تطاول الأمواج الحرارية وزيادة تواترها عالمياً

تطاول الأمواج الحرارية وزيادة تواترها عالمياً

تقدم دراسة جديدة «مؤشرات لا لبس فيها» على أن الاحترار العالمي (الدفيئة الكوكبية) ليست فقط جارية على قدم وساق، بل وتتسارع أكثر. ويُصر العلماء على أن «وقت التقاعس قد انتهى».

تعريب: د. أسامة دليقان

كشف تقييم شامل للموجات الحرارية درسها على المستوى العالمي نزولاً إلى المستويات الإقليمية، بأنّه في كل جزء من العالم تقريباً كانت موجات الحرارة العالمية تتزايد في تواترها ومدتها، وذلك اعتباراً من خمسينات القرن العشرين وحتى اليوم. ويخلص هذا البحث، الذي نشر في مراسلات مجلة الطبيعة Nature Communications في 3 تموز 2020، إلى أنّ «موجات الحرارة ازدادت في شدتها وتواترها ومدتها، حيث من المتوقع أن يتفاقم هذا المَيل في ظل تزايد الاحترار العالمي... تسارعت وتائر تواترات الموجات الحرارية ومدتها والحرارة التراكمية منذ الخمسينات...».
«حدث يوم إضافي واحد على الأقل من أيام الموجات الحارة كل عقد على معظم المناطق الجغرافية بين عامَي 1950 و2017 (على الرغم من أن هذا يمكن أن يصل إلى 3 و5 أيام في العقد الواحد على المناطق ذات الارتفاعات المنخفضة)، كما ازادت أطوال الموجات الحرارية بمعدل بين 0,2 يوماً إلى أكثر من يوم كامل كلَّ عقد... مقادير هذا الميل... تكون أعلى فوق المناطق المعروفة بأنها تواجه تأثيرات تغيّر مناخ غير أكثر من غيرها وعلى نحو غير متناسب»
أنتج المؤلفون حرارة متريّة وتراكمية جديدة تكشف بالضبط مقدار الحرارة التي يتم تعبئتها في موجات حرّة فردية ومواسم موجات حرارية. كما هو متوقع، هذا الرقم آخذ في الارتفاع أيضاً. في أسوأ موسم موجة حر في أستراليا، تم اختبار 80 درجة مئوية إضافية من الحرارة التراكمية في جميع أنحاء البلاد. في روسيا والبحر الأبيض المتوسط، يتم خبز المواسم الأكثر تطرفاً عند 200 درجة مئوية إضافية أو أكثر.
ووفقاً للمؤلفة الرئيسة لهذا البحث، الدكتورة سارة بيركنز كيركباتريك: «لم نر فقط موجات حرارية أكثر فأكثر في جميع أنحاء العالم على مدار السبعين عاماً الماضية، بل ولوحظَ تسارع في هذا الاتجاه. وتُظهر الحرارة التراكمية تسارعاً مشابهاً، حيث تزداد عالمياً بمعدل ما بين 1 درجة مئوية إلى 4,5 درجة مئوية كل عقد، ولكن في بعض الأماكن، مثل: الشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا وأمريكا الجنوبية، يصل مقدار هذا المَيل إلى 10 درجات مئوية في العقد الواحد».
من بين مقاييس الأمواج الحرارية، فإنّ المقياس الوحيد الذي لم يشهد تسارعاً هو شدّة الموجة الحرارية، أي متوسط درجة الحرارة عبر الموجات الحرارية. ويعود هذا إلى أننا على مستوى العالم نرى المزيد من أيام موجات الحر، مع دوام هذه الموجات لفترات أطول. وعندما يتم قياس متوسط درجة الحرارة عبر موجات حرارية أطول، لا يمكن اكتشاف أية تغيرات في الشدة تقريباً. فقط جنوب أستراليا ومناطق صغيرة من إفريقيا وأمريكا الجنوبية تظهر زيادة ملحوظة في متوسط شدة الموجات الحرارية.
حددت الدراسة أيضاً، أن تأثيرات التقلبية الطبيعية على موجات الحر يمكن أن تكون كبيرة على المستويات الإقليمية. يمكن لهذا التنوع أن يطغى على ميول الموجات الحارة، لذا فإن الميول الإقليمية الأقصر من بضعة عقود لا يمكن التعويل عليها بشكل عام. ولكي نكشف عن التغييرات القوية في الميل، نظر الباحثون في الكيفية التي تغيرت بها الاتجاهات على مدى عدة عقود، للفترة بين 1950 إلى 2017. كانت التغييرات صارخة.
على سبيل المثال: شهد البحر الأبيض المتوسط ارتفاعاً كبيراً في موجات الحر عند قياسه على مدى عدة عقود. بين 1950 إلى 2017 شهد البحر الأبيض المتوسط زيادة في موجات الحر لمدة يومين كلّ عقد. أما الميل من عام 1980 إلى عام 2017 فقد شهد تسارعاً وصل حتى 6,4 أيام في العقد.
كما أظهرت المقاربة على المستوى الإقليمي كيف تتنوع الميول. فمناطق، مثل: الأمازون وشمالي شرق البرازيل وغرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط، تشهد تغيرات سريعة في موجات الحر، بينما لا تزال مناطق، مثل: جنوب أستراليا وشمال آسيا تشهد تغيرات أيضاً ولكن بمعدل أبطأ.
ومع ذلك، وبغض النظر عما إذا كانت هذه التغييرات سريعة أو بطيئة، يبدو أنه لا مفر من أن تتعرض الدول الضعيفة ذات البنية التحتية الأقل إلى أقصى درجات الحرارة الشديدة.
يقول الدكتور بيركنز كيركباتريك: «توقع علماء المناخ منذ فترة طويلة أن تغيّر موجات الحر يمكن أن يعطينا علامة واضحة على الاحترار العالمي».
«إن التغيير الدراماتيكي الذي شهدناه في كل منطقة على حدة على مدار السبعين عاماً الماضية، والزيادة السريعة في عدد هذه الأحداث، هي مؤشرات لا لبس فيها على أن الاحتباس الحراري يرافقنا الآن ويتسارع. ولا يشكل هذا البحث الجديد سوى دليل إضافي، يجب أن يكون بمثابة دعوة واضحة لصانعي السياسات بأن هناك حاجة إلى إجراء عاجل الآن، إذا أردنا منع أسوأ نتائج الاحترار العالمي. لقد انتهى وقت التقاعس».
(مقتبس جزئيًا من المواد المقدمة من مركز ARC للتميّز في المناخات المتطرفة في سيدني، أستراليا)

