الشيوعية أو الانقراض، الاحتباس الحراري (2)
«الاحتباس الحراري ليس مشكلة معزولة حتى تُحل بإجراءات سوقية أو تكنولوجيَّة بحتة، ولا سيما أنّ هذه الحلول ناشئة من علاقات الإنتاج الاجتماعية الاغترابية نفسها التي نشأت منها المشكلة المراد حلّها».
تحدّث الجزء الأول من هذا المقال عن «تاريخ المشكلة» التي ناقشتها الباحثة الماركسية الأسترالية د.ويستون في أطروحتها «الاقتصاد السياسي للدفيئة العالمية» (2012) والتي أعلنت فيها بوضوح، فيما يخص منهج بحثها، بأنّ: «العقيدة المركزية في النظرية النقدية هي اعتبار المعارف كلها تاريخيةً في سياقاتها وسياسيةً في طبيعتها». ونتابع في هذا الجزء تلخيص نقدها للحلول النيوليبرالية لهذه المشكلة.
نقد «الحلول» النيوليبرالية
إنّ الرؤية النيوليبراية للاحتباس الحراري: إما أن تنكر وجوده، أو تعترف به مع حصره في إطار مشكلة معزولة ذات طابع سوقي وتكنولوجي محض.
صنّفت الدكتورة ويستون ردود الفعل الرأسمالية على مشكلة الاحتباس الحراري إلى ثلاث فئات من «الحلول»، تسمّيها «الحلول النيوليبرالية» التي يتبنّاها الاقتصاد السياسي النيوليبرالي المهيمن: (1) حلول سوقية. (2) حلول تكنولوجية. (3) حلول بيولوجية.
سنخصص الجزء الأول من المقال للـ«حلول» السوقيَّة، والجزء الثاني للتكنولوجيَّة والبيولوجيَّة.
أولاً: «الحلول» السوقيَّة
تجارة الانبعاثات (صكوك الغفران الكربونية)
إذا كان البلد الموقّع على كيوتو لا يستطيع (لا يريد) الإيفاء بحصته اللازمة من تقليص الانبعاثات، فالبروتوكول يسمح له بشراء «سماحيات» انبعاث من بلد آخر حقق التزاماته وقلّص انبعاثاته إلى ما دون الهدف المطلوب منه. أي أنّ كمية غاز CO2 الذي كان ما يزال مسموحاً للبلد الملتزم بأن يطلقها وصولاً للكمية القصوى المسموحة له، أصبح ممكناً تحويلها قانونياً بموجب بروتوكول كيوتو إلى بضاعة «سماح» تباع للبلد الذي تجاوز الحد الأقصى من كمية CO2 المسموح له إطلاقها. كما وتسمح كيوتو بممارسة هذه التجارة نفسها بين شركات البلد الواحد.
المكَبَّات الخضراء
يسمح للشركات والدول أن تحقق التزاماتها بكيوتو عبر تنمية غطاء نباتي مخصص لامتصاص جزء من انبعاثاتها من غاز CO2 (بالتركيب الضوئي). لكن عدا المحدوديات الطبيعية لقدرة النباتات على امتصاص الكربون، توجد عواقب اجتماعية لاستيلاء الشركات على المساحات الزراعية، والتي غالباً ما تكون ملكيات صغيرة لفلاحين فقراء.
احتكار إجازات الانبعاث
تحولت ما تسمى «آلية التنمية النظيفة» (البند 12 من بروتوكول كيوتو)، إلى أكثر تعاملات الانبعاثات استخداماً في هذا السوق. وهي تقوم على السماح لبلد متقدم محقق لالتزاماته «الكيوتوية» (والسماح لشركاته) بتعهّد تنفيذ «مشروعات تقليص انبعاث» في البلدان النامية. ويكسب المستثمر الراعي لهذه المشاريع صكوكاً (تشبه المشتقات المالية في البورصة) تسمى «ائتمان مُجَاز لتقليص الانبعاث» (CER)، وهي قابلة للبيع بحيث يكسب شاريها الاعتراف بأنه حقق مقداراً معيناً من الالتزام بتقليص الانبعاث.
التنفيذ التشاركي
يقبل البند 6 من بروتوكول كيوتو: أن تقوم دولة صناعية موقّعة عليه بـ «دفع» جزء من التزاماتها البيئية عبر تنفيذها لاستثمارات تقليص انبعاث في بلد صناعي آخر، وتكافأ الدولة المستثمِرة بنقاط خاصة (كل نقطة تحتسب بأنها تقليص انبعاث طن واحد من CO2)، وتستفيد الدولة المضيفة من الاستثمار الأجنبي ونقل التكنولوجيا.
فشل الحلول السوقية
إنّ اتفاقية كيوتو تنطلق من فرضية مشكوك في صحتها، وهي: أن تصريف وإزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يمكن أن يعوِّض عن تقليص الانبعاثات من المصدر. أما مفهوم «الاستدامة» الشائع في تقارير المنظمات الدولية وغير الحكومية، فقد تعرض لكثير من الانتقادات المحقّة، ومنها: «إنّ تعريف الاستدامة تُرِك غامضاً عمداً لتجنب أية اعتراضات هدّامة. وفسّر البيئة كمشكلة سوقية، بدل تحليل السوق كمشكلة بيئية» (ميدلتون وأوكيفي 2001).
يرى كثير من النقاد التقدّميين: أنّ تجارة الانبعاثات الكربونية لا تترك فقط الأشغال المعتادة لرأس المال دون مساس، بل وأنها تُوسّعها نحو تسليع وخصخصة إحدى آخر المشاعات المتبقية للبشرية؛ أي: الغلاف الجوي.
مثلاً، لاحظ غارفيلد (2008) أنّ مستويات الانبعاث القصوى المسموح بها يتمّ تحديدها بناءً على التقديرات التي تقدّمها الشركات الرأسمالية نفسها، الأمر الذي أدى إلى تحديد أرقام قصوى مسموحة، تفوق حجم الانبعاث الحقيقي بنحو 50%، بحيث إنّ الشركات تابعت عملها المعتاد دون أية حاجة لتقليص التلوث الذي تنتجه. وفضلاً عن ذلك، عندما صار هذا الموضوع معروفاً للجميع في سوق الانبعاثات، انخفض سعر بورصة «سماحيات الانبعاث» للطن الواحد CO2 من 33 يورو إلى 2,0 يورو (بحكم قانون العرض والطلب). أما النتيجة البيئية لفشل الإجراءات السوقية الرأسمالية في معالجة المشكلة فهي أنّ مستويات الانبعاث من المنشآت المغطاة بالاتفاقية الأوروبية لتقليص الانبعاثات (ETS) لم تنقص، بل ارتفعت بنسبة 8, 0 % بين عامي 2005 – 2007. يذكر تقرير منظمة أصدقاء الأرض (FOE) 2009 بأنّ نحو ثلثي قيمة استثمارات الكربون لم تأت لمساعدة الشركات على تحقيق التزاماتها البيئية، بل لمراكمة رأس المال وجني الأرباح.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 837