خبير أمريكي: الصّين قد تتفوّق علينا في «التقانة الحيوية» خلال سنتين
تحدّث خبير في مجال التقانة الحيوية، الشهر الماضي، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، راسماً صورة «قاتمة» - من وجهة النظر الأمريكية - للسباق بين الولايات المتحدة والصين من أجل التفوق في مجال التكنولوجيا الحيوية، ومحذّراً السلطات الأمريكية من أنّ الصين «خصمٌ هائل يستعد لانتزاع الصدارة».
جوش آبوت
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
تحدّث عن هذا الموضوع مقالٌ لجوش آبوت، أحد المحرّرين الرئيسيين في موقع «بيو-بروسيس إنترناشونال» التابع لشركة «إنفورما» الدولية للخدمات الرقمية والبحث الأكاديمي، ونُشر في 18 تشرين الثاني الجاري (2025).
خلال كلمته أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ (لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات)، قال جون كراولي، وهو رئيس ومؤسس منظمة أمريكية باسم الابتكار الحيوي (BIO)، إنّ الصين «تستغلّ موقعها للتلاعب بسلاسل التوريد الدوائية، والتحكم في تدفقات البيانات، والاستيلاء على الملكية الفكرية» بحسب تعبيره - ومن المعروف جيداً أنّ المدافعين عن مصالح رأس المال الأمريكي كثيراً ما يكرّرون أسطوانة الانتهاك المزعوم لحقوق الملكية، كلّما تحدّثوا عن مجال علميّ أو تقنيّ تحرز فيه الصّين نجاحات وتقدّماً يهدّد الهيمنة الأمريكية.
وزعَمَ كراولي: «هذه الإجراءات تهدّد ليس فقط القدرة التنافسية للولايات المتحدة، ولكن أيضاً الأمن الصحي لحلفائنا وشركائنا التجاريين».
وفي سياق متصل، تحدث ديفد دود، الرئيس التنفيذي لشركة اللقاحات والتقانة الحيوية «جيوفاكس» GeoVax، للموقع نفسه حول التنافس بين الرائدَين العالميين (الصين وأمريكا) والتقدم والنجاح الذي أحرزته الصين في صناعة التكنولوجيا الحيوية.
الهجوم الصيني
بحسب الموقع الغربي نفسه، لطالما سعت الصين لتحقيق الريادة العالمية في مجال التكنولوجيا الحيوية لسنوات عديدة، وقد حققت تقدماً هائلاً في العقد الماضي. ووفقاً لديفيد دود، على الرغم من أن الولايات المتحدة احتفظت بالأفضلية في اكتشاف الأدوية، إلا أنها تخسر الميدان لصالح الصين في مجال التصنيع والتجارب السريرية، حيث باتت اليوم نسبة 30% من التجارب السريرية تنطلق من الصين، ممّا يقرّبها من نسبة 35% التي تنطلق من الولايات المتحدة. ويضيف دود: «إنّ الكثير من بنية سلاسل التوريد للتصنيع في المراحل المتقدمة في العالم أصبح مقرها الآن في الصين».
من خلال عمل هذه الشركة الأمريكية «جيوفاكس» في تطوير لقاحاتٍ في المرحلة السريرية، وعملها مع منظمات التطوير والتصنيع التعاقدية، فإنها قد شهدت عن كثب تقدُّم الصين في تسريع الجداول الزمنية للموافقات وتمكين الوصول إلى قاعدة واسعة من المرضى. وأسست الصين حضوراً كبيراً في الفعاليات الصناعية العالمية إلى درجة أنها استقطبت الضجة من المشاركين الآخرين. «كان نصف الصين موجوداً في فيينا لحضور مؤتمر بيو-أوروبا»، كما قال دود عن الفعالية التي عقدت خلال شهر تشرين الثاني الجاري.
وقال دود: «نحن في الولايات المتحدة ليس لدينا سياسة صناعية قوية تربط بين التصنيع الحيوي المحلي وتنويع المنصات والقوى العاملة... وهي أمور لا بد منها من أجل ترسيخ الميزة التنافسية لبلادنا مقابل الصين».
في الشهرين الماضيين، شرع عملاقا الأدوية أسترازينيكا وميرك في بناء منشآت جديدة في ولاية فرجينيا بينما افتتحت «فوجي فيلم» Fujifilm موقعاً جديداً للتصنيع باستخدام تقنية زراعة الخلايا سيدعم عمل شركة «جونسون آند جونسون». وفي العام الماضي، قدمت الحكومة الأمريكية قانون «الأمن الحيوي» إلى مجلس النواب الأمريكي، الذي كان يهدف إلى تقييد بعض شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية (بما في ذلك العملاقان الصينيان WuXi Biologics وWuXi Apptec) من تلقي تمويل من الحكومة الأمريكية. وقال مؤيدو القانون إنه من الضروري حماية الشركات الأمريكية من نقل البيانات الحساسة حول ملكيتها الفكرية إلى السلطات في بكين. وعلى الرغم من أن هذا القانون مُرِّر في مجلس النواب بدعم من الحزبين، إلا أنه ظل خامداً منذ أن تم إلغاء تضمينه في قانون الدفاع الأمريكي في نهاية العام. حتى أن بعض المسؤولين في الشركات قالوا في وقت سابق من هذا الشهر إنّ القانون أصبح «ميتاً» الآن.
