الكوارث الطبيعية تمتحن الرأسمالية والاشتراكية – (1) الأعاصير
رغم أكثر من نصف قرن من العقوبات الأمريكية ضدّها، قد يستغرب كثيرون من أنّ 7 أشخاص فقط لقوا مصرعهم في أعاصير عام 2008 في كوبا، علماً بأنّ ثلاثة أعاصير اجتاحتها آنذاك (غوستاف وآيك وبالوما) وأوّل اثنين ضرباها بفاصل 10 أيام، وكانت الأضرار المادية بقيمة 5 مليارات دولار. لكن يعود الفضل إلى السرعة في إجلاء السكان وإنقاذهم بتكاتف المجهود الاشتراكي لدولةٍ تثق بشعبها وشعبٍ يثق بدولته. بالمقابل تركت حكومة الولايات المتحدة مواطنيها السود والفقراء يموتون غرقاً وجوعاً في نيو أورلينز وساحل الخليج بعد إعصارَي كاترينا وريتا اللذين ضرباها عام 2005 وما زاد الأمر سوءاً خوف كثير من الضحايا المهاجرين من أن تستغل واشنطن الكارثة لترحيلهم وطردهم، وهذا ليس مستغرباً فلقد رَفضت حتّى المساعدات الإنسانية التي استعدّت كوبا وفنزويلا لإرسالها إلى الولاية الأمريكية المنكوبة!
لاحظ تقرير لموقع «عالَم العمّال» workers.org بأنّ «الحزب الرأسمالي الذي يدير الولايات المتحدة لا يستطيع حتى التعامل مع قدمين من الثلج في مدينة نيويورك، حيث أظهر العمدة الملياردير مايكل بلومبرغ أنه عديم الفائدة في أعقاب العاصفة الثلجية في 26 كانون الأول 2011».
في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي، أظهرت الاشتراكية تفوّقها على الرأسمالية في التعامل مع الطقس البارد، حيث تم بناء محطات تدفئة مركزية تحافظ على دفء الناس في منازلهم. هذا النوع من التنظيم الاجتماعي مستحيل إنجازه في ظلّ الرأسمالية بطريقةٍ تخدم أغلبية الشعب، بل يتم احتكار أفضل الدفء والرفاه للنخبة والأثرياء، فالإسكان والوقود وغيرها ليست في الرأسمالية سوى بضائع للربح.
ليس هذا فحسب، فالإجرام الإمبريالي يهدم أيضاً منجزات الاشتراكية كلّما أتيحت له الفرصة، وتشهد على ذلك مثلاً محطات التدفئة المركزية التي دمّرها الناتو عمداً في قصفه ليوغوسلافيا على مدى 78 يوماً عام 1999، عندما تعمّد الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون آنذاك، تجميد الناس وإجبارهم على الخضوع. وللرأسمالية في الواقع تاريخ طويل بالاستغلال البشع للكوارث الطبيعية والمصطَنَعة؛ حتى في سبعينات القرن الثامن عشر ضاعفت شركة الهند الشرقية البريطانية أرباحها من موت 10 ملايين إنسان جوعاً في البنغال.
ملاحظات ابنة رفاق تشي وفيديل
في 9 أيلول 2008 نشر موقع «المناخ والرأسمالية» آخر مقال للعالِمة والأستاذة الثوريّة الكوبية الراحلة سيليا هارت سانتاماريا، التي توفيت مع أخيها في السابع من ذلك الشهر بحادث سيّارة أثناء إعصار غوستاف الذي ضرب كوبا. كانت سيليا ابنة أرماندو هارت دافالوس وهايدي سانتاماريا، وكلاهما من قادة حركة 26 يوليو، رفاق تشي غيفارا وفيديل كاسترو في النضال ضد ديكتاتورية باتيستا.
