خريطة التعاون العلمي الدولي ما بعد أوكرانيا
مجلة الطبيعة - إعداد وتعريب: د. أسامة دليقان مجلة الطبيعة - إعداد وتعريب: د. أسامة دليقان

خريطة التعاون العلمي الدولي ما بعد أوكرانيا

نشرت مجلة «ناتشر» البريطانية مقالاً في السادس من نيسان الجاري يسلّط الضوء على إعادة رسم خريطة «التعاون العلمي الدولي» بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ولاحظت بأنّه بينما تتحرك أوروبا والولايات المتحدة بسرعة لقطع العلاقات طويلة الأمد، تحافظ حكومات الصين والهند وجنوب إفريقيا على الروابط العلمية مع روسيا. وفيما يلي تلخيص لأهم ما جاء في المقال بتصرّف.

في العام الماضي، نظّم باحثون من دول بريكس الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) حوالي 100 اجتماع تحت مظلة البريكس في مجموعة من المجالات بما فيها علم الفلك والمناخ والطاقة والصحة والطب.
اللقاحات محور تركيز مهم، حيث قادت الهند وجنوب إفريقيا حملة لتخفيف قيود الملكية الفكرية عن لقاحات كوفيد-19 أثناء الوباء. في الشهر الماضي، أعلنت جميع الحكومات الخمس عن شراكة جديدة بشأن البحث عن اللقاحات وتطويرها في حدث تم إطلاقه في 22 آذار، وحضره وزراء العلوم والصحة. وفي بيان، قال وزير الصحة الروسي، ميخائيل موراشكو، إن المبادرة ستعتمد على أول لقاحات كوفيد-19 التي تم تطويرها واختبارها في دول البريكس. رخّصت روسيا لأول لقاح لفيروس كورونا في آب 2020.
وفي الفترة من 26 إلى 27 نيسان، ستستضيف أكاديميات العلوم الوطنية في الدول الخمس اجتماعاً يهدف إلى تبادل البيانات حول التنوع البيولوجي والمناخ والأمن الغذائي كوسيلة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
الصين والهند وجنوب إفريقيا ليست وحدها في الحفاظ على العلاقات مع روسيا، «كومستيك»، وهي منظمة مقرها إسلام أباد تمثل وزراء العلوم من الدول التي هي جزء من منظمة التعاون الإسلامي (OIC) المكوّنة من 57 دولة، تناقش اتفاقية تعاون علمي طويلة الأجل مع روسيا، التي هي دولة مراقبة في منظمة التعاون الإسلامي.

تناقص تعاون الغرب

عرضت مجلة الطبيعة مخططاً يظهر تغيرات عدد الأوراق العلمية المشتركة التي تم تأليفها بشكل مشترك من العلماء والباحثين الروس مع بلدان مختلفة وذلك على مدى العقد الماضي تقريباً (بين 2011 و2022) وممثلة بالنسبة المئوية للمقالات البحثية العالمية المكتوبة باشتراك الروس مع باحثي البلد المعني منسوبة إلى إجمالي الأوراق المشتركة التي شارك بها باحثون روس عالمياً. حيث يظهر بوضوح تناقص هذه النسبة خلال الفترة المذكورة مع كل من الاتحاد الأوروبي (تقريباً من 61% إلى 54%) ومع الولايات المتحدة (تقريباً من 26% إلى 21%)، في حين تزايدت مع الصين (تقريباً من 6% إلى 15%) ومع الهند (من 3% إلى 6%) ومع تركيا (من 2% إلى 4%) ومع جنوب إفريقيا (من 1% إلى 2%) ومع كازخستان (من 0.5% إلى 3%) ومع البرازيل زادت بشكل طفيف أيضاً فوق 2.5%.

