بنك البذور الصيني للاستقلال الغذائي والتنوع الحيوي

بنك البذور الصيني للاستقلال الغذائي والتنوع الحيوي

في ظل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية مع تعمق الأزمة الاقتصادية الرأسمالية، وعواقب جائحة كوفيد-19 والنزاع العسكري بين أكبر موردين للحبوب في العالم (روسيا وأوكرانيا)، ازدادت الأهمية الوطنية للأمن الغذائي. وفي الصين ازدادت هذه الأهمية بشكل إضافي منذ تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة عام 2018. وتتمتع الصين بالاكتفاء الذاتي إلى حد كبير من البذور والحبوب، ولكنها تعتمد على الواردات، ومعظمها من البرازيل والولايات المتحدة للحصول على الكثير من فول الصويا. كما تعتمد على المصادر الخارجية لبعض بذور الخضروات وخلايا الذرة للتكاثر. وحققت صناعة البذور في الصين تقدماً كبيراً لكنها تطمح للمزيد. في الشهر الماضي، أخبر الرئيس الصيني شي جينبينغ المندوبين إلى الاجتماع التشريعي السنوي في بكين بأنّ الصين يجب ألّا تعتمد على السوق الدولية للغذاء.

الأهمية الجيوسياسية

يوم الأحد، 10 نيسان الجاري، قام شي جين بينغ، الرئيس الصيني والأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بزيارة لمنشآت علمية في مدينة «سانيا» بمقاطعة هاينان جنوب الصين، وكان لافتاً أن الزيارة ركزت على جانبين: حيث شدد شي على الدور الحاسم للبذور الصينية في ضمان الأمن الغذائي للبلاد، وتحسين علوم وتكنولوجيا أعماق البحار وتحويل الصين إلى قوة بحرية (في زيارته لمعهد سانيا لعلوم المحيطات، موطن نظام مراقبة بحر الصين الجنوبي ومركز بيانات المحيطات الضخمة).
وفي زيارته لمختبر البذور في «سانيا» اطّلع على الابتكارات في صناعة البذور وقال «لضمان الاعتماد على الذات في موارد البذور الصينية وضمان بقائها تحت سيطرة أفضل، يجب تحقيق الاعتماد على الذات في تقانة البذور».
ووفقاً لموقع SCMP الصيني قال بانغ تشونغ ينغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة المحيط الصينية في تشينغداو، إنّ التقانة البحرية والأمن الغذائي هما أكثر من قضيتين وطنيتين. وأضاف: «يعد الأمن الغذائي وبراعة علوم البحار من الجوانب المهمة في المنافسة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة».
ففي إستراتيجية واشنطن تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ الصادرة في فبراير/شباط، أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد على الحاجة إلى الانخراط الأمريكي المستمر في المنطقة، بما في ذلك توسيع وجود خفر السواحل الأمريكي والتحالفات الإقليمية الأقوى، لمواجهة ما تعتبره «سلوك الصين العدواني» في الشرق وبحار الصين الجنوبية وكذلك تجاه تايوان.

خصوصية «هاينان»

تلعب هاينان دوراً فريداً في الأمن الغذائي الصيني، وفقاً للبروفيسور لو شين شيونغ، رئيس المجموعة البحثية للحفاظ على موارد الأصول الوراثية للمحاصيل بالأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية في بكين. فهذه الجزيرة الاستوائية هي أصغر مقاطعة في الصين من حيث مساحة الأرض، وأكثر من ثلثها جبلية وغير مناسبة للمحاصيل. ومع ذلك تم تطوير ما يقرب من 70% من أصناف البذور الجديدة في البلاد في هاينان. وذلك لنمو معظم النباتات ذات الأهمية التجارية في هاينان بشكل أسرع من أي مكان آخر في الصين، مما يسمح للباحثين باختيار أفضل الأنواع في وقت أقصر.
وهناك العديد من الأدوات الجديدة مثل البيولوجيا الجزيئية وتحرير الجينات لتطوير أنواع جديدة، لكنها لا تستطيع أن تحل محل البيئة الطبيعية الفريدة في هاينان.
كما وتعد الجزيرة أيضاً مركزاً دولياً لبحوث المنتوجات الزراعية الجديدة. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، حصلت الصين على العديد من الأنواع النباتية الجديدة من المناطق الاستوائية. وقال البروفسور شيونغ إن بذور هذه النباتات لا يمكن أن تعيش في مركز تقليدي لحفظ البذور في درجات حرارة منخفضة. وأضاف بأنه بفضل الاستثمار الحكومي المكثف على مدى السنوات القليلة الماضية، تعمل جزيرة هاينان الآن كمركز أبحاث مترامي الأطراف لدراسة هذه النباتات والحفاظ عليها، وأنّ «بعض هذه الدراسات يمكن أن يفيد العالم».

