«أثيروديناميك» أتسوكوفسكي.. وإعادة الفيزياء إلى جادّة المادّية

«أثيروديناميك» أتسوكوفسكي.. وإعادة الفيزياء إلى جادّة المادّية

«ديناميك الأثير Etherdynamics اتجاه جديد في الفيزياء، يستند على وجود الأثير في الطبيعة كوسطٍ شبه غازي يملأ فضاء العالَم بأكمله، كمادةٍ لبناء جميع أنواع (الدقائق الأولية) من الذرات والجزيئات إلى الكواكب والنجوم والمجرات... فالعالَم مادّي، والأثير مبدؤه. وما حقول القوى إلّا تجليات لأشكالٍ مختلفة من حركة الأثير نفسه، والذي تجري كل أنماط تفاعلاته الأساسية عبر هذه الحقول» – فلاديمير أكيموفيتش أتسوكوفسكي، 1997.

فلاديمير أتسوكوفسكي
إعداد وتعريب: د. أسامة دليقان

وفقاً لأتسوكوفسكي V.A. Atsyukovsky فإنّ منهج ديناميات الأثير الذي طوَّره بنفسه لم يسمح فقط بتحديد امتلاك الأثير لخصائص كالغاز العادي، مثل الانضغاط واللزوجة، بل ولخصائص غير معتادة: للأثيرEther دقائق، واحدها يسمّى «الأمير» Amer وهو صغير للغاية، بحيث أنّ قطره بالنسبة لقطر الإلكترون، هو كقطر الإلكترون إلى قطر مجرّة. لكن محتوى الضغط والطاقة في الأثير هائل، لأن معدل الحركة الحرارية للأميرات أعلى بكثير من سرعة الضوء. وهكذا لا يتم افتراض خصائص الأثير كمسلّمات، بل تُحسَب بدقة باستخدام صيغ ميكانيك الغازات. ووضع أتسوكوفسكي نماذج تفصيلية لكيفية بناء الأثير للفوتون والإلكترون والبروتون والنيوترون.

افترض أتسوكوفسكي مثلاً بأنّ البروتون دوامة أثيرية حلقية ذات جدران مضغوطة، ووفق حساباته فإنها تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء بـ 13 مرة، وله غلاف ونواة مركزية مضغوطة ومثقوبة، وهو مفلطح وليس كروياً. والنيوترون محاط بطبقة حدودية متدرجة ذات لزوجة أقلّ. كما وقدّم تفسيره الخاص لطريقة ترتيب وارتباط وحركة النكليونات في النواة لكي تحافظ على استقرارها. وبخلاف النماذج الذرية السابقة لا توجد في نموذج أتسوكوفسكي «إلكترونات» بالمعنى التقليدي السابق، بل «غلاف إلكتروني» سالب للذرة يتشكّل من دوامات أثير حلزونية تنفثها البروتونات الموجبة، وتعاكس اتجاهات دوران دوامات الأثير يفسّر تعاكس الشحنات. ومن المثير للاهتمام تفسيره الأثيري للعلاقات الرياضية لميكانيك الكم؛ فبخلاف «التأويل الاحتمالي» لدالة شرودينغر الموجية (بساي) فإنها لدى أتسوكوفسكي تعبّر عن تفاوت كثافة وسط الأثير كغاز قابل للانضغاط.

ألَم تدفن الفيزياءُ «الأثيرَ» إلى الأبد؟!

يقول أتسوكوفسكي إنه على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها المؤلفون السابقون لنماذج وفرضيات عن الأثير لتفسير العالم على أساسه، غير أن محاولاتهم باءت بالفشل. ويقول إنه لم يخطر ببال أحد أنَّ الخطأ ربما كان في المنهجية المستخدمة؛ كانت مشكلتهم أنهم اعتبروا الأثير مثالياً: تارةً كمادة صلبة مثالية (ولكن كيف تخترق الكواكب الأثير عندئذٍ؟!)، وتارةً أخرى كسائل مثالي (ولكن كيف نفسر اختلاف الكتلة النوعية بين المواد عندئذٍ؟!). كما أنّ الأثير عند كلٍّ منهم كان منشغلاً بجانبٍ واحد؛ كأن ينقل الضوء دون أن يكون له صلةٌ بالجاذبية، أو بالعكس. لم يقم أحد تقريباً بربط الأثير والمادة وحقول قوة التأثيرات والتفاعلات في منظومة واحدة.