وصفت سيليا في مقالها الأخير نضال الشعب ودولته في كوبا الاشتراكية للتعامل مع إعصار غوستاف، وبحسب كلماتها: «تم إجلاء ما يقرب من 450 ألفاً في أقل من يوم واحد، وكانت جميع المستشفيات جاهزة... في أقل من يومين، وبفضل مشروع ثورة الطاقة – مشروع فيدل المحبَّب الذي انتقده كثيرون – تمت استعادة الكهرباء في 40% من مقاطعة بينار ديل ريو... سأجري مقارنة: غادر أكثر من مليون شخص نيو أورلينز الأمريكية، وامتلأت أذهانهم بذكريات إعصار كاترينا القاتل قبل ثلاث سنوات. كان الكثير منهم مهاجرين يخشون الترحيل بدلاً من الإجلاء. رغم كل ثروات الولايات المتحدة، تركت الناس بمفردهم...».
اعتراف رأسماليّ بتفوق الاشتراكية
حتى في صحيفة «الغارديان» ظهرت مقارنات بين الرأسمالية والاشتراكية بالتعامل مع الكوارث الطبيعية. ومنها مقال نشرته الصحيفة البريطانية للدكتور «بن ويسنر» الخبير بالكوارث من كلية أوبرلين، بولاية أوهايو الأمريكية، والباحث الزائر في معهد دراسات التنمية LSE.
حمَل مقال ويسنر عنوان «الاشتراكية والعواصف» (الأربعاء 14 كانون الأول 2001)، حيث أكّد على أنّ «نجاح كوبا في تقليل الخسائر بالأرواح خلال إعصار ميشيل، يسلّط الضوء على البعد الاجتماعي للتعامل مع الكوارث الطبيعية». ويوضح الكاتب بأنّ إعصار ميشيل (بين 26 تشرين الأول و6 كانون الأول 2001) كان عاصفة من الفئة الثالثة «ضربت اليابسة في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا، حيث فشل الغزو المشؤوم المدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قبل عقود، مع رياح بلغت سرعتها 216 كيلومتراً في الساعة. وانتقلت العاصفة شمالاً عبر الجزيرة، وألحقت أضراراً بـ 22400 منزل ودمّرت 2800 منزل. ودمّرت الزراعة والصناعة والبنية التحتية في خمس مقاطعات في النصف الغربي من الجزيرة، وكذلك هافانا. كان أسوأ إعصار يضرب كوبا منذ عام 1944».
ورغم أنّ إعصار ميشيل كان الأعلى بالخسائر المادية في تاريخ كوبا حتى ذلك الوقت (2 مليار دولار)، لكن بحسب ما كتب ريسنر كان هناك 5 وفيات فقط «أربعة منهم بسبب انهيار مبانٍ وواحد غرقاً». بالمقابل يقارن ريسنر: «على النقيض من ذلك، عندما سافر إعصار ميشيل عبر أمريكا الوسطى بشكل أضعف، مات 10 أشخاص وتم إدراج 26 آخرين في عداد المفقودين. ولقي أكثر من 10,000 شخص مصرعهم في أمريكا الوسطى خلال إعصار ميشيل، وهو كارثة كان ممكناً تفادي آثارها المميتة إلى حد كبير».
ثم يتساءل ريسنر في مقاله بالغارديان «كيف أنقذت كوبا الأرواح؟» ويجيب:
«يبدو أنّ العامل الأكثر أهمية هو الإخلاء في الوقت المناسب. تم إجلاء ما يقرب من 700,000 شخص من سكان كوبا البالغ عددهم 11 مليون نسمة. يعدّ هذا إنجازاً كبيراً نظراً لأسطول المركبات المتهالك في كوبا ونقص الوقود ونظام الطرق السيّئ. كان ذلك ممكناً فقط بسبب الاستعدادات والتخطيط المسبق، وكادر من الموظفين المحليّين، والثقة بالتحذيرات المعطاة والتعاون».
وأشاد هذا العالِم بالإجراءات الناجحة للسلطات الكوبية لتجنّب حدوث وفيّات أو إصابات، فقد قطعت الكهرباء تجنباً للصعق، وقطعت مياه الصنبور خوفاً من تلوث محتمل، وأزالت الحطام من الشوارع لكيلا يتطاير ويزيد الأضرار. وشدّد ريسنر بأنّ «هذه الاستعدادات تشير إلى وجود نظام فعّال للإبلاغ عن المخاطر، وذاكرة تاريخية للكوارث السابقة التي شجعتها السلّطات والمنظمات القائمة في الأحياء القادرة على تعبئة العمّال والثقة من جانب عامة السكان».
