فعالية المناطق الخضراء في التجمعات السكانية
في مجلة جامعة دمشق للعلوم الزراعية قدم كل من د. غسان شورى وم. نور شمة بحثهما المعنون «واقع المناطق الخضراء في التجمعات السكنية وسبل تطويرها».
المناطق الخضراء هي الأماكن غير المبنية (داخل المدينة أو خارجهـا) المزروعـة بالنباتات (أشجار، شجيرات، مسطحات خضراء،...الـخ) والمتدرجـة فـي مـساحاتها ومستوياتها التخديمية وهي عنصر بالغ الأهمية لأية مدينة تـسعى إلـى تحقيق عنصر الراحة والتنزه لسكانها والوقاية من التلوث، حيث أنها تعد رئـة المدينـة، وهي المجال الوحيد لتوفير التسلية والترفيه في المحيط العمراني.
تقام المناطق الخضراء حول المدينة بهدف ربطها ربطاً عضوياً بمحيطها، أما المنـاطق الخضراء داخل المدينة فهي تربط بين مناطق المدينة المبنية وغير المبنيـة فـي تكـوين متناسق ومتكامل، ولذا فهي تشكل عنصراً أساسياً في تكوينها العمراني. لقـد أصـبحت الحاجة اليوم إلى المناطق الخضراء ضرورة ملحة، ولا يكفي أن تدرس من وجهة النظر الكمية، وإنما يجب أن يتم توزيعها على أراضي المدينة وحولها على أساس أنها منظومة متكاملة تشكل جزءاً لا يتجزأ من التكوين التخطيطي للمدينة.
خفض معدل التسخين الأرضي
تعد المناطق الخضراء المكون المادي الطبيعي الرئيس للبيئة العمرانية، ويمكن بالتـالي أن تساهم في إنتاج بيئة عمرانية سليمة وصحية إذا ما درست وخططت على هذا الأسـاس وذلك لما تقوم به من أدوار هامة في عدة مجالات كالمجال الصحي، حيث تساهم المنـاطق الخضراء في تقليل معدلات السمنة بين الأطفال فقـد توصـل الباحثون (إلى أن انتشار المناطق الخضراء في الأحياء السكنية أسـهم فـي زيـادة النـشاط الحركي عند الأطفال، الأمر الذي ارتبط بانخفاض معامل كتلة الجسم لديهم، وكـذلك أثبـتوا أن العيش في المناطق الغنية بالغطاء النباتي يخفض نسبة الإصابة بارتفاع الضغط. أظهر الباحثون كذلك أن توافر المناطق الخـضراء على أنواعها، أمر يسهم في تحسين وضع صحة الفقراء وتأمين العدالة الصحية بين فئـات المجتمع التي يختلف دخلها المالي اختلافاً كبيراً. أيضاً بالنسبة للمجـال البيئـي فللمنـاطق الخضراء تأثير كبير في المناخ المحلي حيث تعمل زيادة مساحة المسطحات الخضراء علـى خفض معدل التسخين الأرضي، حيث وجـد أن المنـاطق ذات المسطحات الخضراء تمتاز بدرجة حرارة منخفضة مقارنة مع المناطق الإسـفلتية بفـارق حراري يتراوح بين 7–14 م نتيجة عملية تبخر- نتح مما يمنح تلك المناطق صيفاً معتـدلاً، وتخفض معدل استهلاك الطاقة المستخدمة لتبريد الهواء في ظروف الـصيف الحـار ممـا يخفض معدلات التلوث الناتجة عن توليد تلك الطاقة أو استهلاكها. أورد علماء أن استهلاك الطاقة الناتج عن تبريد الهواء فـي المناطق السكنية ذات المسطحات الخضراء حول مبانيها أقل بـ 25 %منه في المنـاطق ذات السطوح الإسفلتية، كما تساعد زيادة الرقعة الخضراء في الحيز العمراني على رفـع الرطوبة النسبية للهواء وذلك من خلال عمليات التبخر والنتح التي تقوم بها النباتات، حيث يمكن أن تصل المساحة الكلية لأوراقها إلى 75 ضعف المساحة الكلية التي تحتلها.
إضعاف الإشعاع الشمسي
أشار بعض الباحثين إلى أن ما يبخره هكتار واحد من الغابة أكثر مما يتبخر من هكتار من سطح الماء، بالإضافة إلى ذلك فإن المساحات الخضراء تؤدي دوراً فعالاً فـي إضعاف الإشعاع الشمسي، وتبعاً لكثافة هذه المساحات الخضراء ينخفض الإشعاع بنـسبة 6.8 %بالمقارنة مع ما هو عليه في الساحات والميادين المكشوفة حيث تخفف من حـدة الإشعاع الشمسي وتشتته. كما أورد آخرون أن للمناطق الخضراء دورا في حجب وتقليل الانعكاسات الضوئية القوية عن الجدران لما لها من آثـار سـلبية على البصر والجهاز العصبي. أما بالنسبة لدور المناطق الخضراء في التخفيف من التلوث فقـد أثبـت أن الهكتار الواحد من الغابات أو مـا شـابهها مـن المـساحات الخضراء يستهلك 8 كغ من ثاني أكسيد الكربون في الساعة أي ما يعادل ما يفرزه (200 ( شخص من ثاني أكسيد الكربون في أثناء الزفير في كل ساعة. وتعمـل أوراق الأشـجار وكذلك المسطحات الخضراء على اصطياد الذرات الصلبة المحمولة في الهواء مما يجعلها عاملاً مساعداً وضرورياً لتنقية الهـواء الـذي يتنفـسه الإنـسان.
يجمع الدونم الواحد من الغابات نحو ستة أطنان من ذرات الغبار سنوياً. وللمناطق الخضراء أدوار هامة في المجال الاجتماعي والنفسي حيـث أن المناطق الخضراء توفر لكبار الـسن الـشعور بالأمـان، وتعزز العلاقات الاجتماعية والمجتمعية، والأنشطة المفيدة للصحة التي تعـزز الـصحة البدنية والصحة النفسية، وتساعد كبار السن على العيش بشكل مستقل في مجتمعهم
قلة المساحات الخضراء
ضمن التجمعات السكنية
. تكمن أهمية البحث في تسليط الضوء على المنهجية العلمية والتطبيقية الواجب اتباعهـا عند دراسة المناطق الخضراء وتقييمها من حيث المواصـفات الكميـة والنوعيـة وسـبل تطويرها من خلال وضع معايير ومواصفات تخطيطية وتصميمية عند دراسـتها. ويعـود السبب في اختيار هذا البحث إلى قلة المساحات الخضراء ضمن التجمعات السكنية في مدننا بشكل عام، حتى في حال خصصت لها مساحات مقبولة في التجمعات الـسكنية الجديـدة لا تدرج بشكل مدروس في المخططات التنظيمية لهذه التجمعات كما تنفـذ بـشكل ارتجـالي وتزرع بشكل عشوائي لعدم وجود دراسة صحيحة ومخططات تستند عليها عمليـة التنفيـذ (غير موثقة).