التعاون العلمي الصيني-الروسي

لا دلائل على أن التعاون سيتأثر سلباً، وخاصةً بأنّ العقد الماضي شهد زيادة مطّردة في المنشورات البحثية بين مؤلفين من البلدين. على الرغم من أن هذا يتماشى مع نمو عام للأبحاث التعاونية من الصين مع العديد من البلدان، تبرز العلوم الفيزيائية كمجالات شائعة للباحثين من الصين وروسيا- خاصة الفيزياء وعلم الفلك، بالإضافة إلى علوم وهندسة المواد.
وحدد البلدان 2020-2021 عاماً للابتكار العلمي والتكنولوجي، مع خطط للتعاون في الطاقة النووية، وكوفيد-19 والرياضيات، وغيرها. على سبيل المثال ألكسندر سيرغييف، وهو رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو، يشغل أيضاً منصب أحد نواب رئيس تحالف منظمات العلوم الدولية (ANSO)، وهي شبكة من 67 عضواً من المنظمات البحثية حول العالم أسستها الصين عام 2018.
ويتوقع قاسم جان، الجيولوجي في جامعة بيشاور في باكستان ونائب رئيس ANSO السابق، أنّ «العقوبات الاقتصادية على روسيا سيكون لها تأثير ضئيل أو منعدمة على أنشطة ANSO». هذا لأنه، كما يقول «تقدم الصين معظم تمويل ANSO». تشارك خمس مؤسسات في مشروع ANSO لدراسة الفرص الاقتصادية الخضراء التي تشمل الصين ومنغوليا وروسيا.
يتوقع الباحثون أن تكون سياسة الفضاء ناضجة لمزيد من التعاون، في حال انفصلت روسيا بشكل دائم عن التعاون الفضائي الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا. في عام 2021، اتفقت وكالات الفضاء الروسية والصينية على العمل معاً لبناء قاعدة على القمر. يقول مالكولم ديفيس، الذي يدرس سياسة الفضاء في معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي في كانبيرا، إنه يمكن الآن «تسريع هذا وتوسيع نطاقه المحتمل».
ونظراً لأن البنوك الروسية المحددة ممنوعة الآن من منصة SWIFT للمعاملات المالية الدولية، فمن المرجح أن تستخدم المدفوعات بين روسيا والصين عملات البلدين (الروبل واليوان). يقول مراد علي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مالاكاند في شكدارا بباكستان، والذي يدرس التمويل الدولي للصين، إنّ أكثر من 20 دولة لديها ترتيبات مماثلة لتبادل العملات مع الصين.
ترجع بعض الروابط العلمية بين الصين وروسيا إلى الخمسينات من القرن الماضي على الأقل، كما يوضح إيزاك فرومين، باحث التعليم العالي في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، وهو حالياً متفرغ في بوسطن، ماساتشوستس. حدث هذا عندما تبنت الصين الشيوعية حديثاً نموذج الاتحاد السوفيتي لتركيز البحث في أكاديميات العلوم التي تمولها وتديرها الدولة. مرت العلاقات بين البلدين بأوقات مضطربة وبدأت الصين تتطلع غرباً للتعاون العلمي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، كما يقول فرومين.

التعاون الهندي- الروسي

على مدى العقود القليلة الماضية، كان تعاون الهند علمياً مع روسيا أقل من تعاونها مع أوروبا والولايات المتحدة. لكن في ديسمبر 2021، اتفق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تعزيز الروابط العلمية في قائمة طويلة من الموضوعات التي يرغبان بمزيد من التعاون بشأنها، وتشمل: الزراعة وعلوم وتكنولوجيا الأغذية، واقتصاد المحيط، والمناخ، وعلوم البيانات، والطاقة، والصحة والطب، والبحوث القطبية، وتقنيات فيزياء الكوانتوم، والمياه. بالإضافة إلى العلاقات القائمة في مجال الطاقة النووية والفضاء. زودت روسيا الهند بالمفاعلات النووية والوقود، ويعود التعاون الفضائي بين البلدين إلى السبعينات. في عام 1984، انضم راكيش شارما، طيار سلاح الجو الهندي، إلى بعثة الاتحاد السوفييتي «سويوز تي 11»، ليصبح أول شخص من الهند يسافر إلى الفضاء.
يقول جاغاناث باندا، رئيس مركز ستوكهولم لشؤون جنوب آسيا والمحيط الهادئ الهندي في السويد: «لنيودلهي مصلحة راسخة في ضمان استمرار هذا التعاون مع الشريك القديم [روسيا] على الرغم من الاضطرابات».
كانت آخر مرة عزز فيها البلدان مشاريعهما المشتركة هي بين 1987 إلى 1990، عندما أسّسا 8 مراكز تعاونية، بما في ذلك بعضها في علوم المواد والحوسبة المتقدمة والطب. ويوجد أكبر شركاء أبحاث للهند (حسب المنشورات المشتركة) في أوروبا والولايات المتحدة. وصرّح باحثون على دراية بكيفية تنظيم الحكومة الهندية للعلم لمجلة Nature إنهم لا يتوقعون تغير هذه العلاقات البحثية. كما أنّ الهند وروسيا تناقشان التجارة مع بعضهما البعض باستخدام الروبية والروبل بدلاً من الدولار الأمريكي.

البرازيل تحذر من «عواقب وخيمة» على التعاون

حسبما نقلت مجلة Nature يتوقع بعض الباحثين البرازيليين، على عكس الصين والهند، أن تواجه البرازيل عواقب وخيمة على مشاريعها العملية المشتركة نتيجة العقوبات الاقتصادية الدولية ضد روسيا.
قبل أحداث أوكرانيا، كان ريكاردو جالفاو، عالم فيزياء طاقة الاندماج بجامعة ساو باولو، يتوقع أن يبدأ تعاوناً مع اثنين من أكبر معاهد الفيزياء في روسيا، معهد Ioffe في سانت بطرسبرغ ومعهد كورتشاتوف في موسكو. يهدف المشروع إلى قياس الطاقة والدوران في البلازما داخل توكاماك- مفاعلات اندماج على شكل دونات مع مغناطيس قوي.
يعارض رئيس جمعية الفيزياء البرازيلية ديبورا بيريس مينيزيس المقاطعة العلمية لروسيا. وتقول بيريس مينيزيس، عالمة الفيزياء النووية بجامعة سانتا كاتارينا الفيدرالية في فلوريانوبوليس، إنّ الفيزياء علم تعاوني وقد استفاد بعض طلابها من زيارة المؤسسات البحثية في روسيا، وانتقدت التأثير السلبي للحرب على العلماء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065