تعقيب من المعرِّب:

لا شك بأنّ هذه الدراسة ومثيلاتها تضيف إلى الأدلة على أنّ ظاهرة ارتفاع حرارة كوكبنا (على الأقل للقرون القليلة التي رُصِدَت بها الظاهرة) هي ظاهرة حقيقية. والرأي المعروف السائد ينسبها إلى «انبعاثات غازات الدفيئة» مثل: ثاني أوكسيد الكربون، وبما أنّ الدول الأكثر تقدماً صناعياً ورأسمالياً هي المسؤولة عن الحصة الأكبر من هذه الانبعاثات، كان من الطبيعي أن يناضل مناهضو الرأسمالية عبر العالَم ويحاولون الضغط لكي تتقيد هذه الدول الغنية بتقليل انبعاثاتها، والالتزام بمعايير تكنولوجية وبيئية معيّنة. لكن ما يجدر ذكره هنا، وما لا يتم الحديث عنه كثيراً، أنه توجد مدرسة أخرى في تفسير ظاهرة الاحترار العالمي، تأخذ بعين الاعتبار عوامل أكثر من مجرد التأثير الحابس للحرارة لغازات الدفيئة، لكي تشمل أيضاً التبدل التاريخي الطويل الأمد للحرارة على الأرض من مصدرها الأهم، ألا وهو الشمس، حيث يقول أنصار هذه المدرسة، بأنّ الشمس والأرض تدخلان في علاقات حرارية وكهرومغناطيسية معقّدة، وبعضهم افترض حتى أنّ تأثير التغيرات في هذه الحقول على مدى مئات وآلاف السنين ربما تكون مسؤولة عن ظاهرة الدفيئة، التي لم ترصد بشكل يمكن التعويل على وثائقه في تاريخ البشرية سوى على مدى قرون قليلة خلت، والتي لا تشكل سوى فترة قصيرة بالنسبة لعمر العلاقة بين الأرض والشمس، التي قد تكون مرت بفترات «ابتراد» نسبي، وليس فقط «احترار»، حتى في فترات معينة بعد الثورة الصناعية. أحد ممثلي هذه الفرضية هو إيريك ليرنر العالم الأمريكي في الاندماج النووي وفيزياء البلازما، حيث يقول: «إن الميول على المدى الطويل، التي تشمل ارتفاع درجة الحرارة، صارت أبطأ بكثير منذ أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر إلى حوالي العام 1950، الأمر الذي تداخل بشكل معقد مع حقيقة أن المناخ العالمي كان أكثر برودة بمقدار مهم في القرن الثامن عشر، بالمقارنة مع الوسطي لآلاف السنين الماضية، لذلك فإنّ جزءاً من، أو كل مقدار الاحترار في أوائل القرن العشرين لم يكن سوى بسبب العودة إلى درجات حرارة أكثر طبيعية». طبعاً قد يربك هذا الكلام المناضلين ضد الرأسمالية لأول وهلة، ولكن لا مبرّر أبداً للإرباك حتى لو صحّت هذه الفرضية، لأنّ هناك ما يكفي من السموم الفيزيائية والكوارث البشرية الصنع التي يفرزها هذا النظام الرأسمالي المتعفن، حتى لو كان جزء أو كل احترار كوكبنا في العصور الحديثة، ليس ناجماً انبعاثات الكربون وغازات الدفيئة الأخرى.

عن موقع المناخ والرأسمالية*

*المصدر:
Heatwaves are longer and more frequent, worldwide
من موقع المناخ والرأسمالية، 5 تموز 2020.

معلومات إضافية

العدد رقم:
975
آخر تعديل على الإثنين, 20 تموز/يوليو 2020 14:52