الرجعيّات على أشكالها تقع
مقابل ما نشهده من تغير في المناخ نتيجة الاحتباس الحراري، نجد من يقول بأنه لا وجود لما يسمى بالاحتباس الحراري والتقلبات في الحرارة في أغلب مناطق العالم أو الكوارث الطبيعية التي تتكاثر، والتي حسب زعمهم ما هي إلا أشياء طبيعية.
ونجد جهات رسمية كالولايات المتحدة الأمريكية رافضة لمنطق الاحتباس الحراري ورافضة الاعتراف به، حتى أنه هناك جهات علمية تقوم بالدفاع عن خروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ وعدم تقيّدها بتخفيض استهلاك الوقود الأحفوري، أو البدء باستخدام البدائل المتجددة والأقل تأثيراً على البيئة.
وراء قرار الولايات المتحدة الخروج من اتفاقية باريس هو التقييد الاقتصادي الذي سينتج عن تخفيض استخدام الوقود الأحفوري. مثلما وراء الجهات العلمية التي تزعم أن لا وجود للاحتباس الحراري، منافع مالية في الأغلب.
الشركات العملاقة والاحتباس الحراري
ثلاث شركات عملاقة كانت قد أعلنت عن دعمها لتخفيض نسبة ثاني أوكسيد الكاربون في الأعوام القادمة، وهي فايسبوك، غوغل، ومايكروسوفت، إمّا عبر إعلان رسمي أو من خلال التسويق، أو من خلال رفضها الخروج من اتفاقية باريس. ولكن نفس هذه الشركات كانت الممول الأكبر في مؤتمر سياسي ينفي الاحتباس الحراري في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث قدمت غوغل ما يقارب الـ 25,000$ وكل من فايسبوك وماكروسوفت 10,000$ لكي يكونوا جزءاً من المؤتمر. وكان التبرير أنّ الشركات قد لا تتفق مع جميع ما ورد في المؤتمر بل على جزء منه.
استعمل المؤتمر أساليب الدعاية التسويقية التي كانت تستخدم للتدخين، مثل تقديم نصيحة طبية أنّ التدخين مفيد للصحة أو مفيد للأسنان. فقد اعتبر المؤتمر أنّ «الارتفاع في نسبة ثاني أوكسيد الكاربون سيساعد الجميع، بما فيها عائلاتنا والأجيال القادمة»، بالإضافة إلى الزعم أنّ «الارتفاع في ثاني أوكسيد الكربون كان له أثر إيجابي على النباتات». وفي مستهل المؤتمر قدم أستاذ متقاعد في الإحصاء خطاباً معبراً عن فرحه عندما يسمع أن نسبة ثاني أوكسيد الكربون في ارتفاع «لأنها تطيل العمر المتوقع للإنسان».
شركات أو جمعيات أخرى كانت حاضرة، منها من كان داعماً للقرار الأمريكي بالانسحاب من اتفاقية باريس، ومنها شركات غاز وبترول كبيرة.
هذه الأبواق جميعها، منها المتحصن بعلميته، ومنها المتحصن بشهرته العالمية، هدفها واحد وهو عدم الخسارة في مردودها المالي. وهو ليس مستغرباً أن تقوم هذه الشركات بأية خطوة لكي تحافظ على سيطرتها ومردودها المالي. ولكنه يوضح لنا بالدلائل وبالأرقام أنّ وراء عدم الاعتراف بالاحتباس الحراري ووراء الانسحاب من اتفاقية باريس ليس سوى طمع في السيطرة والمال. والحقير أنّ هذا كله يستعمل باسم العلم، الذي يستعمل في تزوير الحقائق وحتى تزوير البديهيات منه، مثلاً: أنّ ثاني أوكسيد الكربون لا يطيل بل يقصر من حياتنا.
وهذا يؤكد لنا ارتباط مشكلة الاحتباس الحراري بالنظام الراسمالي المسيطر. فالولايات المتحدة الأمريكية رفضت الاحتباس الحراري وراحت تسوق لما هو مناهض له، حتى لو كان خارج عن الطبيعة. وأنها هي وهذا النظام مستعدون، مع الشركات العملاقة التي سيطرت على الفضاء التكنولوجي في العالم، للدفع بالأمور إلى الأقصى، في تضليل الحقائق العلمية واليومية. أي: أننا لا يجب أن نغترّ في أدوات الرأسمالية التي ستكون إلى جانبها دوماً، وستكون المدافع عنها دوماً. خاصة أنّ هذه الشركات هي الأكثر انتشاراً في العالم، والتي تمتلك كمية معلومات هائلة، أصبحت مصدراً أساسياً للبشر في امتلاك معلومات يومية، علمية، أو عامة حول واقعهم والعالم. فاستخدامها كمسوق نافٍ للاحتباس الحراري سيؤثر على نسبة من الناس، وسيؤثر أيضاً على النقاش الرافض والداعي إلى معالجة مشكلة الاحتباس الحراري.
ومن يتابع الحظر التي تقوم به شركة فيسبوك على أخبار المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية، سيجد أنّ الأسلوبين متشابهان. في حظرهما الأخبار التي لا تتناسب مع موقعها السياسي والطبقي، وفي نفيها للمشكلة التي قد تحد من توسعها وسيطرتها التكنولوجية.
صحيح أننا نشهد سقوطاً للرأسمالية، ولكنها بتوحشها لن تسقط قبل أن تستغل النفس الأخير من أي شيء تستطيع استغلاله. وهذه المعركة ليست بسهلة في استمرار تفنن الرأسمالية في الأساليب الاستغلالية للبشر.