الكلمة الختامية المقدمـة للمؤتمر العاشر الدوري لحزب الإرادة الشعبية
قبل انتهاء أعمال المؤتمر أجملت قيادة الحزب ردودها على مداخلات الوفود في كلمة ختامية ألقاها الرفيق د.قدري جميل، وتضمنت النقاط التالية:
أولاً: الحل السياسي كمرحلة جديدة
لتطور الأزمة السورية
النقطة الأساسية التي تتمركز حولها المرحلة القادمة هي أننا مقبلون على مرحلة جديدة من تطور الأزمة السورية، لها خصائصها وتجلياتها وطرق الصراع فيها، وذلك بعد فشل المرحلة الأولى في التدخل المباشر والمرحلة الثانية في التدخل غير المباشر، فنحن ذاهبون إلى المرحلة الثالثة، ونحذر الأصدقاء والحلفاء بأن لا يأمنوا شرّ الأمريكيين. فهم لم يتخلوا عن أهدافهم التي سعوا إليها في المرحلتين الأولى والثانية، والتي مازالوا يسعون إلى تحقيقها بأقل الكلف في المرحلة الثالثة، مرحلة الحل السياسي. إنهم يريدون الذهاب إلى ديمقراطية تحاصصية يظنون بأنّ الظرف جاهز لها، بسبب تحقق نماذج منها حولنا، ولاسيما أنّ الصراع في سورية سخّن بعض الفوالق بحيث أتاح لأمريكا محاولة تصدير ديمقراطية التحاصص التفتيتية إلينا، وثالثاً فإنهم روّجوا لهذه الديمقراطية في الإعلام بحيث بات يعتبر أحمق مَن يتكلم اليوم عن أي مفهوم للديمقراطية خارج إطار ديمقراطية المكونات، التي يقصدون بها مكونات المجتمع ما قبل الدولة الوطنية. وأذكر بأن وفداً أجنبياً زارني قبل يومين مؤلف من ناشطين معادين للعولمة والرأسمالية، إلا أنهم على ما يبدو قد تعرضوا لغسل دماغهم من الإعلام الغربي حول مسألة ديقراطية الأقليات، فالإعلام الغربي يرى بأنه حتى تحقق الديمقراطية في سورية يجب أن تكون ديمقراطية أقليات، أي التمثيل على أساس أقليات، كشكل وحيد دونه لا تكون ديمقراطية. بينما نحن نطالب بتوحيد الكيان السوري، وتوطيد الوحدة الوطنية أكثر، عبر ديمقراطية التمثيل السياسي، في حين أن ديمقراطية الأقليات تعني بأن مقاعد البرلمان توزع على أساس الأقليات، وتكريس واقع ما قبل الدولة الوطنية، وتحويله إلى شكل قانوني وشرعي ودستوري، وهنا ستكون المعركة قاسية، ولن تنحل بضربة واحدة، ويجب أن نمضي بحلول ننتقل بها من مرحلة إلى مرحلة بحيث أن نفشل المخطط الأمريكي، ونحن جاهزون لذلك.