بنك البذور الصيني

وفقاً لمقال نشرته أكاديمية العلوم الصينية ووكالة شينخوا في تشرين الأول الماضي، جمع العلماء الصينيون مؤخراً بذوراً من عدة نباتات على ارتفاع حوالي 6200 متر على جبل تشومولانغما وسيحفظونها بشكل دائم في مكان يمكن أن تبقى فيه البذور حية لآلاف السنين.
ويقع ملاذ البذور، وهو بنك الأصول الوراثية للأنواع البرية، في مبنى عادي مكون من أربعة طوابق في معهد أبحاث في مدينة كونمينغ. ونظراً لوجود جينات معظم النباتات في بذورها، فقد أصبحت موارد الأصول الوراثية حاملة للمعلومات الوراثية للنباتات. يعتبر بنك البذور أهم منشأة للحفاظ على هذه الموارد.
قال يو فوكيانغ، نائب مدير البنك، إنّ بنك الأصول الوراثية للأنواع البرّية احتفظ بأكثر من 85 ألف عينة بذور من أكثر من 10 آلاف نوع من النباتات البرية بحلول نهاية عام 2020، وهو ما يمثل 36% من عدد أنواع نباتات البذور في الصين.

بذور لآلاف السنين

أصبح اكتشاف نوع غريب من أنواع الأرز البري بواسطة يوان لونغ بينغ، وهو مهندس زراعي مشهور عالمياً، في جزيرة هاينان الجنوبية عام 1970 مقدمةً لعقود من أبحاث الأرز الهجين في الصين.
ومع ذلك، قال (لي ديزهو)، مدير بنك الأصول الوراثية، إن مصير الأرز البري مقلق. خذ مقاطعة يونان كمثال، فقد كان هناك في الثمانينات، تجمعات من الأرز البري في 26 مكاناً في يونان، لكنها اختفت الآن في جميع المواقع باستثناء موقعين.
يعدّ الفقد السريع للتنوع الحيوي وموارد الأصول الوراثية السبب الرئيسي لإنشاء بنوك البذور في جميع أنحاء العالم. بدأ بناء بنك الأصول الوراثية في كونمينغ، عاصمة مقاطعة يونان، في عام 2004، ودخل حيز التشغيل بعد ثلاث سنوات. ويشمل مجموعة البذور، وبنك الحمض النووي، وبنك الميكروبات، وبنك موارد الأصول الوراثية الحيوانية، وقطاعات أخرى.
قال يو: «تتمتع موارد الأصول الوراثية للأحياء البرية بإمكانات تطبيق كبيرة في الصناعة الحيوية، وتجذب الاهتمام العالمي، خاصة لجمع النباتات البرية والحفاظ عليها».
حالياً، لا يقبل بنك الأصول الوراثية للأنواع البرية البذورَ إلا إذا كانت تتميز بواحدة من ثلاث سمات على الأقل: مهددة بالانقراض أو متوطِنة أو «ذات أهمية اقتصادية».
يعد حفظ البذور على المدى الطويل إجراءً معقداً، حيث يتضمّن أكثر من 70 خطوة يتم في نهايتها تخزين البذور عند درجة حرارة أقل من 20 درجة مئوية. إذا تم تخزين البذور بشكل صحيح، يمكن نظرياً إبقاؤها قابلة للحياة لعقود أو حتى آلاف السنين.
من أجل التأكد من بقاء البذور قابلة للحياة، «يوقِظ» العلماء بعضَ البذور من سُباتها كلَّ خمس إلى عشر سنوات. قال الأخصائي التقني يانغ جوان العامل في البنك: «نأخذ بعض العينات ونختبر قدرتها على النمو».

زرع بذور الأمل

قام بنك الأصول الوراثية للأنواع البرية بإنشاء شبكة لتجميع موارد الأصول الوراثية تضم العشرات من مؤسسات البحث العلمي المحلية والجامعات والمحميات الطبيعية. لقد قاموا أيضاً بصياغة رموز ومعايير لجمع البذور.
وقال ديزهيو، مدير بنك البذور: «إن البنك عمل أيضاً بشكل وثيق مع نظرائه الدوليين لتخزين البذور المكرّرة الآمنة، وهو أمر ضروري لضمان سلامة موارد الأصول الوراثية العالمية».
وأضاف: «عندما تتلف نوعاً ما بفعل الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والصقيع والآفات أو غيرها من الكوارث، فإننا سنعمل على تنشيط هذه البذور وإحياء الأنواع».
ترك جامعو البذور آثارهم في جميع أنحاء البلاد من الصحاري والغابات الاستوائية المطيرة إلى الهضاب. ويتعين عليهم، لضمان التنوع الجيني، جمع بذور النبات نفسه من أماكن مختلفة. وسيتم جمع ما لا يقل عن 2500 بذرة وحفظها لكلّ نبات، وفقاً لـ(كاي لي) من بنك الأصول الوراثية.
عند جمع البذور، يسجل الباحثون الوقت والمكان والارتفاع ونوع التربة والبيئة المحيطة وغيرها من المعلومات، والتي ستكون بمثابة أساس للاستعادة البيئية في المستقبل.
قال مدير البنك: «البذور هي الحياة والأمل. آمل أنْ نتمكن من حماية مستقبل البشرية بشكل أفضل من خلال حماية موارد الأصول الوراثية».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1066