افتتاحية قاسيون 861: استحقاقات التراجع
تتضح يوماً بعد يوم، عملية الاستقطاب الدولي الجديدة بين القوى الصاعدة، والقوى المتراجعة، وتتعمق أكثر فأكثر مسألة التراجع الامريكي، بدءاً من الازمة الكورية، إلى بحر الصين، إلى التخبط في موضوع الملف النووي الايراني..
لا تكمن أهمية التراجع الأمريكي، فقط في الخسائر المتلاحقة التي منيت بها الاستراتيجية الأمريكية، بل تتجسد أيضاً في أن هذا التراجع يفتح الطريق على الخيارات البديلة، حسب خصائص وظروف كل بلد من بلدان العالم.
إن فشل العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه، وتراجع دور العمل المسلح، بعد عمليات الغوطة الشرقية، وعموم محيط العاصمة، وشمالي حمص، لا يعني تغييراً في الأولويات التي يجب التصدي لها، ولا العناوين الأساسية في الوضع السوري، فالتغيير الوطني الديمقراطي، كان وما زال ضرورة تاريخية يفرضها الوضع السوري نفسه، وهو حاجة داخلية سورية موضوعية، وليس مجرد رغبة لهذا التيار السياسي أو ذاك، ولا يتعلق بظرف آني، بل عملية تاريخية قائمة منذ ما قبل 2011 وتفجر الأزمة بالطريقة التي كانت، ومستمرة حتى تحقيق هذه الضرورة، وهو من جهة حق مشروع للشعب السوري، ومن جهة أخرى، ضرورة وطنية تتعلق بتأمين أدوات استعادة سيادة الدولة السورية، والحفاظ على وحدتها، حيث تأكد بالملموس خلال سنوات الأزمة، استحالة إدارة شؤون البلاد بالطريقة السابقة، لا من ناحية بنية النظام السياسي، وهيكليته، ولا من جهة طرائق وآليات توزيع الثروة، أي أنه ضرورة سياسية واقتصادية اجتماعية في آن واحد، وهو ليس مسألة شكلية، يمكن ان تحل ببعض الإجراءات، بل عملية عميقة، وجذرية، جوهرها أن يقرر الشعب السوري، مصيره بنفسه، دون أي شكل من أشكال الوصاية عليه.
ولا يلغي هذه الحقيقة، وجود قوى الإرهاب، ودورها، ولا ينفيها مستوى التدخل الخارجي، المباشر وغير المباشر، ولا ينفيها وجود قوات احتلال أجنبية قديمة وجديدة على الأراضي السوري، لابل إن كل ذلك يفرض الإقدام على هذه العملية وبالسرعة القصوى.
ومن بدهيات القول، أن المدخل إلى التغيير المنشود في ظروف اليوم، وضمن تعقيدات الأزمة السورية، وتشابكاتها، ومقدماتها، وعواملها الداخلية والخارجية، والمآل الذي وصلت إليه، يمر حصراً عبر تنفيذ القرار 2254، أي عبر الحل السياسي التوافقي.
إن الشروع بهذا الحل، يتوافق مع اتجاه التطور العالمي، ومع ميزان القوى الدولي الجديد، ويعني فرض المزيد من التراجع على قوى الحرب والعدوان على النطاق العالمي، ويقطع الطريق على محاولات القوى المتراجعة، باختلاق الذرائع، واقتناص الفرص، لاستعادة مواقعها المفقودة، مما يعني تقديم المزيد من الاثمان، لاسيما، وأن قوى الحرب في الإدارة الامريكية، تحاول توتير الأوضاع مجدداً من خلال الملف النووي الإيراني، وإن كان نصيب هذه المحاولة لن يكون أفضل من سابقاتها، من ناحية التأثير على الاتجاه العام.