وفيات كورونا سورية من الأعمار الشابة  أكثر من المتوقع؟

وفيات كورونا سورية من الأعمار الشابة أكثر من المتوقع؟

المجتمع السوري والمكافحون ضد الوباء بحاجة لأن يعرفوا تفاصيل أكثر عن توزع إصابات كورونا والوفيات على الشرائح العمرية والجنسية وتفاصيل عن ملابسات الوفيات، وإذا ما كانت لها علاقة معينة بوجود أمراض مرافقة مزمنة أخرى، ليس كصورة عامة، بل بالأرقام والبيانات التفصيلية الديمغرافية والجغرافية. فهذا يعتبر ألفباء المعلومات الضرورية لاستجابة فعالة لأي وباء.

في ظل ارتفاع مستوى الاستنفار بين السوريين وخوفهم من تفشي واسع جداً للوباء الذي ظهرت مؤشرات مقلقة عنه مؤخراً، بدأت تظهر بين الناس وعلى وسائل التعبير المختلفة قصص عن وفيات مرضى بأعمار شابة، أو أواسط العمر، وربما استرعى اهتمام الناس، خاصةً وأثار تعاطفهم وقلقهم تزايد قصص هذه الوفيات من الكوادر الصحية (أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات...)، مع مطالبات وانتقادات تتعلق بمستوى الحماية والوقاية ومعداتها التخصصية الضرورية لهذه الطواقم، والتي يمكن تشبيها بالتروس والدروع، التي يجب أن يرتديها المحارب لتصد عنه سيوف العدو بينما هو يقاتله.
ربما نجد خيطاً هَدْياً إلى تقدير علمي لهذه المسألة من دراسة نشرت حديثاً بعنوان «توقع معدلات الوفيات الناجمة عن COVID-19 على أساس العمر والجنس والأمراض المصاحبة، وقدرة النظام الصحي». وفي خلاصتها:
«تشير التقارير المبكرة إلى أن معدل الوفيات من COVID-19 يختلف اختلافًا كبيرًا بين البلدان، ولكن الاختبار غير العشوائي وأنظمة التسجيل الحيوية غير المكتملة تجعل من المستحيل تقدير معدل وفيات العدوى (IFR) بشكل مباشر في العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ولسد هذه الفجوة، قمنا بتقدير التعديلات المطلوبة لاستقراء تقديرات IFR من المناطق ذات الدخل المرتفع إلى المنخفض. تؤدي الحسابات عن الاختلافات في توزيع العمر والجنس والأمراض المصاحبة ذات الصلة، إلى اختلافات كبيرة في معدل IFR المتوقع عبر 21 منطقة حول العالم، تتراوح من معدل وفيات عدوى بنسبة 0,11٪ في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء إلى 1,07٪ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ذات الدخل المرتفع.

