هل تكون مواد البناء الصديقة للبيئة حلاً في إعادة البناء!؟
غيرت الثورة الصناعية من فكر الإنسان وأنسته التجارب والخبرات التي اكتسبها عبر الآلاف من السنين في مراحل تطوره المختلفة، وبدأت الآلة تغير من فكره، وفقد مسكن الإنسان ارتباطه مع البيئة والطبيعة.
ما يمكن ملاحظته في مأوى الكائنات الحية من الحشرات والطيور والثدييات الصغيرة أنها تظهر مهارة فائقة في تصميم بيوتها وتغير مواقعها بما يتلاءم مع حياتها وحياة صغارها، فالنمل يبني بيوتاً تتوافر داخلها الرطوبة والدفء، وهو يستخدم في سبيل ذلك مادة بناء خاصة يختارها من الطين الرديء الموصل للحرارة.
يلاحظ أن المباني في الحضارات القديمة كانت تستعمل مواد بناء متوافرة في البيئة كالحجر والطين والخشب والقش، ويعتبر الطين والطوب المحروق من أشهر وأقدم مواد البناء المستعملة،
وفي العالم الجديد في أمريكا الشمالية، يبدو أن مدينة بابلو بونيتو Pueblo Bonito والتي يطلق عليها الآن « نيو مكسيكو» كانت مخططة على شكل شبه دائري على هيئة مدرجات موجهة بأسلوب يراعي زوايا الشمس في الصيف والشتاء، كما أن الحوائط السميكة من الطوب اللبن، تمتص الحرارة والأشعة الشمسية أثناء النهار وتشعها إلى الهواء أثناء الليل، مما يجعل المكان ذا حرارة معتدلة طوال اليوم، بينما الأسقف المصنوعة من القش والطين تعمل كعازل ضد حرارة الشمس في الصيف.
ولكي تكون مواد البناء صديقة للبيئة يجب أن يتوفر فيها شرطان أساسيان:
أن لا تكون عالية الاستهلاك للطاقة أثناء التركيب والتصنيع والصيانة، وألا تؤدي إلى زيادة التلوث الداخلي للمبنى، لذلك تظهر أفكار كثيرة حول مواد بناء الصديقة للبيئة.
ومن مواد البناء التي تعتبر عادة من المواد «الخضراء» الأخشاب من الغابات التي تمّ اعتمادها وفقاً لمعايير محددة، المواد النباتية المتجددة بسرعة مثل الخيزران والقش، والحجر المعاد تدويره، والمعادن المعاد تدويرها، وغيرها من المنتجات التي هي غير سامة، والتي يعاد استخدامها، قابلة للتجديد، ولإعادة التدوير «على سبيل المثال، صوف الأغنام، لوحات مصنوعة من رقائق الورق، والصلصال، والفيرميكوليت والكتان والأعشاب البحرية، والفلين وجوز الهند، وألواح من ألياف الخشب، والكالسيوم، الحجر الرملي الخ». تقترح وكالة حماية البيئة استخدام السلع الصناعية المعاد تدويرها، مثل منتجات احتراق الفحم، والرمل المسبك، وحطام الهدم في مشاريع البناء، واستخراج مواد البناء وتصنيعها محلياً في موقع البناء، للحد من استهلاك الطاقة إن أمكن ذلك، كما يمكن أن تصنع عناصر المبنى في خارج الموقع وتسليمها إليه، وذلك لتعظيم فوائد التصنيع في خارج الموقع التي تتضمن الحد من النفايات، وإعادة التدوير لتصل أقصى حد، وعناصر ذات جودة عالية، وتحسين الصحة والسلامة المهنية الإدارية، وأقل ضجيج وغبار.
الخيزران
يعتبر الخيزران من النباتات القليلة التكلفة والسريعة النمو، كما أنه يتمتع بقوة مدهشة، وهذا ما دفع فريق الباحثين التابعين لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لدراسة كيف يمكن الاستفادة من هذا النبات لاستخدامه في البناء، حيث أجروا دراسة تهدف لمعرفة سبب صلابة هيكل الخيزران، وتبين بالنتيجة أن المواد عند حواف قضيب الخيزران أكثر كثافة وأقوى من المواد الموجودة في وسطه، ولهذا اقترحوا أن يتم استخدام الخيزران لصناعة مواد البناء الثانوية، مثل رقائق الخشب، والتي من شأنها أن تجعل المنازل والمباني أقوى، وأرخص، وأقل تأثيراً على البيئة.