يعتقد دود أيضاً أنّ قانون «الأمن الحيوي» لم يعد قابلاً للتطبيق بشكله الحالي، لكنه يعتقد أيضاً أن المبادئ التوجيهية العامة وراءه ستعود إلى الواجهة: «ربما سيكون له عنوان مختلف. ربما سيتم تلميعه قليلاً بشكل مختلف»، كما قال، مشيراً إلى أنه إذا تم تمرير نسخة من القانون في النهاية، فإنها ستجبر «الشركات على رسم خرائط لسلاسل توريدها والتحول نحو التصنيع الأمريكي الموثوق» بحسب تعبيره.
في غضون ذلك، أثّرت المخاوف بشأن العمل مع الصين على قرارات شركة «جيوفاكس» نفسها في اختيار منظمات التطوير والتصنيع التعاقدية. قال دود إن شركة صينية ذات سمعة طيبة عرضت خدمات إنتاج لقاحات باستخدام منصة تقع حالياً خارج قدرات أي شركة مقرها الولايات المتحدة. ولكن بدلاً من التوقيع مع تلك الشركة الصينية، والذي كان سيقود إلى الإسراع في الإنتاج، اختارت الشركة الأمريكية مساراً مختلفاً: «من الناحية المالية، كان من المنطقي أكثر التعامل مع الشركة الصينية، لأنهم كانوا مستعدين لتقديم أسعار أقل من الجميع«. على المدى القصير، تعمل جيوفاكس مع شركة في فرنسا ستكمل الإنتاج في عام 2026 قبل التجارب السريرية المخطط لها العام المقبل. وعلى المدى الطويل، تخطط جيوفاكس لإقامة تصنيع في الولايات المتحدة، وهو ما قال دود إنه من المرجح أن يحدث خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.
تُطلق النار على قدميها بنفسها
عندما تم تأكيد تعيين روبرت إف كينيدي الابن، كرئيس لوزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية (HHS)، أحضر معه تاريخاً من التشكيك في اللقاحات جادل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بأنه يجعله غير مناسبٍ للمنصب. وعلى الرغم من أن دود شدّد على أهمية العمل مع القادة الموجودين في مناصبهم بغض النظر عن الانحياز السياسي، إلا أنه قال إنّ الخطاب الذي يتبناه حول شخصيات سياسية مثل كينيدي ضارٌّ بطبيعته.
قال دود: «إن عدم اليقين الذي تم خلقه كان له تأثير سلبي كبير على مجتمع الاستثمار»، مضيفاً أن الخبراء ناقشوا الموضوع على نطاق واسع سواء في مؤتمر «بيو-أوروبا» أو في مؤتمر «مؤتمر أوروبا للقاح العالمي 2025»، الذي عقد في شهر تشرين الأول الماضي في أمستردام، هولندا. وأضاف أنّ المستثمرين الذين كان من الممكن أن يدعموا الصناعة يتجهون بدلاً من ذلك إلى فرص بديلة، تاركين برامج اللقاحات والمنتجات البيولوجية المهمة عالقة مالياً: «هذا له تأثير ضار، خاصة إذا كان برنامجك في المرحلة السريرية ولم يحقق إيرادات بعد».
كما أن تخفيضات التمويل الحكومي الأمريكي أثرت سلباً على الابتكار، ممّا أثر على شركات التقانة الحيوية، مثل جيوفاكس. ففي نيسان 2025 عندما تم إنهاء منحة هذه الشركة من المشروع المسمى «مشروع الجيل التالي» NextGen الممولة من هيئة البحوث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم (BARDA) التابع لوزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية، أدى ذلك إلى عرقلة جهود المنظمة لدعم تنوع لقاحات كوفيد-19: «كنا قد تلقينا منحة قيمتها 400 مليون دولار، وقد ذهب هذا البرنامج أدراج الرياح». كما خسرت خمس شركات أخرى مِنَحَها المالية أيضاً.
إنّ تقدم الصين على الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الحيوية قد يحدث عاجلاً وليس آجلاً، وفقاً لجون كراولي؛ «قال جون كراولي مؤخراً إنه يمكن أن تتفوق علينا الصين في غضون عامين»، بحسب ما علَّق دود، وتابع قائلاً: «من يعرف ما هي الفترة الفعلية، لكنني أقول إنها كانت تتراكم. أصبح الأمر متوقَّعاً، إذا لم نركز جهودنا».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253