افتتاحية قاسيون 886: اللجنة الدستورية والسيادة الوطنية
«عملية انتقال سياسي بقيادة سورية ويملكها السوريون»، «ويؤكد أن الشعب السوري هو المعني بإقرار مستقبل سورية»، «عملية سياسية بقيادة سورية تُيسرها الأمم المتحدة».
هذه بعض من العبارات الواردة في القرار 2254، التي تؤكد ملكية السوريين للعملية السياسية وقيادتهم لها، وبأن دور الأمم المتحدة هو في تيسير تلك العملية.
وفي بيان سوتشي الختامي، وحول اللجنة الدستورية، يرد ما يلي حرفياً: «على أن يكون الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية عبر المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف».
إنّ إعادة التذكير بنصوص القرارات الدولية ومضامينها، يرتدي أهمية حاسمة في لحظة تحاول فيها بعض الدول، وبشكل واضح وفاضح مجموعة (5+2)، تحريف تلك القرارات والتلاعب بها عبر تعطيل تشكيل اللجنة الدستورية لفترة طويلة، ومن ثم محاولة تسريع ولادتها بشكل مصطنع وبطريقة محددة تؤدي إلى ولادتها ميتة!
إنّ القرار 2254، كان ولا يزال صراط حل الأزمة السورية، وجوهره هو اتفاق السوريين فيما بينهم، بتيسير وتسهيل أممي، وليس عبر الإملاءات والفرض والعقلية الاستعمارية التي لم تتخلص منها بعض الدول الغربية، وتستخدمها حتى اللحظة في محاولة فرض اتجاهات عمل الأمم المتحدة ومبعوثيها، وتنجح في ذلك أحياناً...
إنّ المجموعة المصغرة لا تزال تمارس دورها التعطيلي تجاه اللجنة الدستورية، عبر الشكل والمضمون؛ أما من حيث الشكل، فيظهر ذلك في مسألة الأعداد ومسألة الثلث الثالث خاصة، والذي لا حقّ للأمم المتحدة في تعيينه، بل هو حقّ سوري- سوري بحت، عبر اتفاق النظام والمعارضة على لائحة الثلث الثالث بتيسير من الأمم المتحدة. وفي السياق، فإنّ ذلك القسم من المعارضة المتشددة الذي رفض مؤتمر سوتشي، ووافق بعد ذلك شكلياً على نتائجه، يتماهى اليوم مع المجموعة المصغرة متخلياً عن حقّ ليس له الحقّ في التخلي عنه، وهو قِسط المعارضة من السيادة الوطنية في اختيار الثلث الثالث، واضعاً ذلك الحقّ في عهدة الأمم المتحدة شكلياً وفعلياً في عهدة المجموعة الغربية.
وأما في المضمون، فإنّ لا ورقة تيلرسون، وبعدها لا ورقة بومبيو، تُظهر بشكل واضح العقلية الانتدابية الاستعمارية لهذه الدول، التي تحاول سحب حقّ تقرير المصير من يد السوريين، عبر التحديد المسبق لشكل الدولة وشكل نظامها، وتوزيع الصلاحيات وإلى ما هنالك. والحقّ، إنّ هدف هذه الدول ليس الوصول إلى ما تعلنه في لا أوراقها، بل إدامة الاشتباك وصولاً إلى التفتيت إنْ أمكن.
في مقابل متشددي المعارضة، فإنّ متشددي النظام مسرورون ومرتاحون لكمِّ التعقيدات والعقبات التي يجري وضعها في وجه تشكيل اللجنة الدستورية بالشكل الذي يتوافق مع القرار 2254 وبيان سوتشي، ولن يكون مفاجئاً أن يقبلوا بلجنة دستورية تُولد ميتة وفقاً للأجندة والسلوك الغربييَن.
إنّ مهمة الوطنيين في كل الأطراف، هي الدفع نحو وقف انتهاك السيادة الوطنية والعمل على استرجاعها، وهذه السيادة لا تعني فقط السيادة على الأرض والحدود والقانون وأجهزة الدولة المختلفة، بل وتعني أولاً، وقبل كل شيء آخر، سيادة الشعب السوري التي يجب أن يضمنها الدستور حقّاً وفعلاً، لا أن يسجلها على الورق فقط. هذه السيادة التي سيتم استرجاعها كاملة رغم إرادة كل المتشددين في مختلف الأطراف!