المخاطر المهددة للبشرية عام 2019 والشعوذة الرسمية
مروى صعب مروى صعب

المخاطر المهددة للبشرية عام 2019 والشعوذة الرسمية

أطلقت منظمة الصحة العالمية «برنامج العمل العام الثالث عشر» لمواجهة- بحسب تقديرها- المخاطر العشر الأكثر تهديداً للبشرية عام 2019. تنتقل هذه المخاطر من الأمراض المتنقلة وغير المتنقلة إلى الوضع المعيشي الهش لنسبة كبيرة من سكان الأرض.


بحسب التقرير من المخاطر الأكثر وجوداً عام 2019 هي الاحتباس الحراري وتلوث الهواء، والأمراض غير المتنقلة مثل: السكري، وأمراض القلب والتنفس، والسرطان وغيرها، ومقاومة البكتيريا في الجسد للمضادات الحيوية، والإيبولا، وظاهرة عدم تلقيح الاطفال، ومرض نقص المناعة، والنظام الصحي الضعيف، وبنى تحتية أو مناطق هشة. فأكثر من 1,6 مليار شخص، أي: حوالي 20% من عدد سكان الأرض، يعيشون في أوضاع «هشّة» بحسب تعبير منظمة الصحة العالمية. وكلمة هشّة تتضمن النزاعات، النزوح، الجفاف، أو المجاعة.
اثنان من المخاطر جديدان نوعاً ما، وهما: مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وظاهرة عدم التلقيح. فمقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية خطيرة إلى أنها تهدد قدرتنا على السيطرة على بعض الأمراض، وإلى أنها نتيجة تطور البكتيريا وتأقلمها مع المضادات الحيوية والمحيط (في هذه الحالة المحيط هو الجسد)، وهذا طبيعي، ولكن ما هو خطير، هو أنها تتطور بأسرع من تطورنا للسيطرة، أو القضاء عليها. وقد يفسر هذا التأقلم (ضعف جهاز المناعة) الارتفاع في عدد من الأمراض غير المتنقلة، التي يلعب جهاز المناعة دوراً في مقاومتها، منها: السرطان مثلاً.
أما ظاهرة عدم التلقيح، التي بدأت في الولايات المتحدة بعد عدة تقارير تربط تلقيح الأطفال بارتفاع نسبة إصابتهم بمرض التوحد. حتى لو أن فوائد التلقيح لا تحتاج إلى إثبات بحثي في عام 2019، وحتى مع موت عدد من الأطفال غير الملقحين (نتيجة عدم تلقيحهم من آبائهم الذين يروجون لهذه الظاهرة التي تربط التوحد بالتلقيح)، إلّا أنّ الأصوات الموافقة مع ضرورة عدم التلقيح ترتفع. وهي مثل الحملات التي تدّعي أن الأرض مسطحة، أو إلى عدم أكل اللحومات ومنتوجات الحليب، أو إلى الزراعة العضوية، أو إلى عدم أكل المنتوجات التي تحتوي على الغلوتين (مثل بعض النشويات، واللحوم).
بالإضافة إلى هذا كله، فإن منظمة الصحة العالمية تضع خطر حصول وباء من الأخطار العشر الأكثر حرجاً عام 2019. بالطبع فإن المنظمة لا تعلم ما هو الوباء وأين سيبدأ أو ما هو العدد الذي سيقضي عليه، ولكنها تؤكد: أنه سيحصل. التأكيد الذي شدد عليه بيل غيتس منذ مدة قصيرة، واضعاً الحد الزمني لوباءٍ في العقد الحالي، متبرعاً بملايين الدولارات للوقاية من وباء لم يحصل بعد، ولا نعرف ما هو، ولا نرى أيّاً من عوارضه حتى؟ ومؤكداً أيضاً إلى أنّه في السابق لم تستطع الحلول العسكرية (أيّ: تدخل الجيش للحد من الوباء) بالقضاء على الوباء، بل الموضوع يحتاج إلى تدخل مؤسساتي، لهذا قدم تبرعاته التي تصب كلها في مصلحة البشرية من دون أيّ تعويض له.
من المثير للاهتمام، أنْ تضع منظمة الصحة العالمية وواحد من المنظرين في معالجة الأوبئة والداعين أيضاً إلى وجوب تقليل عدد سكان الأرض، لكون العدد الذي يرتفع مع السنين هو أحد أسباب الأمراض والأوبئة بنظره، أن يضعوا الوباء كأحد الأخطار التي ستحصل. ومن المثير للاهتمام ألّا تضع الجهتان سبباً لأيّ وباء بالحدوث، بل فقط خطط لضرورة تحسين القطاع الصحي الأوَّلي في بعض الدول، النامية بالتحديد. ومن المثير للاهتمام أنّ موضوعاً كعدم تلقيح الأطفال لم يُؤخذ بمنحى جدي من بعض الحكومات، بل المنحى الذي أُخذ هو: التشديد على التلقيح والتلقيح المجاني، ولكن ليس إجبار الاهل على تلقيح أطفالهم.
المخاطر الأكثر إلحاحاً التي تحدثت عنها منظمة الصحة العالمية هي جميعها مخاطر الوضع المعيشي الذي نعيشه، إن كان من ناحية الاحتباس الحراري الذي أتى نتيجة استغلال البيئة، والحروب، والتسابق نحو التسلح والسيطرة الاقتصادية على الكوكب. ويأتيك بعض الأفراد في عام 2019 فيجتمعون ويقررون كنوعٍ من الشعوذة، أنّ التلقيح قد يؤدي إلى التوحد (والذي هو مرض جديد نسبة إلى عمر الأمراض النفسية الأخرى الموجودة أو المكتشفة)!
كما يقول فيغوتسكي وكل من ارتكز على نظريته وطورها: أن تطور الوعي مرتبط بالبيئة الموجودة ومدى اتساعها وقدرتها على حمل المزيد من التجارب، وإلى الأفراد. فالبيئة التي نعيش فيها هي بيئة النظام الرأسمالي التي تبدأ بالانغلاق مع تقدمنا في العمر، والتي تسمح لنا بهامش محدود من التجربة والإبداع. وهذه البيئة هي التي جعلت من العلوم بعيدة كل البعد عن يوميات البشر، إلى أن وصلنا إلى نظريات عفا عنها الزمن في التجربة والنظرية والممارسة، مثل: التلقيح. ولكن كل هذه الظواهر مثيرة للاهتمام في أنها تجعل البشرية تعود إلى الوراء، في آليات الجسد والحياة، أو في طريقة العيش. ولكن التاريخ دائماً يمشي إلى الأمام، وعاجلاً أم آجلاً ستحتاج البشرية إلى إجابات وحلول عن هذه المخاطر التي لا يمكن لها أن تولد من نفس الفكر الذي أدّى إليها، أي: الفكر الليبرالي، بل يجب أن يحملها الفكر النقيض، الفكر الاشتراكي.