النظام وجهاز الدولة، لأنهم كما أثبتت التجربة التاريخية للأزمة وما قبلها لا يقلّون عن السيّد الإمبريالي-الصهيوني خطراً وعداءً للشعب السوري، نظراً لتسترهم خلف شرعية الدولة وأجهزتها، ونفاقهم ومزاودتهم واستثمارهم لتضحيات الجيش العربي السوري لحرفها باتجاه تأمين مصالحهم الخاصة، ويبدو أنّ الاختلاف النوعي ومكمن الخطورة لهؤلاء مقارنةً مع طريقة المعارضة البسيطة في حرق الأوراق، هي أنّ هؤلاء الفاسدين والمجرمين يعملون على حرق الحدّ الأدنى من أوراقهم الخاصة - محاولة استعادة «الدردري» نموذجاً- في مقابل إشعال الحدّ الأقصى من الحرائق الأمنية والسياسية والاقتصادية-الاجتماعية لحرق خصومهم الوطنيين في الداخل، ولاسيما المعارضة الوطنية، لإفراغ الساحة السياسية لهم وحدهم، وتسهيل توافقهم مع فاسدي المعارضة اللاوطنية وداعميها الغربيين، على المشروع الإمبريالي لتسوية الأزمة السورية على حساب الشعب وفقرائه، ونستطيع أن نفهم الهجوم الشرس إعلامياً وسياسياً وعلى الأرض على حزب الإرادة الشعبية بشكل خاصّ، عبر الهجوم على الرفيق قدري جميل من بوابة المنصب الوزاري، سعياً منهم لتحقيق عدة أهداف..
أولاً، على المستوى التكتيكي القصير: تحميل حزب الإرادة الشعبية المسؤولية عن العواقب الاقتصادية للأزمة، لتبرئة أنفسهم من جرائم التربح الاحتكاري والفساد ورفع الأسعار فوق الحد الذي يمكن تبريره بالأسباب الموضوعية للأزمة والحصار الاقتصادي.
ثانياً، على المستوى الاستراتيجي البعيد: محاولة تصفية الحامل السياسي الرئيسي حتى الآن للبرنامج الوطني المتكامل سياسياً ووطنياً ذي الجوهر الاقتصادي-الاجتماعي الطبقي المنزاح للمصالح العميقة والجذرية لفقراء الشعب السوري وكادحيه، في إعادة توزيع الثروة لمصلحة المنهوبين وعلى حساب الناهبين الفاسدين، الأمر الذي يرعبهم كونه سيكون الصخرة الثابتة في وجه تأمين استمرار وازدياد نهبهم لقوت الشعب في مرحلة ما بعد التسوية السياسية.
ثالثاً،على المستوى المعرفي: تضليل الناس بحرف أنظارهم عن جوهر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتعليق نتائجها على أيّة شمّاعة عدا أسبابها الحقيقية من طمع وجشع وفساد حلفهم الطبقي وأذرعه الأمنية وميليشياته المسلّحة.
ولكن كل هذه المحاولات تصطدم بالارادة الفولاذية لحزب ذو باع طويل وتجربة تاريخية وسبق معرفي، وتصطدم أيضاً وايضاً بمصالح أغلبية الشعب السوري، ومع حاجات الواقع الموضوعي نفسه، وتسير بعكس اتجاه تطور الوضع العالمي وتوازات القوى الدولية، التي تنبىء بتحولات تاريخية كبرى، وبالتالي هي محاولات بائسة ولن يكتب لها النجاح.