انقسام العلماء والسياسيين حول تحديد جرعات لقاح «كوفيد-19»
هايدي ليدفورد هايدي ليدفورد

انقسام العلماء والسياسيين حول تحديد جرعات لقاح «كوفيد-19»

يخشى الباحثون من أن تكون محاولات زيادة عدد المستفيدين من الإمدادات المحدودة للقاحات مدفوعةً باليأس، لا بالبيانات. فمع الزيادة الهائلة في أعداد المصابين بفيروس كورونا، تسعى دولٌ إلى زيادة عدد المستفيدين من الكميات المحدودة من لقاحات «كوفيد-19» المتاحة لديها، عن طريق تقليص الجرعات، أو تغيير الجداول الزمنية للتطعيم عن تلك التي ثبتت فعاليتها في التجارب السريرية، غير أنَّ البيانات المتاحة عن تأثير هذه الإجراءات لا تزال قليلة، وهناك حالةٌ من الانقسام بين العلماء حول ما إذا كان الأمر يستحق المجازفة، أم لا.

يقول دان باروش، عالِم الفيروسات في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساشوستس: «ربما تكون خطوةً جيدة، لكن علينا الالتزام بالإجراءات التي ثبتت فعاليتها».

كانت المملكة المتحدة قد أعلنت، في الثلاثين من ديسمبر الماضي، أنها ستسمح بإعطاء جرعتين من لقاحَي فيروس كورونا، تفصل بينهما فترة تمتدُّ إلى 12 أسبوعاً، على الرغم من أن المشاركين في التجارب السريرية (الإكلينيكية) للقاح الذي طوَّرته شركة «فايزر» Pfizer، ومقرّها مدينة نيويورك، وشركة «بيونتِك» BioNTech، ومقرّها مدينة ماينتس الألمانية، قد حصلوا على جرعتين من اللقاح، تفصل بينهما ثلاثة أسابيع تقريباً [وهي الفترة الموصى بها من الشركتَين الصانعتَين لهذا اللقاح]. ومن خلال تأجيل الجرعة الثانية، تسعى الحكومة إلى توفير كميات من اللقاح تكفي لتطعيم عددٍ أكبر من الأشخاص بالجرعة الأولى، وسط ما تشهده البلاد من تزايُد في عدد الإصابات.

ناقشت دولٌ أخرى، من بينها الولايات المتحدة، إقرار تغييرات مماثلة. فالسياسة الأمريكية المتَّبعة حاليّاً تقضي بالاحتفاظ بالجرعات الثانية من اللقاح لمَن تلقّوا الجرعة الأولى. وقد تردَّد أن الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، يبحث إلغاء هذه السياسة، إلّا أن ستيفن هان، رئيس إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، صرَّح، في بيانٍ صَدَر في الرابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، بأن «اقتراح تعديلات على القرارات التي اعتمدتها الإدارة بشأن الجرعات أو الجداول الزمنية لهذه اللقاحات هو أمرٌ سابقٌ لأوانه، ولا يستند إلى الأدلة العلمية المتاحة».

تأجيل الجرعات المعزِّزة

تتضمّن أغلب اللقاحات استخدام عدّة جرعات، بحيث تعمل الجرعة الأولى على تحفيز الاستجابة المناعية الأوليّة للجسم ضد بروتينات محددة ينتجها العامل المسبِّب للمرض، في حين تعمل الجرعات المعزِّزة اللاحقة على تنشيط خلايا الذاكرة في الجهاز المناعي، التي تتكون عادةً في غضون أسابيع. وبمرور الوقت، يوسِّع الجهاز المناعي نطاق استجابته أيضاً، ويكوّن خلايا ذاكرة، لا تقتصر استجابتها على بروتيناتٍ بعينها، وإنما تمتدّ لتشمل الأشكال المختلفة لهذه البروتينات. ومعنى ذلك أن الجرعة المعزِّزة اللاحقة تكون أكثر فعالية في بعض الأحيان من الجرعة الأولى، حسبما يشير أكيكو إيواساكي، اختصاصي المناعة في جامعة ييل بمدينة نيو هيفن في ولاية كونيتيكت، الذي يضيف قائلاً: «من المنظور المناعي، ربما يكون من المفيد تأخير الجرعة المعزِّزة بعضَ الوقت».

