شبكات الـ«سوشال ميديا» لا تصلح إعلاماً عاماً

شبكات الـ«سوشال ميديا» لا تصلح إعلاماً عاماً

لنبدأ بالشيء الأساسي، وهو الأشد وضوحاً أيضاً. لنقل الأمور كما هي: لا جدوى من الجدال المتلاطم في شأن التنافس بين شبكات التواصل الرقمي الاجتماعي من جهة، ووسائل الإعلام العام كالصحافة والتلفزة عبر الأقمار الاصطناعية وغيرها، من الجهة الثانية. ووفق تسميتها، الأمر الأساسي في شبكات الـ «سوشال ميديا» يتمثّل في أنها منصات للتواصل الرقمي، بل ظاهرة تاريخية متفرّدة كأداة في الاتّصال المعولم والموسّع بين الأفراد والشعوب، وهي المستوى الأكثر تطوّراً للابتكار البشري في تقنيات الاتّصال الرقمي.

وفي المقابل، يجدر التنبّه إلى أنّ بعض شبكات التواصل كـ «فايسبوك» جهدت كي تصبح وسائل إعلامية، إلا أنّها لم تفلح في ذلك، حتى الآن. وأقرّت بذلك علناً، وفق تصريح إعلامي شهير لمارك زوكربرغ، مؤسس «فايسبوك»، في مطلع العام الحالي، أعلن فيه انسحاب تلك الشبكة من الإعلام العام، بل شدّد (وذلك أمر فائق الدلالة) على عودتها إلى مهمتها الأصلية: الاتّصال الموسّع والمنفتح بين البشر «مع التركيز على أخبار الأهل والأصدقاء»، وفق كلماته.

ومنذ بدايتها، لم تقدّم الـ «سوشال ميديا» نفسها بصفتها مؤسسات إعلاميَّة، ولا يمكن أن تكون وسائل إعلام عام بديلة. والأرجح أن الأمر الأساسي يتعلق بكونها أولاً وأخيراً لم توجد كي تصنع المحتوى (تذكير: صناعة المحتوى هي الركيزة الأساسيَّة للإعلام العام)، بل أنّ المستخدم هو من يغذّي محتوى تلك الشبكات.

وللتوضيح، تُستخدَم وسائل التواصل الاجتماعي كوسائط في التواصل، فهي أداة انتشار الاتّصال الموسّع عبر منصات رقميَّة معولمة أساساً. وعلى سبيل تعزيز مسار ذلك النوع المتطوّر من الاتّصال، عمدت منصّات الـ «سوشال ميديا» إلى استضافة محتوى وسائل الإعلام، سواء المكتوب أو المرئي- المسموع أو غيرها. وصار ذلك المحتوى عنصراً مضافاً في تواصل يغذيه مئات ملايين البشر يوميّاً، بل على مدار الساعة، وهو يأتي من الأمكنة كلّها.

من يستطيع اجتذاب الجمهور؟

بقول آخر، تملك وسائل التواصل منطق البث والتلقي على أوسع مدى، لكنها تسعى دائماً إلى إقامة شراكة مع منتجي المحتوى لجذب أكثر عدد ممكن ممن يملكون صيتاً يستطيع اجتذاب الجمهور.

واستطراداً، ليس لتلك الشبكات مهنية إعلامية، ولا حتى في كيفية إدارة النشر الرقمي، ولا يمكنها أن تتمتع بما يسمى قواعد البث الإعلامي، على رغم أن الأخير يستأهل نقاشاً منفصلاً.

وإذ أعطَت الـ «سوشال ميديا» المجال للنشر لكل من يريد، لا يعني أنّها باتت من وسائل الإعلام العام. وما يمكن قوله هو أنّ التقنيّات الرقميّة، خصوصاً بعد تغلغل الإنترنت في تجربة الـ «ويب 2.0»، تسمح للجميع بأن ينشر نصوصاً وصوراً وفيديوات وغيرها. وتالياً، ولّد ذلك النشر الموسَّع تخبطاً وفوضى نظراً لعدم وجود ضوابط له، ما أدّى أحياناً إلى مشكلات عدة من ضمنها (وليس حصراً) عدم معرفة كيفيّة التعامل معه.

