كيف يمكن تحقيق المساواة المكانية في دمشق وريفها؟ (1/3)
تعاني العديد من مدن العالم المتقدّمة والنامية على حد سواء، من التركّز السكاني الكبير ضمن محيطها العمراني، الذي غالباً ما يترافق مع إشكالياتٍ عديدة، اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وبيئيةٍ، تؤثر سلباً على الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة، ويزداد الوضع تدهوراً في حال غياب عدالة التوزيع فيما بين الأقاليم والمدن، وتعاني مدينة دمشق كغيرها من مدن العالم الميتروبوليتانية من العديد من الإشكاليات التخطيطية، والتي من بينها وجود تفاوت مناطقي واضح وقريب جغرافياً بشكل كبير، الأمر الذي يستلزم وضع سياسات تنموية مستدامة لضمان عدالة التوزيع والنمو.
واستناداً إلى ما سبق يناقش البحث الإشكاليات الآتية:
- اختلال التوازن التنموي في جميع المؤشرات بين المناطق الحضرية المركزية والريفية.
- فشل السياسات التخطيطية الحضرية، في التصدّي للتحدّيات التي تواجه المدن والأفراد، بسبب عدم قدرتها
على تحقيق التكامل بين الخطط الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وصولاً إلى سياسة حضرية مستدامة.
- مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة تتجلى بانتشار الفقر والعشوائيات، تدني مستوى الخدمات التعليمية
والصحية، انتشار البطالة، وتدني مستوى المعيشة بشكل عام ولاسيما في المدن الكبرى نتيجة التركز السكاني الكبير الذي لا يترافق عادةً مع سياسات إسكانية وتخطيطية جيدة.
- ضعف العدالة الاجتماعية والمساواة المكانية ضمن المدينة الواحدة وضمن مدن الإقليم على المستوى الوطني.
النتائج والمناقشة
يندرج التخطيط الحضري المستدام بما يشمل من سياسات وآليات وأدوات ضمن فروع التخطيط الإقليمي، فهو أداة وآلية رئيسة تسهم في تحقيق تنمية إقليمية متوازنة ومستدامة تحت «إطار وطني شامل» يصوغ الخطط والسياسات التنموية محلياً واقليمياً ووطنياً بما يؤدي إلى تكاملها ويحقّق الأهداف المرجوة منها. ما يزال مفهوم الاستدامة إلى اليوم، في العديد من الدول النامية ولاسيما العربية يقتصر على البعد البيئي فقط، وعلى كيفية حماية الإنسان والمكان من التلوث، وعالمياً ما تزال الاعتبارات البيئية ذات أهمية أكبر من رفاهية البشر كلّما طُرح مفهوم الاستدامة. فالحفاظ على البيئة وعدم استنزاف الموارد الطبيعية أمر مهم، ولكن تلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد من(سكن، غذاء، تعليم، صحة (وتوفير الوسائل الاقتصادية، التي يمكن من خلالها تأمين هذه الاحتياجات هو الأمر الأهمّ، ولابد أن يكون من أولويات أية سياسة تخطيطية اليوم، ومن ثَمّ ارتبط مفهوم التخطيط الحضري بالاستدامة، كعملية رئيسة لم يعد بالإمكان تغييبها عن أية خطة تنموية وطنية أو إقليمية. ونتيجة لذلك أصبح لزاماً على المخططين والمعماريين في سورية استناداً إلى الخطة الخمسية العاشرة وما تبعها من قوانين، تقديم دراسات التقييم البيئي الاستراتيجي للمشاريع العمرانية والتخطيطية بحيث تأخذ الاعتبارات البيئية كافة بالتوازي مع الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية خلال المراحل المبكّرة من التخطيط.
المساواة المكانية
يعدُّ مفهوم المساواة المكانية من المفاهيم الحديثة والمعاصرة، التي تدرس العلاقة بين الإنسان والمكان، ويتواجد المفهوم حالياً ضمن خطط الدولة الوطنية منها والإقليمية كافة، وحتى المحلية، ويعني تساوي إمكانية الأفراد في الوصول إلى المدارس، والمنشآت الصحية، والفعاليات الثقافية، والمساواة في توفر فرص العمل لكافة الأفراد والمساواة في فرص التعليم ونوعيته، والمساواة في القدرة على المشاركة في الفعاليات الثقافية، الإقليمية والمحلية، وللأعمار كافة.
والتوزيع العادل للموارد الموجودة في حيز جغرافي ما، من خلال خطط وسياسات معينة، تهدف إلى تحقيق العدالة والإنصاف على المستويات كافة) اقتصادية واجتماعية وبيئية (بما يحقّق تنمية محلية وإقليمية متوازنة، ويؤمن للأفراد متطلباتهم الأساسية التي تضمن لهم حياةً كريمة.
مدينة دمشق والتحديات التنموية المعيقة للمساواة المكانية
لا يمكن دراسة مدينة دمشق بعيداً عن محيطها المباشر، الملتصق بها جغرافياً وادارياً وتنظيمياً، وهو: ريف دمشق، لذلك تشمل الحالة الدراسية إقليم دمشق الكبرى، باعتبار أن المحافظتين ملتصقتان بشكل كبير، حيث لا تبتعد مناطق ونواحي محافظة ريف دمشق عن المركز كثيراً، ومن ثَمّ فهي حالة تخطيطية خاصة، إذ يشير التركيب المورفولوجي، إلى وحدة وتلاحم كبير بين المحافظتين يصعب معها إمكانية فصلهما إدارياً وتخطيطياً.
تعاني مدينة دمشق تحديات تنموية عديدة، ظهرت نتيجة العديد من الأسباب، أهمّها: البطء في تنفيذ المشاريع، نقص التمويل، الزيادة الكبيرة في السكان والنمو الاقتصادي الكبير الذي ترافق مع نمو عشوائي للتجمّعات الصناعية داخل المدن وضمن محاورها الرئيسة إضافةً إلى عدم وجود خطط وطنية وفق تخطيطٍ إقليميٍ وطنيٍ موجّهٍ وسليم قادرٍ على نشر المشاريع التنموية بشكلٍ عادلٍ ومتوازن ومن ثَمّ تقليل التباينات التنموية، ونتيجة للأسباب السابقة ولمواكبة النمو السكاني والاقتصادي السريع وضعت الحكومة السورية العديد من الخطط والمشاريع التنموية منذ ستينات القرن الماضي لمواجهة هذه التحديات التنموية، إلّا أنَّ الأنظمة المؤسساتية والإدارية والتخطيطية لم تحقق الأهداف الموضوعة كاملة، إضافةً إلى عدم تكامل مكونات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدوام مع الخطط الخمسية وتنفيذها في سورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788