ربما ينطبق ذلك على اللقاحات التي تستخدم فيروسات غير ضارة لنقل الشيفرة الجينية لبروتينات فيروس كورونا إلى داخل الخلايا، ومن بينها لقاح «سبوتْنِك في» Sputnik V الروسي، واللقاح الذي طوّرته شركة أسترازينيكا AstraZeneca بمدينة كامبريدج في المملكة المتحدة، وجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة. تقرأ الخلايا الشيفرة الجينية، وتبدأ بإنتاج بروتين فيروس كورونا، محفزةً الاستجابة المناعية للجسم ضد البروتين، غير أن الجهاز المناعي قد يكوّن أيضاً أجساماً مضادة للفيروس الناقل غير الضار، فإذا حُقن الجسم بالجرعة المعزِّزة، بينما لا تزال مستويات تلك الأجسام المضادة مرتفعة، قد يؤدي ذلك إلى القضاء على الفيروس الناقل، قبل أن يتسنَّى له نقل الشفرة الجينية.

ويمكن لهذا النوع من اللقاحات أيضاً أن يحفز الخلايا للتعبير عن بروتين فيروس كورونا لمدة أسابيع بعد التطعيم. وعند التعجيل بإعطاء الجرعة المعزِّزة، ربما تكون الاستجابة الأوليّة للجهاز المناعي لا تزال في أوجها، ومن ثمّ لا تكون خلايا الذاكرة قد تكوّنت بعد.

مخاوفُ من مقاوَمة اللقاحات

لم يتضح بعدُ تأثير تمديد الفاصل الزمني بين الجرعتين على فعالية اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي RNA ومنها لقاح شركة «فايزر»، ولقاحٍ آخر طوَّرَتْه شركة التكنولوجيا الحيوية موديرنا Moderna في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس. لا تستخدم هذه اللقاحات نواقل فيروسية، وهي تحفّز الخلايا لإنتاج بروتين فيروس كورونا لمدة أيام قليلة فقط. وتشير بيانات التجارب إلى أن المشاركين اكتسبوا قدراً كبيراً من الوقاية ضد الفيروس بعد تلقّيهم الجرعة الأولى، لكن أغلب المشاركين حصلوا على الجرعة الثانية قبل مُضيّ شهرٍ واحد من حصولهم على الجرعة الأولى، ولا تتوافَر معلومات كافية عن مدة الاستجابة المناعية لدى قِلة من المشاركين لم يتلقَّوا جرعةً ثانية.

وفضلاً عن ذلك، يخشى بعض الباحثين من تأثير تمديد الفاصل الزمني بين الجرعات على الفيروس نفسه. يقول فلوريان كرامر، اختصاصي المناعة في كلية طب آيكان، التابعة لمستشفى «ماونت سايناي» في مدينة نيويورك: إن الأشخاص الذين يحصلون على جرعة واحدة من لقاح يستخدم الحمض النووي الريبي يكوّنون مستويات منخفضة نسبيّاً من الأجسام المضادة، ويخشى أن يترتَّب على ذلك ظهور سلالات فيروسية مقاوِمة للقاحات، لكن لم يتَّضح إلى الآن مدى خطورة هذا الأمر. صحيحٌ أن فيروس «سارس-كوف-2» يتحوَّر بمعدَّل أبطأ من فيروس الإنفلونزا، على سبيل المثال، الذي يتغيَّر بسرعة كبيرة تُحَتِّم تطوير لقاحات جديدة كل عام، لكن كرامر يقول: «في هذه المرحلة، لن أجازف».

لا يحظى هذا الرأي بإجماع الباحثين. وتشير سارا كوبي، التي تدرُس تطوُّر الفيروسات والمناعة بجامعة شيكاغو في ولاية إلينوي، إلى أن العدوى الطبيعية قد تؤدي هي الأخرى إلى تكوين مستوياتٍ منخفضة نسبيّاً من الأجسام المضادة. وأوضحت: أنه إذا كانت جرعات اللقاح المفردة تقلل عدد الإصابات الطبيعية، فمن المحتمل أنها تقلل خطورة تطوير مقاوَمة للقاح. وأضافت كوبي قائلة: إنه على الرغم من احتمالية مقاوَمة بعض سلالات الفيروس للقاحات بدرجة ما، فمِن المستبعَد أن تصبح جرعات اللقاح عديمة النفع تماماً. فالجسم يُنتِج مزيجاً من الأجسام المضادة تستهدف مناطق مختلفة من البروتين الدخيل، وسوف يصعُب على فيروسٍ بطيء التحوُّر، مثل «سارس-كوف-2»، أن يصل إلى درجة من التحوَّر تعجز معها الأجسام المضادة عن التعرف عليه، في الوقت الذي يحتفظ فيه بقدرته على إصابة الخلايا البشرية.

بَقِيَ أن نشير إلى أنَّ اللقاحات الأخرى قيد التطوير حاليّاً ربما تنجح في التصدّي للسلالات المستقبلية من الفيروس.

 

المصدر: مجلة الطبيعة، الطبعة العربية، 19 كانون الثاني 2020، كترجمة للمقال الأصلي بالإنكليزية في 11/1/2021 بعنوان:

How can countries stretch COVID vaccine supplies? Scientists are divided over dos

ing strategies

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1002