«العلوم» تعلن: إنها انتكاسة!؟
نشرت مجلة «علوم» العالمية، محصلة ما اعتبرته خلاصة العام 2017 على المستوى العلمي العالمي، والتي تضمنت قسم «الخروقات» العلمية، وفيها قضايا تعديلات جينية، وعقاقير للسرطان وأصول الإنسان، ومناخ كوكب الأرض منذ ملايين السنين، ولكن الخلاصة السنوية تضمنت أيضاً: قسم «الانتكاسات» العلمية للعام الماضي، وفيها قضية التحرش الجنسي في الميدان العلمي، وتعرض أحد أنواع الدلافين لخطر الانقراض بسبب الصيد العشوائي، والقضية «الانتاكسة» التي تحمل مضامين سياسية مباشرة في الجانب العلمي، هي: المعنونة «ترامب والعلماء: شرخ عميق».
التقرير الذي أعده «جيفري ميرفيس» الذي هو حسب موقع المجلة الإلكتروني متابع الشؤون السياسية، في العلوم والسياسات الحكومية العلمية في الولايات المتحدة بشكل خاص، الذي يتحدث عمّا اعتبر: توسع الهوة بين المجتمع العلمي البحثي الأميركي والإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب. حيث يشير التقرير، إلى التظاهرة التي حصلت في الربيع الماضي تحت شعار «نسير من أجل العلوم» والتي حسب واضع التقرير، وسّعت الهوة ولا تساعد على ردمها بين الإدارة الأميركية والمؤسسات البحثية والعلمية في الولايات المتحدة.
ومن الأسباب الأساسية لهذه الهوة هي: انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ (والتي عاد ترامب وأشار إلى العودة عن هذا القرار الشهر الحالي) والتراجع عن قواعد بيئية متعددة، إضافة إلى الحد الكبير من الميزانية المخصصة للوكالات البحثية. ومن أبرز هذه العوامل هو: عدم وجود مستشارية علمية لدى البيت الأبيض، لتاريخ وضع التقرير، هؤلاء المستشارون الذي تعينهم الإدارة الأميركية عادة.
محطة فارقة تاريخية
يقول التقرير: إن المجال العلمي قد بَلور تصوراً، أن «الإدارة الأميركية الحالية ليست مهتمة بالعلوم، ومساهمتها في صحة وأمان وازدهار الأمة». هذا ما اعتبره الكاتب نقطة فارقة، نسبة للدعم الحكومي السابق من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي كليهما.
وهو ما شكل، إضافة إلى «عدم التعاطف مع الرئيس من قبل العلماء»، حالة انخفاض الاستعداد لديهم للمشاركة في أدوار استشارية لدى الإدارة الحالية، حسب استطلاع لآراء 66 من «أبرز علماء الولايات المتحدة» في مجالات مختلفة، قام به معد التقرير نفسه لعلماء «جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين» والذي وجد أن نصف المشاركين في الاستطلاع عبروا عن رفضهم لقبول «العمل لترامب» ولأدوار ما، ضمن الإدارة السياسية الحالية، بسبب موقفها وتعاطيها مع المجتمع العلمي. هذا الموقف عبر عنه الرافضون لقناعتهم، أن «مجهودهم الاستشاري سيكون هباءً». وخصوصاً أن خيارات «ترامب» في مواقع علمية مختلفة، أشارت إلى عدم الجدية و«التسييس» ومفتقدة لأية مقدرات علمية، كما عبر التقرير. ومثال المشرف على القسم البحثي في وزارة الزراعة سام كلوفيس، الذي عاد و»انسحب بسبب تورطه بقضية تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية»، من بين أمثلة أخرى في مراكز مهمة، كإدارة وكالة الفضاء المركزية «ناسا» التي يعتبر العلماء حسب الاستطلاع: أنها تتجه إلى التسييس تحت إدارة ترامب. هذه الخيارات «السيئة» ترافقت مع تأخر في تسمية رئيس مكتب العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، والتي اعتبرت إشكالية.
وكون الكونغرس الأمريكي رفض قرارات ترامب، بتقليص ميزانيات وكالات علمية مخلتفة، اعتبرته أصوات علمية مختلفة، كدعوة إلى تحرك المجتمع العلمي من أجل «تصحيح الشرخ في العلاقة، بين البيت الأبيض والمجتمع العلمي». هذا الشرخ الذي أكده اجتماع مغلق مؤخراً، حول الشراكة بين الحكومة والأكاديميا، والذي لم يحضره أي ممثل لإدارة ترامب، بالرغم من الدعوات الموجهة لهم، ولم تنطق أية كلمة حول السياسات الرسمية تجاه البحث العلمي، بينما في إدارات سابقة حيث «ضجت القاعة بالتصفيق لممثلي إدارة بوش» كما عبر التقرير.
الإدارة الأمريكية أم النظام؟
بغض النظر عن رؤية الكاتب، التي ركزت على العلم، وكأنه مشكلة ما، من مشاكل إدارة أو سياسة فرد أو مجموعة، إلا أن التقرير هو تعبير صارخ عن التناقض في السياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً، والشرخ الذي يضرب «جسم» الحلم الأمريكي، وهنا الحديث عن فئة العلماء والباحثين المرتبطين بشكل مباشر، في الإنتاج وتطوره بمختلف مستوياته، أي كفئة ذات موقع اجتماعي مرتفع غالباً؟
هذا المثال، يعبر عن الأزمة التي تعيشها «الإمبراطورية»، وخصوصاً عندما تطال مجال بكامله، وتعاديه بالشكل الذي عبر عنه التقرير، مجال العلوم والبحث. وتكثيف هذه المعاداة بمعناها التاريخي السياسي، هي معاداة لأي إنتاج أو إبداع، ولو كان ضمن الرأسمالية، فهي هنا تؤكد تناقضها الداخلي، ومحكومة بكونها رجعية بامتياز. فالقضية أبعد من انتكاسة حصلت للعلوم في العام الماضي، إنها الانتكاسة التاريخية للاقتصاد الرأسمالي ككل.