لكننا، يتابع أتسوكوفسكي، بتطبيق منهجية مختلفة نجد الأمر يتغير جذرياً. فقد تمكّنا من بناء صورة أثيروديناميكية للعالم، تُحقق ما يلي:

(1) غير متناقضة مع نفسها (الأمر الذي تعاني منه مثلاً نسبية أينشتاين). (2) تتوافق مع الواقع (أي لا توجد ظاهرة لا يمكن، من حيث المبدأ، تفسيرها وحسابها على أساس ديناميك الأثير). (3) تتيح إمكانية تقديم نماذج وتمثيلات مرئية تساعد على النفاذ إلى جوهر الموضوع وليس الاقتصار على الوصف الخارجي (الأمر الذي يميزها عن ميكانيك الكم). (4) تسمح بتنبؤات مفيدة يمكن التحقق منها في الظروف المعملية أو الميدانية.

ولا يدعي أنّ فرضياته صارت نظرية ناجزة بعد، فيقول: «إنّ الصورة الأثيروديناميكية للعالَم ما تزال فرضيةً، للأسباب التالية: (أ) لم يتم النظر في جميع الظواهر. (ب) لم يتم الحصول على حسابات عددية سوى لبعض الظواهر فقط. (ج) لم يتم التحقق من جميع التوقّعات». ويشدّد على المعايير المطلوبة من الفرضية العلمية بشكل عام: «يجب أن تكون الفرضية متسقة مع المواد الواقعية المتاحة، ويجب أن تتمتع بالعمومية والقوة التنبؤية، ويجب ألّا تكون متناقضة»، ويَعتبر أنّ الهدف الرئيس من الفرضية العلمية هو «السماح باستكشاف مجالات جديدة للبحث».

حوار عن «فيزياء المُسلَّمات»

أجرت المجلة الروسية «علامة استفهام» في عام 1993 (العدد 1 و2) حواراً مع أتسوكوفسكي. اخترنا منه ما يلي:

- فلاديمير أتسوكوفسكي: تستند جميع النظريات الأساسية للفيزياء التي ولدت في القرن العشرين إلى ميكانيكا الكم والنظرية النسبية الخاصة بواسطة آينشتاين. وتستند هذه النظريات الرئيسة على مُسَلَّمات postulates، أي الأحكام التي يتم قبولها دون دليل، كأنها بدهيّات axioms.

- المُحاوِر: حسناً، ما الخطر؟ إذا كانت النظرية صحيحة، فليس مهماً بالنهاية ما تقوم عليه... يعرف تاريخ العلم العديد من الحالات تم فيها استخلاص الاستنتاجات الصحيحة من افتراضات غير صحيحة...

- ف.أ: الخطر هنا هو التالي؛ النظرية، بعد أن سيطرت على العقول، تجبرهم على فلترة البيانات التجريبية، وتصبح سداً بوجه الإدراك الحقيقي للظواهر. تذكر، على الأقل، أي ثمنٍ كان يستحقه تفنيد نظرية ليسينكو... تتكرر الصورة نفسها تقريباً في حالتنا. احكم بنفسك، في عام 1905 ثم 1910 قدَّم آينشتاين خَمس مسلّمات، قام على أساسها ببناء نظريته النسبية الخاصة الشهيرة، وهي: (1) لا يوجد وسط أو بيئة (أثير) يملأ عالَم الطبيعة. (2) جميع المنظومات المرجعية العطالية (inertial) متماثلة، أي أنّ جميع المنظومات ذات الحركة المستقيمة المنتظمة مكافئة لبعضها بعضاً. ولا يمكن بقياس داخلي تحديد فيما إذا كانت منظومةٌ ما تتحرك أم ساكنة. (3) سرعة الضوء مستقلة عن سرعة مصدره وهي ثابتة في أي إطارٍ مرجعي. (4) زمن وإحداثيات حدثٍ ما مترابطة فيما بينها من خلال سرعة الضوء. (5) من أجل تزامن حدثَين، تُؤخَذُ لحظة وصول الإشارة الضوئية من هذين الحدثين.

- المحاور: ربما تكون خمس مسلمّات كثيرة نوعاً ما على نظرية واحدة. لكن من الواضح أن أينشتاين كان لديه مبرر ما لاتخاذها كأساس.