القش
يعتبر القش مادة بناء مستدامة حيث يمكن الحصول عليه واستخدامه في البناء وهو لا يضر بالبيئة، فهو ينمو في أقل من سنة وفي بعض الأحيان يجني محصول القمح أو الأرز عدة مرات في السنة الواحدة، كما أن هناك أنواع من القش الصالح للبناء تنمو في أرضية مالحة أو منخفضة الجودة، بالإضافة إلى أنه لا ينتج أية مخلفات ضارة بالبيئة. ويمكن استخدامه كمادة بناء إذا كان خالياً من الرطوبة.
السطوح الخضراء
للأسقف الخضراء فوائد عديدة فهي تعمل على تنظيم حرارة المبنى فتقوم بتدفئته خلال الشتاء وتبريده خلال الصيف كما تساهم في تقليل مياه الأمطار المتسربة إلى الأرض، ذلك لأنها تعمل كإسفنجة ماصة للمياه، وفي الوقت نفسه تستفيد النباتات من هذه المياه. كما تقوم الأسقف الخضراء على تقليل التلوث حيث تعمل كفلتر لتنقية الهواء ومن فوائد الأسقف قيامها بدور كبير في تقليل الضوضاء والتي هي من مشاكل العصر الحديث خاصة في المدن. كما لا ننسى أن للأسقف الخضراء فوائد اقتصادية عديدة فهي تزيد من عمر المباني حيث تعمل كعازل حراري بحجبها أشعة الشمس عن أسطح المباني كما تقلل من تكاليف تكييف الهواء خلال الصيف والتدفئة خلال الشتاء.
الإسمنت الأخضر
من المعروف أن صناعة الإسمنت تساهم في تلوث الجو والبيئة وظاهرة الاحتباس الحراري، لذلك فان الإسمنت الأخضر هو محاولة لإدخال مواد جديدة في عملية التصنيع تقلل من استهلاك الطاقة اللازمة، وبالتالي كمية الانبعاثات من الغازات والتي لها دور في تلويث البيئة، والحصول على إسمنت بمقاومة أفضل وخفض كمية ماء الخلط، ويعطي خرسانة سهلة الدمك ذات ليونة وقابلية تشغيل عالية أثناء الصب ونعومة على سطح الخرسانة بعد الانتهاء من الصب، مع سهولة ضخ الخرسانة للموقع.
إعادة تدوير الخرسانة
من الملاحظ أن هذا الموضوع يأخذ أهمية كبيرة في البلدان التي تنشأ فيها الحروب والدمار وفي سورية هذا الموضوع له أهمية كبيرة نظراً لحجم الدمار الموجود، وقد وجد بالدراسات أنه يمكن إعادة تدوير «80%_90%» من مخلفات الخرسانة، حيث أن عملية التدوير تخفف من استخدام الموارد الطبيعية، وتقلل من تكلفة إنتاج ونقل هذه المواد الأولية، وتقلل المواد التي تحوّل إلى أماكن الطمر.
إن عملية إعادة التدوير تكتنفها بعض المحددات الاقتصادية وبالتالي يجب الأخذ بالاعتبار القيمة الاقتصادية للتدوير وأيضاً تحتاج إلى توفر التقنية اللازمة لإعادة التدوير، بالإضافة إلى خواص المادة المراد إعادة تدويرها. يمكن إعادة تدوير الخرسانة بإحدى طريقتين، الأولى: باستخدامه كركام خشن وناعم في صناعة خرسانة جديدة، وهذا يحتاج بالضرورة إلى تكسيره بكسارات حسب حالة الخرسانة ومن ثمّ استخدامه في الخرسانة الجديدة.
وتشير البحوث الحالية إلى إمكانية قبول 30% من الركام المصنوع من مخلفات الخرسانة في الخرسانة الجديدة من أجل التماشي مع مواصفات جيدة للخرسانة. أما الطريقة الثانية: فهي استخدامه في طبقة أساس الطرق. وعلى خلاف الطريقة الأولى فإن استخدام مخلفات الخرسانة في الطرق هو أكثر شيوعاً من استخدامه في الخرسانة الجديدة.
وضمن عملية التدوير من الممكن أن يتم إعادة الخرسانة إلى مكوناتها الاولى وبالتالي التخفيف من الطلب على المواد الاولية الطبيعية ولكن بالإضافة يجب مراعاة الأساليب البيئية في إعادة إنتاج الخرسانة من جديد.