وطرح ريسنر سؤالاً صريحاً: «هل الاشتراكية تساعد؟»، ثم أجاب: «في عام 1978 قمتُ بنشر رسالة في مجلة (الكوارث) Disasters دعوتُ فيها إلى مقارنة منهجية لنجاح البلدان الاشتراكية وغير الاشتراكية في التخفيف من الآثار البشرية للأحداث الطبيعية المتطرّفة. قارنتُ الخسائر الطفيفة في الأرواح من الغرق أو المرض اللاحق أثناء الفيضانات الكبيرة في دلتا النهر الأحمر في فيتنام مع الخسائر الفادحة في الأرواح التي حَسبها المخطّطون العسكريون الأمريكيون عندما كانوا يستعدّون لقصف حواجز وسدود النهر الأحمر. اقترحتُ أنْ يَنظُرَ الباحثون بعناية في التأهّب والتخفيف والتعافي في البلدان الاشتراكية مثل الصين وكوبا والاتحاد السوفياتي والصومال وموزمبيق.
اليوم ثلاثة من هذه البلدان لم تعد تدّعي أنها اشتراكية. في الواقع، يمكن القول إنّ الصومال لا يزال دون حكومة مركزية قابلة للحياة بعد سنوات من الحرب الأهلية، ويعتبر البعض موزمبيق جناحاً للمانحين الخارجيين».
ريسنر ليس اشتراكياً ولكنّ اتّباعَه لبحثٍ علميٍّ نزيه اضطرّه إلى الإقرار بتفوّق الاشتراكية ولو بأسلوبه الخاص، فاستنتج: «ما زلتُ أعتقد أنّ سؤالي عام 1978 وثيقُ الصلة ببحوث الكوارث. إنه ليس سؤالاً أيديولوجياً بل عَمليّاً؛ إذا أظهرت دراسةٌ مقارنة ومنهجيّة أخرى أنّ الإنفاق العام على الاحتياجات البشرية (الرعاية الصحية والتعليم والإسكان العام وإعانات المرافق لذوي الدخل المنخفض والبنية التحتية) ينقذ الأرواح في الأحداث المتطرّفة، فإنّ هذه نتيجةٌ مهمة. لا يهمّني ما إذا كانت تسمى اشتراكيةً أو حُكماً رشيداً».
التفاؤل الثوري
عَوداً إلى الثورية الكوبية سيليا سانتاماريا التي قضت في إعصار غوستاف، تبرز أهمية الروح المعنوية العالية والتفاؤل الثوري حتى بأصعب الظروف. ففي مقالها الأخير أثناء معايشتها للإعصار الذي قتلها، كتبت واثقةً «في النهاية، سنبني المنازل والمدارس... التي يحتاجها ضحايا الإعصار». وشدّدت على أنّ «الرأسمالية تقتل الطبيعة وتجعلنا نتنفس بشكل أسوأ، ونتضوّر جوعاً حتى الموت ونعاني من ويلات تبديد الطبيعة. هناك شيء خاطئ في العالم، ولا يمكن سوى للاشتراكية أنْ تقدّم البدائل».
واعترفت سيليا بلحظات قاسية مرّت عليها جعلت اليأس يتسلّل إلى قلبها، ولكنّها عندما شاهدت تضامن شعبها وحماسته في التعامل مع الكارثة عاد إليها الأمل بسرعة: «لقد تحسَّنتْ راحة ذهني أكثر عندما اتّضح لي، كما لو أنّ برقاً أصابني، هذا التفاؤل الذي لا يُسبَر له غَور لمواطني بلدي حتى بعد خسارة كل ما لديهم بسبب سوء الأحوال الجوية... هذا ما يجب أن يتعلّمه ويحترمه حتى أعداؤنا، سواء أكانوا أعاصير شرسة أم قنابل نووية... إنها الثورة أو الموت!».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1111