ثانياً: معركة إعادة الإعمار
لقد أحدثت زيارة الدردري لدمشق، واستقبال البعض له، حالة استياء بين أوساط شعبية وسياسية كثيرة، ويقول بعض الإعلام بأنّ الدردري مرشح لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ويُعتبَرُ مرشحاً أمريكياً، ويقول البعض إنه مقبول لدى جزء من معارضة الخارج وجزء من النظام وخاصةً الفاسد منه. ويمكن أن يكون هو النموذج الأحسن للخطة «ب»، التي هي توحيد فاسدي النظام مع فاسدي الخارج، وإقصاء جميع الوطنيين السوريين عن دائرة التأثير السياسي، وتكبيدنا الخسارة في جميع المعارك التي خضناها من أجل التغيير الديمقراطي الجذري الحقيقي البنيوي، وأن يخرجونا بنهاية المعركة دون تغيير حقيقي، ويكرروا تجربة تونس ومصر في سورية، بتغيير الواجهات وإبقاء النظام.. هذا أمرٌ لن نسمح به! وكلّ الظروف تسمح بأن نسير بهذا الاتجاه، اتجاه التغيير الديمقراطي الحقيقي، ومنع تنفيذ الخطة «ب»، باعتبارها خطة الإمبريالية الأمريكية وحلفائها في المنطقة. فأخطر ما سنواجهه في المرحلة القادمة أيها الرفاق هو التحالف العلني للمتشددين من الطرفين، لأنّ حجم المصالح والثروات سيوحّدهم، ولن يتنازعوا سوى على الحصّة، والتي باتفاقهم عليها، سيكونون قد اتفقوا سياسياً. وأنا أدري وأعي تماماً ما أقول، حول أنّ أمامنا فرصة تاريخية بأنّ نسجل في تاريخ سورية طريقاً آخر لتطور الحركة السياسية والبنية السياسية خلافاً لما يريدون. فما هي الظروف التي تعمل لمصلحتنا؟ أولاً، يعمل لمصلحتنا تغيّر ميزان القوى الدولي، الذي رغم كونه لم يحسم بعد ولكنّ ميله العام في صالحنا. وتعمل لمصلحتنا التغيرات الإقليمية، وبدأنا نرى أول الغيث في تركيا، وأحداثها لن تنتهي اليوم أو غداً.. فمنذ زيارتنا السابقة إلى تركيا، قلنا لليساريين الأتراك: حضّروا الساحات والخيام، فخلال سنة أو سنتين ستلحقون بالبلدان العربية، فحجم التناقضات الاقتصادية-الاجتماعية لا بد بأن ينفجر في النهاية. وهذا يؤكّد مقولتنا حول الحركة الشعبية بعد نهوضها بأنّ درجة النشاط السياسي للجماهير بتطوّره لا حدود له. وربما كان الفضل للعالم العربي بأنه كان مركز الانطلاق، ورغم التشوّهات والانحرافات، إلا أنّ هذه العملية جارية ومستمرة وستدوم على مدى عشرة أو خمسة عشر عاماً المقبلة، إذا أخذنا تجارب ودروس القرن الماضي بانطلاق الحركات الشعبية، ودرجة النشاط السياسي العالي للجماهير، والذي كان يستمر حتى خمسين سنة. وبالمقارنة فإننا قد بدأنا للتو فقط. والحركة في تركيا لن تتوقف، ولاعلاقة لها لا ببناء ولا ببضعة أشجار.. الإعلام لا يرينا سوى ساحة «تقسيم»، أما الحقيقة فهي أنّ باقي الساحات التركية تجري فيها أحداث أشدّ وأقوى، وهناك صراع سوف يشتدّ على الأرض، لأنّ تركيا في نهاية المطاف تشبه أمريكا اللاتينية، والتي كانت خلال النصف الثاني من القرن العشرين مرتعاً لليبرالية المتوحشة وللديكتاتوريات الدموية، وتركيا هي نسخة طبق الأصل من أمريكا اللاتينية، والتي رأينا إلى أين انتهى بها المطاف.. ولكن لماذا تأخرت تركيا عن مسار أمريكا اللاتينية، ولم تنته إلى النتيجة نفسها؟ السبب هو أنّ عوامل الصراع في المنطقة مختلفة، فالتركيز الأمريكي والإسرائيلي على تركيا أخّر التطور والولادة الطبيعية، والتي رغم ذلك كان لابدّ أن تحدث أخيراً، وها هي قد بدأت اليوم، وتركيا تعاني آلام المخاض الأولى للتحول البنيوي الذي لا رادّ له. وتركيا ماضية إلى أبعد مما يظنّ البعض، وفيها حركة ثورية حقيقية وقوية، مظلومة ومضطهَدة، على مدى عقود أنتجت خلالها كوادر وأحزاب يسارية حقيقية. لذلك فالمَدَد قادم إلينا! وما علينا سوى الصمود، وقد صمدنا حتى الآن ضدّ التدخل الخارجي غير المباشر، وعلينا اليوم متابعة الصمود لمنع من حاول المرور عبر التدخل المباشر وغير المباشر، من أن يمرّ عبر الحلّ السياسي، الذي سيكون خبيثاً ومقنعاً ومخبّأً ولن يظهر أنيابه القاطعة مباشرةً، ولكنّ هيهات أن يمرّروا هذه الخطة علينا. فنحن قد أمطنا اللثام عنها منذ البداية، ونسلّط الضوء عليها باستمرار، ونتحداهم لنمنع تنفيذها. المهم الآن أن نذهب إلى «جنيف»، وهو ما كنا ندعو له منذ نحو سنة ونصف. حتى نخفض درجة العنف، أي درجة الحرارة، وبعدها نذهب لمعالجة الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والمهم أن يكون لدينا الرافعة والأداة، ألا وهي الحزب، والتي هي من حيث المبدأ موجودة، ولكن نقول هذا لكي يعرف كلّ منا حجم المسؤولية الملقاة عليه كفرد، وعلينا كمجموع، لأنه في حال فشلنا في تحقيق هذه المهمة ستكون الآثار كارثية على التطور السوري، وفي حال نجاحنا ستكون الآثار إيجابية جداً بمعنى التطور نحو حلّ الأزمة السورية خلال الفترة القادمة.
