افتتاحية قاسيون 887: «اللامركزية الديموقراطية»: لا ثورية ولا وطنية
عادت إلى الواجهة من جديد، وفي سياق ما يجري الترويج له على أنه «إستراتيجية أمريكية جديدة»، الأحاديث عن لا مركزية «ديمقراطية»، وليست بعض القيادات الكردية فقط هي من تحمل هذا اللواء، بل كذلك شخصيات وجهات سورية أخرى بعضها «قومي عربي» عتيق، وإنْ كان الحامل الأساس الظاهر للطرح حتى الآن هو بعض القيادات الكردية.
إنّ اللامركزية التي يجري الحديث عنها ووصفها بـ«الديمقراطية»، ليست قطعاً اللامركزية الإدارية، وهي ليست أكثر من محاولة بائسة لاستخدام الوقع الإيجابي لكلمة ديمقراطية، لتشفير وتغطية التسمية الصريحة: التقسيم! ولا أدل على ذلك من تصريحات أحد القياديين الكُرد منذ أيام بأن: «حل هذه الأزمة المعقدة يبدأ من منح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية الشخصية الاعتبارية من قبل واشنطن وعموم المجموعة المصغرة»
إنّ «اللامركزية الديمقراطية»، والمطالبة باعتراف دولي بالإدارة الذاتية كـ«شخصية اعتبارية»، تعني: أن يكون في سورية عِوضاً عن مركزٍ واحدٍ، عدة مراكز، ربما عشرة أو أكثر، وهذا موقف مناقض لوحدة سورية والشعب السوري ولسيادته على بلده، وهو لذلك موقف غير ثوري وغير وطني؛ موقف رجعي على طول الخط، أياً كانت الأشكال التي يتغطى بها أصحابه ومروجوه. وليس من نافل القول: إنّ لا أوراق تيلرسون وبومبيو، وتأكيدها على هذا الطرح، ليست سوى دليل إضافي على درجة رجعية هذا الطرح ومعاداته لعموم الشعب السوري، بكرده وعربه، وبمختلف قومياته وانتماءاته.
إنّ رفضنا اللامركزية التي يجري الحديث عنها، لا يعني بحال من الأحوال الاحتفاظ بصلاحيات المركز على حالها؛ على العكس، ينبغي أن يجري توسيعٌ كبيرٌ لصلاحيات المناطق، وتقليصٌ لصلاحيات المركز التي طالما استخدمت لتكريس النهب والفساد والقمع ومركزتها، بالتوازي مع تهميش النسبة الأعظم من مساحة البلاد، ولكن حل أزمة التمركز الشديد لا يكون بنسف مركزية البلد وتحويله إلى مجموعة «شخصيات اعتبارية باعتراف دولي»؛ أي بتقسيمه، بل هي إحدى القضايا التي ستطرح على بساط البحث الدستوري في إطار حلٍّ سياسي شاملٍ وفقاً للقرار 2254، يمتلكه ويقوده ويتوافق عليه السوريون...
يجري أيضاً طرح شكلٍ وهمي لحل أزمة اللاجئين، وحديثٌ عن خطر احتلال تركي لشرق الفرات، بوصفها أوراقاً للابتزاز وصولاً لتحقيق «البرامج»، واستناداً بالطبع إلى الوعود الأمريكية والخليجية. والحق أن برنامج الداعمين، لا علاقة له بالبرامج الوهمية للمتشددين السوريين؛ برنامج الداعمين كان ولا يزال برنامج «الفوضى الخلاقة...»
وفي سياق خدمة المشروع نفسه، نسمع مطالبات لدي ميستورا أن يعلن في إحاطته الأخيرة، أن النظام هو الطرف المعطل للجنة الدستورية، وللعملية السياسية ككل، ولا نعلم أية فائدة تُرتجى من ذلك! إنما هو أحد التعبيرات عن استمرار متشددي المعارضة، ونظرائهم من متشددي النظام، في التعامل مع جنيف بوصفها ساحة للمبارزات الإعلامية الاستفزازية، ضمن تمثيلية «العمل الجدي نحو الحل السياسي»، وبانتظار أن يجري القضاء المبرم على الطرف الآخر وعلى يد «الحلفاء»، وإلى حينه فلتمتد الكارثة ما شاءت لها الأقدار أن تمتد! وهم بذلك يعيقون بلا شك إنهاءها، ولكن يعيقون فحسب، ولن يكون بمقدورهم أن يمنعوا الحل الآتي، والذي لن ينسى فيه الشعب السوري دَربَ الآلام التي دفعوه لخوضها!