يضاف إلى ذلك أنّ الإنترنت مساحة مفتوحة والجميع سواسية فيها، ويطرح ذلك المعطى مشكلة في كيفية إدارة التواصل بين مجموعات مختلفة في الحياة الفعليّة، مع وجود شرائح المجتمع كلها في الحيّز الرقمي نفسه. لذا، يتوقع أن يتزايد الميل مستقبلاً إلى بناء منصات مختصّة، بمعنى التوسّع في ما يبدو حاضراً معلماً محدوداً، على غرار شبكة «لينكدإن» للتواصل المهني.

إذاً، ساهم النشر الموسّع الذي لا يخلو من عشوائيَّة، في سحب البساط من تحت أقدام الإعلام العام التقليدي على أنواعه، بأثر من غياب السلطة التي كانت تمارس في شكل أو آخر على اختيار المحتوى القابل للنشر. وتذكيراً، مال بعض من امتلك تلك السلطة إلى اعتبار أنفسهم «شرطيّو» الثقافة والنشر، خصوصاً في وضع كانت فيه وسائل الإعلام وسيطاً وحيداً لنشر المحتوى بأنواعه كلها. وبصورة أو أخرى، أدّت التقنيات الرقميّة إلى إعطاء فرص إلى من لم يكن لديهم إمكانية النشر كي يعرضوا ما لديهم على من يقدرون على الوصول إليه من جمهور الـ «سوشال ميديا».

محاولة جذب الإعلاميين

يطرح كثيرون من الإعلاميين سؤالاً على أنفسهم وهو «لماذا على الصحافة أن تكون موجودة»؟

ووفق ما أصبح معلوماً، تملك شبكات التواصل الاجتماعي تأثيراً على عمل الصحافي، كونه يبحث عن جمهور القراء أولاً، ويهتم تالياً بالعلاقة مع القارئ أو المشاهد في الصحافة المرئية- المسموعة. يضاف إلى ذلك إمكانية الحصول على المعلومات، واستخدام منصات التواصل في ترويج عروض تسويقية، بمعنى أن المهتم بالإعلان عبر الشبكات الاجتماعية يستخدمها في البحث عن مستخدمين جدد، خصوصاً الشباب.

وأعطت الشبكات الرقمية للجمهور كله كي يعبر عن آرائه بحرية، ربما تكون فائضة أحياناً. ولم تغب المؤسسات الساعية إلى تعزيز حضورها بين الجمهور، عن تلك الصورة، بل أنها تشكل 20 في المئة من الـ «سوشال ميديا»، فيما يمتلك الأفراد المساحة المتبقية. وإذ يشتهر عن الإنسان كونه ميّالاً بطبيعته إلى التواصل مع الآخرين، أعطته شبكات التواصل مساحة إضافية وسهلة ومستمرة، للتواصل التحاوري مع الآخر.

إذاً، تعطي التقنيات أدوات متطوّرة لمن يصنع المحتوى (خصوصاً الإعلام العام) للوصول إلى جمهور واسع في شكل يسير، مع شرط أساسي يتمثل في نسج استراتيجيّة معمقة في ذلك، تتعلق بالكتابة والقراءة وتحديد المحتوى المفيد لكي يبقى القارئ مثابراً في الاتّصال مع وسائط الإعلام العام نفسها. وفي المواقع الإخبارية، هناك بداهة القول أنه كلما بقي القارئ فترة أطول على الموقع، كلما تعزّزت مرجعية ذلك الموقع ووصل في شكل جيد إلى آخرين. إذاً، يتعلّق جزء أساسي من الاستخدام الإعلامي لشبكات التواصل، في بناء محتوى يكون متواجباً بعمق مع ذائقات الجمهور المتنوعة، بل أن ذلك بات ملحوظاً كتوجّه مستقبلي في شبكات كـ «تويتر» و «فايسبوك».

وفي عام 2016، أطلقت منصة «فايسبوك» سلسلة مبادرات هدفت إلى جذب الصحافيين ووسائل الإعلام التقليدية. وتمحورت تلك المبادرات حول نقاط تشمل تطوير الميزات التي تساعد الكُتّاب كي يستفيدوا منها في نشر مقالاتهم وترويج نشاطاتهم.

وفي خطوة تالية، فَعَّلَ «فايسبوك» أدوات لمساعدة الصحافيين في استخدام تلك الشبكة الاجتماعية في صناعة المحتوى الإعلامي. وأخيراً، انخرطتْ تلك المنصة في محاولة كبح نشر المعلومات الكاذبة، وتعزيز انتشار المواد ذات الصدقيّة.