- ف.أ: حقيقة الأمر بدقة، هي أنّ كل هذه الافتراضات الخمس ليس لها أساس! صحيح أنه في البداية تمت الإشارة إلى النتيجة الصفرية المزعومة لتجربة ميكلسون للكشف عن الرياح الأثيرية. لكن عذراً! دعونا نلقي نظرة على المصدر... لقد تعرّفت بنفسي على أعمال مايكلسون باللغة الإنجليزية ووجدت حقائق مثيرة للاهتمام. لقد قام بتجربته الأولى عام 1881. ومع ذلك، لم تكن تتمتع بالدقة اللازمة، وبالتالي، لا يمكن أن يكون هناك أي نقطة لمزيد من المناقشة. ليس من قبيل المصادفة أن ألبيرت مايكلسون نفسه أجرى سلسلة إضافية من التجارب في عام 1887. والذي حدث – ويمكنني تزويدك بمزيد من التفاصيل – لكن من أجل النتيجة فقط، أقول لك الآن إنّ مايكلسون أشار في عمله بوضوح إلى أنه في عام 1887 سجَّل رياح الأثير. صحيح أن سرعتها لم تكن 30 كيلومتراً بالثانية، كما كان متوقعاً، ولكن بضعة كيلومترات فقط في الثانية. في عام 1904، في مرتفعات كليفلاند، أجرى إدوارد مورلي تجارب مماثلة وحصل على سرعة انجراف الأثير لأكثر من 3 كيلومترات بالثانية. في وقت لاحق، في مختبرٍ بجبل ويلسون، أظهرت نتائج الاختبار سرعةً بنحو 10 كيلومترات بالثانية. ولكن، كما يقولون، بحلول ذلك الوقت كان قد «فات القطار»، إذ كانت قد تعاظمت سلطة أينشتاين ونظريته لدرجة أنه تم تجاهل هذه البيانات ببساطة...

أثير مادي أم «تأثير شَّبَحي عن بعد»؟

يتساءل أتسوكوفسكي «ماذا يمكن أن تكون آلية حاسّتي الشم والذوق من منظور الأثيروديناميك؟ الجواب ليس ناجزاً بعد، ولكن مع ذلك تظهر بعض الاعتبارات». ثم يذكر بأنّ ديناميات الأثير ربما تستطيع تقديم أساس للبحث عن أجوبة لظواهر طبيعية غير مفسرة حتى الآن، مثل قدرة سمك القرش على أن يشمّ رائحة دم الطريدة من على مسافات شاسعة بسرعة وخلال زمن قصير جداً، أقصر من أن يُفسِّره الانتقال الأبطأ لجزيئات الدم الحاملة للرائحة. أو مثل تواصل الحشرات مع بعضها عن بعد: «كل جزيئة ذات رائحة تخلق هالة أثيرية (أورا aura) حول نفسها، تتكون من دوامات الأثير المرتبطة بدوامات الأثير للغلاف الإلكتروني لهذا الجزيء. وتملك هذه الهالة بنية تعكس بنية الجزيء الذي تكوّنت منه. ومثل أيٍّ من تيارات الأثير غير المضغوطة، كموجات الراديو مثلاً، فإن دوامات الأثير المرتبطة قادرة على اختراق أي مادة (بدرجات متفاوتة طبعاً). تخلق تدفقات الهالة المتدرجة ضغوطًا ميكانيكية في جزيئات المستقبلات الحساسة والنهايات العصبية، بسبب تفاعل تدفقات الهالة الواردة مع تدفقات الأثير من المواد المستقبِلة. في مادة المستقبل، تعمل الضغوط الميكانيكية الناتجة على تغيير كمونات العمل الموافقة، ثم يعالجها الدماغ بعد ذلك».

نبذة عن المؤلِّف

العالِم السوفييتي فلاديمير أكيموفيتش أتسوكوفسكي، عضو أكاديمية العلوم الروسية (للعلوم الطبيعية والفضائية والكهروتقنية)، يبلغ اليوم التسعين من العمر (ولد عام 1930). تخرج من معهد لينينغراد للفنون التطبيقية بكلية الميكانيك والكهرباء عام 1955، عام 1983 عمل ضمن معهد البحث العلمي لمعدات الطيران، ومختبر «التكامل الفني وتصغير المعدات المحمولة جواً»، فبدأ أبحاثه في مجال تطوير حلول علمية تقنية لجملة مشكلات تظهر على متن الطائرات، كتطوير أجهزة الكمبيوتر والاتصالات عليها، والتحكم التشغيلي المدمج، وإمدادات الطاقة الثانوية، والحصانة من الضجيج. قبل أن ينتقل إلى مجال التطوير النظري لأسسٍ وفرضيات لعلمٍ جديد واعد هو «الأثيروديناميك»، وله عدد كبير من المؤلفات والأوراق العلمية، وهو مدافع قوي عن المنهج الماركسي-اللينيني في العلوم الطبيعية والاجتماعية معاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
970
آخر تعديل على الأربعاء, 17 حزيران/يونيو 2020 10:20