التنوع اللغوي مقابل نظيره الحيوي؟
لم يتم ذكر هذا السؤال بين الأسئلة التي طرحها (جورينفلو) وآخرون في مقالهم الوارد في النشرة الدورية للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (PNAS) والتي تتناول موضوع «العوامل المساعدة في حدوث التنوع اللغوي حيث يبدو أنهم يتوقعون مسبقاً – وبذكاء – رداً إيجابياً على هذا السؤال، لكن المرء يتساءل عن الانعكاسات الدقيقة لهذا الأمر
قد يبدو أن هذه المساهمة لا تعدو كونها ورقة علمية عادية ضمن النشرة الدورية للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (PNAS) ذات المستوى الرفيع، خصوصاً وأنها تضم المظاهر الاعتيادية لأية ورقة علمية مماثلة كالخرائط والإحصاءات والرسوم البيانية.
وكالعديد من المقالات المنشورة في الـ (PNAS)، فقد ذاع صيت هذا المقال في وسائل الإعلام. إلا أن النتيجة الرئيسية التي تضمنها المقال لم تكن جديدة، كما أن كتّابه لم يستطيعوا أن يقدموا فيه شرحاً وافياً. لقد أكد هؤلاء الباحثون بأن النقاط الساخنة الـ 35 للتنوع الحيوي، إضافةً للمناطق الجغرافية الخمس له تمتلك تركيزاً عالياً من اللغات يفوق ما كان متوقعاً.
هذا وقد تم منذ فترة اكتشاف العلاقة التي تربط كلاً من التنوع اللغوي والتنوع الحيوي، حيث تم استخدام مصطلح (التنوع الحيوي الثقافي) من بعض الأوساط والجهات، إلا أن أسباب ارتباط هذين الصنفين من التنوع لا تزال إلى الآن غير واضحة.
وفي محاولةٍ منهم للإجابة على هذا الأمر، قام جورينفلو وزملاؤه باستعراض عدة تفسيرات طرحها باحثون آخرون حول هذه القضية، إلّا أنهم لم يناقشوها بشكل جدي. وانتهى بهم الأمر بالقول بأن الأسباب الكامنة خلف هذه العلاقة هي أسباب معقدة وتختلف من مجتمع لآخر ومن منطقة لأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه على ضوء هذا الاستنتاج هو :
هل يعني هذا أن العلاقة بين التنوع الحيوي والتنوع اللغوي بحد ذاتها هي علاقةٌ زائفة ؟
يبدو أن الفكرة الرئيسية التي تحملها مقالة جورينفلو وزملائه العلمية هي أشبه بخطة أو برنامج عمل، حيث يرى هؤلاء العلماء بأن مهمة الحفاظ على كل من الأنواع الحيوية المهددة بالانقراض واللغات المهددة بالاندثار ينبغي أن يُنظر إليها باعتبارها قضيةً واحدة.
ونقتبس هنا من المقالة حرفياً : «قد يكون من المستحيل الحفاظ على نطاق واسع من الأنواع والنُظم البيئية التي تتضمنها دون دمجٍ للغات الخاصة بها والثقافات التي تمثلها في استراتيجيات التنوع الحيوي».
وحتى لو كانت العمليات المسؤولة عن تشكيل التوزيعات الجغرافية المتماثلة لكل من التنوع الحيوي والتنوع اللفظي مختلفة، فيبدو أن قوى متماثلة تقوم حالياً بقيادة التجانس بين الحيوي من جهة، والثقافي/اللغوي من جهةٍ أخرى.
إن هذه القوة هي (الاقتصاد الصناعي العالمي المتضخّم) والذي يمثل تهديداً جدياً للغات والثقافات المرتبطة بها. لذا، فإن المهمة الأساسية هي حماية الأنواع الحيوية واللغات من خطر الاقتصاد العالمي الذي يقود ويوجّه هذه المقالة «العلمية» وشبيهاتها.
ويتضح لنا هذا الأمر من خلال مقالة نشرها راسيل ميترمير – أحد الكتّاب الأربعة للمقالة العلمية – في صحيفة (هافينجتون بوست). حيث أشار ميترمير إلى أن «الجهود الرامية للحفاظ على الطبيعة من جهة والتأكد من سلامة الثقافات الإنسانية من جهة ثانية، يمكن أن تُوضع في بوتقة واحدة بحيث يتم القيام بكل من هاتين المهمتين سوياً.
بعبارة أخرى، إن تم الحفاظ على البيئة، فستبقى الثقافات الإنسانية معزولة (لأن الناس لن يكون لديهم طرق ومطارات ووو ...). والعكس صحيح، أي إن لم يصبح الناس جزءاً من الاقتصاد العالمي، فإنهم لن يدمروا التنوع الحيوي المحيط بهم.
كما أن «بعض الأنظمة والممارسات الثقافية التي يمثّلها من يتحدثون بلغات أصلية، تميل لتكون متوافقة مع مستوى عالي من التنوع الحيوي».
بكل الأحوال، فلا يبدو هناك أي دليل على أن الجهود المبذولة للحفاظ على التنوع الحيوي لها أي تأثير على حفظ اللغة أو العكس. إن فعالية الحفاظ على اللغة تظهر عندما يكون المتحدثون بها قادرين على المنافسة في الأسواق العالمية (كاللغة الكتالونية ).
إن بإمكاننا إغلاق مناطق طبيعية بأكملها وتحويلها إلى محميات وترك النباتات والحيوانات هناك وحدها، إلا أنه لا أحد يريد – افتراضياً – (محميات لغوية طبيعية) يُمنع الغرباء من دخولها.وفي هذا السياق، فلربما من المفيد التوقّف والتفكير بعمق بالنقاش الدائر حالياً حول قضية المخاطر التي ذكرناها. ومن الجليّ أنه دائماً ما يكون هنالك أيديولوجيات معينة خلف تلك الجهود الرامية للمحافظة على التنوع، ومن الضروري أن نكون على علمٍ ودرايةٍ بها.
تم النشر بتاريخ 23/6/2012 في مجلة «فرضيات» العلمية.