فيزيائيو الصين ينافسون «غوغل» في تطبيق التفوُّق الكَمِّي
فيليب بول فيليب بول

فيزيائيو الصين ينافسون «غوغل» في تطبيق التفوُّق الكَمِّي

نشر فريقُ علماء في الصين (إتش. إس. جونغ وزملاؤه) بحثاً يبيِّنون فيه نتائج تجربة قالوا إنها أوَّلُ برهان قاطع على ما يُعرَف بـ«التفوق الكَمّي»، والذي يعني: الاستعانة بآليات العمل غير المتوقعة لميكانيك الكَمّ في أداء عمليات حسابية معقدة، والتي يُحتمل إذا نَفَّذَتها الحواسيب الكلاسيكية، بالمقابل، أن تُجْرِيها ببطء شديد يَحُول دون إتمامها. واستخدم باحثو الفريق حزماً من أشعة الليزر لأداء عملية حسابية ثبت رياضيًّا استحالة إجرائها عمليًّا باستخدام الحواسيب العادية. وبعكس أوِّل برهانٍ قدَّمتْه شركة «جوجل» على التفوق الكمي في عام 2019، فإنَّ النسخة الصينية لا ينافسها فعليًّا أي حاسوبٍ تقليدي. وقد نُشِرت نتائج الفريق في دورية العلم «ساينس» Science يوم الثالث من كانون الأول من العام الفائت 2020.

تعقيبًا على هذا الحدث، يقول جيان وي بان، الأستاذ بجامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا في مدينة «خُفِّي» الصينية، الذي شارك في قيادة الفريق: «أثبتنا إمكانية استخدام الفوتونات، وهي الوحدة الأساسية للضوء، لاستعراض قدراتٍ حَوسبية كمية تفوق بأشواط نظيراتها الكلاسيكية». وأضاف: إنَّ العملية الحسابية التي أَجْروها، والتي تُسمَّى بمعضلة «اختيار عيّنات البوزونات»، لها تطبيقاتٌ محتملة في مجالاتِ نظريةِ المخططات، والكيمياء الكمية، وتعلُّم الآلة. كما عَلَّق على تلك التجربة الفيزيائي إيان والمزلي، الباحث من جامعة إمبريال كوليدج لندن، قائلًا: «هذه قطعًا تجربة تنمّ عن براعة مذهلة، وتُعد إنجازاً مهمّاً».

أفضل من تجربة «غوغل» 

جدير بالذكر، أنّ فِرَقًا من مختبرات تابعة لمؤسسات أكاديمية، أو شركات تتبارى منذ فترة للبرهنة على هذا التفوق الكمي quantum advantage (وهو المصطلح الذي صار يُستخدم الآن على نطاقٍ واسع، بدلًا من مصطلح quantum supremacy). وعلى سبيل المثال، في العام الماضي: أعلن باحثون من مختبر الحوسبة الكمية، التابع لشركة «جوجل»، والواقع في مدينة سانتا باربرا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، عن تقديمهم لأول برهانٍ على التفوق الكمي على الإطلاق. واستخدموا في ذلك جهازهم «سيكامور» Sycamore، القائم على أحدث التقنيات، الذي اشتمل على 53 بتًّا كميّاً مصنوعاً من دوائر فائقة التوصيل، محفوظة في درجات حرارة فائقة البرودة، بيد أنَّ بعض الباحثين في مجال تقنيات الكَمّ شككوا في صحة هذه المزاعم، محتجين بإمكانية وجود خوارزمية كلاسيكية أفضل، قد تتفوق على نظيرتها الكَمِّية، إذا استُخدمت، وبأنه للبرهنة على التفوق الكمي على نحو قاطع، ينبغي ألَّا تكون هناك أيّة احتمالية لاكتشاف طريقةٍ كلاسيكية أسرع بكثير لأداء المهمة المُجرَّبة.