ثالثاً: حول المحروقات..
ما هو جوهر المشكلة؟
سبب دخولنا الحكومة من البداية كان من أجل أن تجري المصالحة، والبرنامج الحكومي لم يكن فيه تغييرات بنيوية، فهي مؤجلة إلى ما بعد الأزمة. لقد دخلنا من أجل وقف العنف ونجحنا بالسير قدماً بهذا الاتجاه، واليوم المناخ السياسي في سورية مختلف عما كان قبل سنة، هل يمكن مقارنة حجم الحديث عن إيقاف العنف والحوار قبل سنة بحجمه اليوم؟ هل لنا كحزب إرادة شعبية والجبهة الشعبية للتغيير والتحريرحصة مساهمة في هذا التطور؟ حتماً لنا، دون أن نبالغ بالدور، لكن لا يمكن أبداً نفي الدور الذي لعبناه في التغييرات التي حصلت بالمناخ السياسي والحل السياسي المطروح للأزمة، ولكن لم يكن لدينا أي وهم بأنّ الأزمة الاقتصادية التموينية ستحل، بل كان لدينا اعتقاد قوي بأنّها سوف تتعقد. ماذا كان فاسدو النظام يريدون من دخولنا الحكومة؟ ما إن دخلنا الحكومة حتى ضحكوا في سرهم وقالوا في أنفسهم بأنهم أوقعونا في المصيدة، وحمّلناهم أسوأ وزارة في مواجهة المواطنين، وصار بمقدورنا أن نقول بأنهم السبب في ارتفاع الأسعار، التي كان معروفاً يقيناً بأنّها سترتفع، وارتفاعها محكوم بحجم الاحتياطي الدولاري والعملات الصعبة، وبتوقف النفط، والاستيراد من الخارج. رغم أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية لا يعكس هذه الأسباب فقط، التي لا تبرر كامل ارتفاعه إلى 150 ل.س. إذ كان سعر 100 ل.س. ليعتبر طبيعياً كنتيجة لهذه الأسباب والظروف الحالية، فلا يوجد بلد خاض حرباً إلا وتغيرت قيمة عملته عشرات المرات، العراق ولبنان كأمثلة، و في سورية تغير قيمة الليرة ثلاث مرات فقط (حتى 150 ل.س.)، وأرى أنّ التغيّر الحقيقي المبرر هو أول 100 ل.س. فقط، أما الـ 50 ل.س. الإضافية فهي عبارة عن مراباة ومضاربة، سببها فساد جهاز الدولة، وطمع وجشع الصيارفة في السوق، ولو كان جهاز الدولة كفؤ كان يمكن أن يضبط ذلك، ولكنّ جهاز دولتنا غير موحّد ومخروق كثيراً من قوى الفساد، ولا يستطيع أن يلعب دوره المطلوب منه بشكل كامل. المطلوب منا الآن حتى نحل الأزمة أيها الرفاق، هي ثلاث قضايا باختصار، وما يمنعنا من حلّ المشكلات الاقتصادية والتموينية عاملان: ضعف أداء جهاز الدولة وفساده من جهة، وانخفاض مستوى تنظيم الجماهير من جهة ثانية، وبالمعنى الثوري.. دون ضبط أداء جهاز الدولة، ورفع مستوى تنظيم الجماهير - «لقمة الشعب خط أحمر» كمثال - لا يستطيع أيّ «سوبرمان» أن يحدث تغييراً حقيقياً. فثمة صراع اجتماعي يجري هنا ويأخذ أشكالاً اقتصادية - تموينية. فارتفاع الأسعار بحجم أكبر مما تبرره الظروف الموضوعية دليل على أن قوى الفساد والدخل