افتتاحية جريدة قاسيون: جردة حساب أولية!
مضى حتى الآن أكثر من 35 يوماً على بدء العمليات العسكرية الجوية الروسية في سورية، ورغم قصر هذه المدة سواء بالمقاييس العسكرية أو السياسية، إلّا أنّ ما ترتب عليها حتى الآن من نتائج، بالمعنى السياسي، وما كشفته من درجة نضج الميزان الدولي الجديد، يسمح برسم مشهد مختلف، وتلّمس آفاق جديدة ليس للأزمة السورية فحسب، بل لمجمل الوضع الإقليمي والدولي:
• ثبتت العمليات الروسية التوازن الدولي الجديد الذي يتناقص وزن واشنطن في كفته باطراد مستمر.
• سرعت هذه العمليات التغير في موازين القوى محلياً وإقليمياً بما يعبر عن تغير الميزان الدولي.
ثبتت انتقال المبادرة في حل الأزمة السورية خارج الأيدي الأمريكية وأيدي حلفائها.
• دفعت نحو تشكيل مجموعة دعم دولية، ستكون فاعلة بحكم تنوعها، لحل الأزمة السورية تزيح أحادية الألوان والأهداف لدى مجموعة «أصدقاء سورية» وما شاكلها.
• عقدت هذه المجموعة اجتماعين في فيينا، صدر عن ثانيهما بيان يؤكد استناده إلى جنيف1، ويتطابق مع اتجاهات الحل السياسي المطلوب داخلياً، ومع متطلبات مصلحة السلم الإقليمي والدولي.
• تثبيت تعددية تمثيل المعارضة السورية، وتثبيت حق الشعب السوري في تقرير مصيره ومستقبله السياسي بنفسه، دون شروط مسبقة.
• تثبيت الدورين الإيراني والمصري كأدوار أساسية إقليمياً في حل الأزمة السورية، بما يتجاوز أحد أهم أسباب التفشيل المتعمد لـ«جنيف2».
• تبدأ الآن موجة جديدة من زيارات الأطراف السورية المختلفة لموسكو تحضيراً لاجتماع فيينا الثالث، بما في ذلك فئات من المسلحين السوريين الذين يعلنون قبولهم بالحل السياسي وبمحاربة الإرهاب ارتباطاً بفتح أفق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، وهو ما يعني تصاعد عملية فرز سريع ضمن المسلحين، تخلط جميع الأوراق القديمة، وتخفض أوزان الدول الإقليمية في هذه المسألة بشكل متسارع، لمصلحة وزن داخلي يخدم الحل السياسي التغييري ومحاربة الإرهاب.
• تنسحب عملية الفرز هذه على صفوف المعارضات السياسية السورية أيضاً، فمختلف القوى التي عارضت الحل السياسي طويلاً وساهمت في إعاقته تتهافت الآن للحاق بالعملية، متخلية عن شروطها المسبقة، شأنها في ذلك شأن متشددي الطرف المقابل.
• تتزايد المؤشرات والدلائل على الاضطرار المتسارع لدى الأطراف الإقليمية المعرقلة للحل السوري أن تتكيف مع الوقائع الجديدة التي فرضها انتقال زمام المبادرة والضغط للجانب الروسي.
إلى جانب الأهمية العسكرية لما أنتجته «المساعدة الفنية الروسية للجيش السوري» في مكافحة الإرهاب ميدانياً، فإن ما يقرب من شهر من العمليات العسكرية الروسية، أنتج في الإطار السياسي أضعافاً مضاعفة، ارتباطاً بما تحدث عنه الروس منذ البداية، من أنّ الهدف من عملياتهم سياسي، يتعلق بمحاربة الإرهاب، ودفع الأمور نحو حل سياسي حقيقي للأزمة السورية.
إنّ اتجاه الأفق القادم بما يخص الأزمة السورية هو اتجاه فتح الباب أمام التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً. وعلى المستوى الدولي فإنّ حلّ الأزمة السورية بالطرق السلمية يعني عملياً كسر النموذج الأمريكي المعتمد في «معالجة» الأزمات الدولية، وهي سابقة من شأنها الإسهام في تصنيع نموذج جديد، سينعكس بنتائجه، على المدى المنظور، على شكل معالجة مختلف الأزمات الأخرى، ولمجمل الوضع الدولي، بالمحصلة.