تخيُّل أمريكي وتطبيق صيني

أمَّا فريق الجامعة الصينية في خُفِّي، الذي يقوده بان مع الباحث تشاو يانج لو، فاختار معضلة حسابية مختلفة لتقديم برهانه، وهي معضلة «اختيار عينات البوزونات». وقد تخيَّلها في عام 2011 عالِمَا الحواسيب سكوت آرونسون، وأليكس أرخيبوف، اللذان كانا يعملان آنذاك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج الأمريكية. وتتضمن تلك المعضلة حساب التوزيع الاحتمالي لبوزوناتٍ كثيرة (البوزونات هي فئة من الجسيمات الأولية، تضم الفوتونات)، تتداخل موجاتها الكَمّية فيما بينها بطريقة تضفي– في الأساس– حالة من العشوائية على مواضع تلك الجسيمات. ويمكن حساب احتمالية رصد أحد البوزونات في موضعٍ محدد، عن طريق معادلة فيها كثير من القِيَم المجهولة. وقد بيَّن آرونسون وأرخيبوف أنَّه في حال وجود عشرات البوزونات، لا توجد طريقة كلاسيكية مختصرة لإجراء تلك العملية الحسابية، لأنها طويلة إلى درجة أنه من المستحيل إجراؤها بطريقة كلاسيكية.

أما الحاسوب الكمي، فبإمكانه أنْ يتجاوز تلك العملية الحسابية الشاقة، التي تقوم على تجربة جميع الحلول الممكنة، وبدلاً من ذلك يقوم بمحاكاة هذا التوزيع الكمّي مباشرةً، بالسماح للبوزونات بالتداخل، ثم اختيار عينةٍ من التوزيع الناتج. ولفعل ذلك، قرَّر بان وزملاؤه استخدام الفوتونات لتقوم بدور «البِتَّات الكمية» في تجربتهم، وأَجْروا العملية على حاسوبٍ كَمّي فوتوني، يعمل في درجة حرارة الغرفة.

وبدأ الباحثون بالعمل على نبضات ليزرية، فرمَّزوا البيانات في المواضع الفراغية لحالاتٍ معينة من حالات الفوتونات، والبيانات الخاصة بقطبية هذه الفوتونات، أي: اتجاهات حقولها المغناطيسية، ثم قُرِبّت تلك الحالات من بعضها، كي تتداخل فيما بينها، وتُنتِجَ توزيعَ الفوتونات الذي يمثل مَخرَجَ العملية. بعد ذلك، استخدم الفريق كاشفاتٍ ضوئية قادرة على رصد الفوتونات المفردة، لقياس ذلك التوزيع.

واستطاع بان وزملاؤه بتلك الطريقة إيجاد حلولٍ للمسألة في 200 ثانية (ثلاث دقائق وثُلث الدقيقة). وقدَّروا أنَّ التوصل إلى تلك الحلول باستخدام الحاسوب الصيني الفائق «تايهولايت» TaihuLight كان سوف يستغرق 2,5 مليار عام!

مشكلات وآفاق التطبيق العَملي

عن هذا البرهان، يقول «كريستيان ويدبروك»، المدير التنفيذي لشركة «زانادو» Xanadu الناشئة للحَوسبة الكمية، الواقعة في مدينة تورنتو الكندية، التي تسعى إلى تطوير حواسيب كمّية لها استخداماتٌ فعلية، اعتمادًا على علم الفوتونيَّات: «إنها المرة الأولى التي يُبرهَن فيها على التفوق الكَمّي باستخدام الضوء، أو علم الفوتونيات».

ويرى والمزلي: أنَّ زعْم الفريق برهنته للتفوق الكمي مقنع، إذ يقول: «من المستبعد أن نكون قادرين على اكتشاف خوارزمية كلاسيكية أفضل». بيد أن ويدبروك يشير إلى أنَّ الدارة الفوتونية التي ابتكرها الفريق الصيني ليست قابلةً للبرمجة حتى الآن، بخلاف جهاز «سيكامور» الخاص بشركة «غوجل». لذا، في الوقت الحالي «لا يمكن استخدامها في حل المسائل العَملية»، غير أنه أضاف قائلاً: إنَّه إذا استطاع الفريق تطويرَ شريحة قابلة للبرمجة، ربما يصبح ممكناً حينها حل عدة معضلات حوسبية مهمة، بما في ذلك المعضلات التي تتنبأ بكيفية ارتباط البروتينات ببعضها بعضاً، وكيفية اهتزاز الجزيئات، حسبما أوضح لو.

ويشير ويدبروك، إلى أنَّ الحوسبة الكَمّية الفوتونية بدأ تطويرها في مرحلة متأخرة عن غيرها من المقارَبات، لكنَّها الآن من الممكن «أن تتفوق على المقارَبات الأخرى». وأضاف قائلًا: «في جميع الأحوال، تغَلُّبُ الحواسيب الكَمّية على نظيراتها الكلاسيكية ليس سوى مسألة وقت».

 

المصدر: مجلة الطبيعة، النسخة العربية، 12 كانون الثاني 2021

معلومات إضافية

العدد رقم:
1001