الاختلافات الإقليمية

ومع ذلك، يجب التعامل مع هذه التوقعات على أنها حدود دنيا، لأنها تستند إلى معدلات الوفيات من البلدان ذات النظم الصحية المتقدمة. من أجل تعديل هذه النسب لتأخذ بالحسبان قدرة الأنظمة الصحية... قمنا بهذه التعديات على خطوتين، أولاً: قمنا باستخراج معدلات وفيات COVID-19 في المستشفيات الفرنسية، ووضعها في العمر والجنس والأمراض المصاحبة. بعد ذلك، من أجل مراعاة احتمالية ارتفاع معدلات الوفيات بين الحالات التي يتم إدخالها إلى المستشفى في الأنظمة الصحية ضعيفة الموارد، فإننا دمجنا الاختلافات الإقليمية في الاحتمالات النسبية للوفيات الناجمة عن إنفلونزا الطفولة، كبديل للقدرة المحلية على علاج أمراض الجهاز التنفسي الفيروسية. يقلل هذا التعديل إلى حد كبير، لكنه لا يمحو تماماً، الميزةَ القائمة على الديموغرافيا المتوقعة في البلدان منخفضة الدخل، مع تقديرات إقليمية لـ COVID-19 IFR المتوقعة تتراوح من 0,43٪ في غرب إفريقيا جنوب الصحراء إلى 1,83٪ في أوروبا الشرقية. كمكمل، في خطوة ثانية، استخدمنا معدلات الاستشفاء من فرنسا لتقدير احتمالية الإصابة بمرض COVID-19 الشديد، وهو موضوع ذو اهتمام مستقل».
وأهم ما ترشدنا إليه هذه الدراسة كان ملاحظتها لنزعتين متعاكستَين للوباء في البلدان المنخفضة الموارد والفقيرة الدخل للفرد، ولو أنهم لم يدرسوا سورية بالملموس مباشرةً، ولكن قد يفيدنا ما استنتجوه حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالخصوص: حيث لاحظوا أنّ الأفضلية النسبية التي قد تكون في مصلحة الأعمار الشابة ضد الفيروس في بلادنا نتيجةً لتركيبته الديمغرافية الشابة (وهذه علماً أن سورية تأثرت حتى بها بسبب خسارة ونزيف شبابها وتحتاج إعادة تقييم) تتعرض لنزعة معاكسة هي أنّ تضافر عوامل توزع الأمراض المرافقة comorbidity على الشرائح متوسطة العمر والشابة بدرجة أكبر مما لدى البلدان المتقدمة أو الأوروبية «الهرِمة»، من جهة، وضعف القدرة الاستيعابية للأنظمة الصحية في بلاد كبلادنا من جهة أخرى يعطيان تأثيراً سلبياً يرفع من معدل وفيات العدوى IFR لدى شباب هذه البلدان، ومتوسطي الأعمار فيها، مقارنة مع البلدان الهرمة.

كم كنا مستعدين للوباء؟

حسب منظمة الصحة العالمية فإنّ نسبة المشافي ومراكز الرعاية الصحية الأولية التي بقيت قادرة على أداء وظيفتها من أجمالي الموجودة في كل سورية حتى نهاية العام 2019 هي فقط 64% من المشافي، و52% من المراكز الصحية (WHO 2019).
حوالي 70% من القوة العاملة الصحية باتوا خارج البلاد (أطباء، تمريض، إلخ).
تختلف التقديرات حول عدد أسرة العناية المشددة المزودة بمنفسة في كل سورية، لكنها لا تتجاوز المئات الدنيا (أحد التقديرات بأنها 325 سرير مثلاً) عدا عن توزعها غير المتناظر بين المحافظات. وكذلك القدرة على إجراء الاختبارات باليوم لا تتجاوز المئات.
منذ شهر آذار 2020 ازدادت أسعار الأغذية بنحو 70% وقفزت أسعار الكمامات ومعقمات الأيدي لتصل في بعض المناطق إلى 50 ضعفاً! (Advani 2020).
سبق أن أعلنت الأمم المتحدة تقديراتها عن المبلغ الذي تحتاجه سورية لاحتواء الجائحة (115 مليون دولار). ولكن بغض النظر عن مدى دقة هذا الرقم، وكيفية حسابه ومستوى جودة الاحتواء المقصود به، فإن ما ينبغي أن يلفت انتباه المواطنين هو حجم المفارقة المؤلمة التي تنطوي عليها المقارنة بين مبالغ ضرورية من هذه المرتبة، التي تظهر متواضعة نسبةً إلى الأرقام الفلكية المتوقعة، والملموسة العواقب، للنهب والفساد الكبير، الأمر الذي يظهر كيف يتحول النهب والفساد بشكل مباشر عند منعطفات ضيقة معينة في حياة المجتمع، كأزمة الوباء المهدِّدة الحالية، إلى عامل مِمرض حرفياً شديد الفتك بالمجتمع، ولا سيما بأغلبيته الفقيرة والمُضعَفة المناعة جوعاً وتوتراً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الإثنين, 27 تموز/يوليو 2020 15:13