اللامحدود هي الأقوى، وتفرض مصالحها، فالقضية لم تعد لها علاقة بحكومة أو وزير، بل بتوازن داخل جهاز الدولة وداخل المجتمع، وهذا هو ما يجب تغييره حتى نضمن عمليةتطور للأمام. والبعض خلال هذا الصراع يريد تحميلنا المسؤولية حتى يبرّئ نفسه مما اقترف من آثام الفساد ورفع الدعم وإضعاف دور جهاز الدولة، ونحن نقبل هذا التحدي الذي نعمل على أن نكون على مستواه، ونعتقد بأننا نحقق نجاحاً لا بأس به في هذا المجال. وأعتقد بأننا مقبلون خلال الشهرين القادمين على محاولات لا سابق لها في رفع أسعار مواد عديدة، وخاصة حوامل الطاقة.
ومنذ حوالي أسبوعين خلصنا إلى فهم أدقّ، وعرفنا الجواب على سؤال: لماذا يجري الإصرار على رفع الدعم النهائي عن حوامل الطاقة؟ إنّ الحجة التي تساق لعامّة الناس هي بأنّ الدولة ليس لديها مداخيل، وتتكلف كثيراً، وتحتاج أموالاً، لكن أين تكمن الحقيقة؟ نحن ذاهبون إلى حكومة وحدة وطنية كقدرٍ لا رادّ له، وتحكّم مراكز النفوذ المرتبطة بالفساد بجهاز الدولة بمراكز التدفقات المالية التي كانت تتحكم بها تاريخياً سينخفض، بعد أن تتشكل حكومة وحدة وطنية، وتبين بأن توزيع المحروقات كنوع من النشاط هو مركز دخل هائل، وبالتالي ترغب قوى الفساد بشدّة بأن تتم خصخصة هذا النشاط، الأمر الذي لا يمكن أن ينجز إذا بقيت المواد مدعومة، ولا بد بالتالي من رفع الدعم حتى تفتح إمكانية الخصخصة، وإمكانية اشتراك القطاع الخاص مع العام في التوزيع، ويدخل القطاع الخاص على خط توزيع المحروقات، مؤمناً بذلك أرباحاً للقطاع الخاص، لا تقلّ عن مستويات أرباحه في الاستثمار بالمادة رقم واحد من حيث حجم الأرباح، ألا وهي الهواء، أي الاستثمار في الخليوي. وهكذا فإنّ المحروقات تمثل المادة رقم اثنين التي يخطط الفاسدون في النظام من أجل خصخصتها. وأثناء مضيهم بهذا الاتجاه يريدون تحميلنا نحن مسؤولية رفع الأسعار، حتى تكون الساحة خالية من أي صوت أو قوة سياسية تعارضهم عندما يقومون بالعملية الأخيرة. وهؤلاء بطمعهم وجشعهم يمكن أن يتفقوا حتى مع العدو، وأعتقد بأنّ خطوط الاتصال قد بدأت بين فاسدي النظام وفاسدي الطرف الآخر، وهم يشغّلون الخطة «ب»، بأن يلقوا المسؤولية على عاتق عدد من الأشخاص (فوق)، ويتصالحوا هم مع بعضهم، الأمر الذي يخدع الناس ويضللهم في بداية الأمر على أنّ مصالحة وحلاً حقيقياً قد حصل، لكن ليس طويلاً، إذ سيستيقظون على واقعٍ لم يتغيّر به شيء جذري، كما حدث للمصريين والتونسيين. أما نحن في سورية فنعتقد بأنّنا لن نسمح بالوقوع في المطبّ نفسه. وسوف نذهب إلى التغيير الجذري الشامل. لذلك فإنّ الدور الواعي النشيط للحزب هو قضية حساسة وهامّة.