زعماء أوروبا المفقودون: كيف قوّضت النيوليبرالية والأمركة النخب السياسية الأوروبية؟
عروة درويش عروة درويش

زعماء أوروبا المفقودون: كيف قوّضت النيوليبرالية والأمركة النخب السياسية الأوروبية؟

شهدت أوروبا في زمن مضى ظهور رجال دولةٍ أقوياء خرجوا من محارق الحروب، وحركات المقاومة، ودوّامات السياسة الجماهيرية. فبغض النظر عن مدى احترامنا لهؤلاء وتوافقنا مع خطهم السياسي، برزت شخصيات، مثل: شارل ديغول، ووينستون تشرشل من قلب صراعات وجودية، يحمل كلّ منهم رؤية واضحة لما يريدون لدولهم. جمع هؤلاء بين الرؤية الاستراتيجية وحدس الدولة، وتمكنوا من توجيه أوروبا نحو ما يشاؤون في منتصف القرن العشرين.

أما اليوم، فيبدو الطيف السياسي في أوروبا الغربية محكوماً بمزيج من التكنوقراط والمديرين المهنيين. رؤساء الحكومات ورؤساء الدول يُوصَفون غالباً بأنّهم إداريون أكثر منهم قادة أصحاب رؤية، يتنقلون ضمن هوامش ضيّقة من السياسات الجاهزة. ليثور في هذا السياق سؤال ملحّ: لماذا عجزت أوروبا المعاصرة عن إنتاج قيادات من عيار ديغول؟
الجواب المختصر: تحوّلات بنيوية عميقة منذ السبعينيات: صعود الرأسمالية المالية النيوليبرالية، متزامناً مع تراجع سياسات الطبقة العاملة الصناعية، والبيروقراطية المتزايدة للاتحاد الأوروبي، وتآكل السيادة الوطنية، وتعاظم التبعية للولايات المتحدة. غيّرت هذه القوى المشهد السياسي الأوروبي، فأنجبت طبقة من المدراء السياسيين بدل رجال الدولة الحقيقيين، وفرّغت اليسار- وكذلك اليمين التقليدي- من مضامينهما، وأحكمت قبضة الشركات والهيمنة الأمريكية على النخب الأوروبية.
في هذا المقال نحلّل مسار هذه التحوّلات التاريخية، ونفحص نتائجها على موقع أوروبا العالمي، لنختم بالسؤال: هل يمكن أن تنشأ في المستقبل أشكال جديدة من الفعل السياسي- من الحركات العمالية إلى التيارات السيادية- قادرة على صناعة قيادة أوروبية متجددة؟


إنتاج النخب السياسية الأوروبية تاريخياً


كي نفهم تراجع نوعية القيادة الأوروبية، ينبغي أولاً فهم الكيفية التي صيغ بها جيل الزعماء السابقين. فقد استمدّ قادة أوروبا في منتصف القرن العشرين شرعيتهم ورؤيتهم من ظروف تاريخية استثنائية. كثيرون منهم صيغوا في أتون الحرب والمقاومة الوطنية: شارل ديغول قاد «فرنسا الحرة» في الحرب العالمية الثانية، مكتسباً رصيداً لا نظير له، أهّله لقيادة فرنسا في مرحلة ما بعد الحرب. كونراد أديناور أعاد بناء ألمانيا الغربية من أنقاض الهزيمة، وشخصيات، مثل: ألتشيده دي غاسّبري في إيطاليا، أو موريس توريس في فرنسا، صعدت عبر المقاومة أو الحركات العمالية.
صقلت هؤلاء تجارب السياسة الجماهيرية والإيديولوجيات الكبرى- من مقاومة الفاشية إلى الغولية والديمقراطية المسيحية والاشتراكية- وهو ما منحهم عمقاً فكرياً وأفقاً استراتيجياً واضحاً. كانت جذورهم الاجتماعية الراسخة في المجتمع الصناعي- حيث النقابات قوية، والأحزاب الجماهيرية قائمة، والانقسام الطبقي واضح- تعطيهم وزناً وقدرة على حمل مشاريع وطنية كبرى.
لكن مع نهاية القرن العشرين، تآكل هذا النمط من إنتاج النخب. لم يعد الجيل الجديد من السياسيين الأوروبيين صاعداً من ميادين الحرب أو ساحات النضال العمالي، بل خرج من البيروقراطيات و«مراكز الأبحاث» ووزارات المالية. أصبحت السياسة مساراً مهنياً منضبطاً، يُنتج «خبراء سياسات» لا زعماء جماهيريين.
تقلّصت الأحزاب الجماهيرية تقلّصاً حاداً، وتحوّلت- كما تُظهر الدراسات المقارنة- من مؤسسات جماهيرية إلى آلات انتخابية خاوية، تديرها شركات الاستشارات ومديرو الحملات. ومع غياب أتون الصراع الإيديولوجي الشعبي، فقد هؤلاء عمق الرؤية الاستراتيجية الذي ميّز قادة الماضي.
بكلمة موجزة: خطّ الإنتاج التاريخي الذي كان يصنع رجال الدولة- الحركات الشعبية، الصراع الطبقي الصناعي، والحروب الكبرى أيضاً- استُبدل بخطّ إنتاج يصنع التكنوقراط.


تحوّل البنية الطبقية الأوروبية


من منظور الاقتصاد السياسي الماركسي، يكمن أصل الأزمة في التحوّل البنيوي للرأسمالية منذ السبعينيات. كان «العصر الذهبي» للرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية يقوم على الإنتاج الصناعي، والنقابات القوية، والتسوية الاجتماعية بين رأس المال والعمل في إطار دولة الرفاه الأوروبية. وكان ذلك يوفر قادةً قادرين على الموازنة بين المصالح الطبقية للنخب والتعبير عن الطبقة العاملة «والسعي إلى النهب من بقية أنحاء العالم في هذا المسعى».
لكن السبعينيات شهدت- كما يقول ديفيد هارفي وسمير أمين- «ثورة مضادة نيوليبرالية»: انتقال من الرأسمالية الصناعية «الفوردية» إلى الرأسمالية المالية المعولمة. شهدت أوروبا إزالة صناعية واسعة، فيما تضخّم دور المالية والخدمات والشركات المتعددة الجنسية. قوّض هذا التحوّل الأسس الاجتماعية التي كانت تنتج القادة ذوي الرؤية الوطنية المستقلة.
أبرز التحوّلات الطبقية كانت في تراجع الطبقة العاملة الصناعية ونقاباتها. المصانع أغلقت أو انتقلت إلى الخارج، وانخفضت كثافة الانتساب النقابي عبر أوروبا، بينما نما قطاع الخدمات الخاص نمواً هائلاً. ومع ذلك، تعاظمت قوة رأس المال المالي: البنوك، صناديق التحوط، والشركات متعددة الجنسية.
إنّ هذا المسبب هو الأساس في تحوّل السياسيين الأوروبيين إلى مجرّد دمى ترتدي أزياء رسمية، ولهذا هو يستحق منّا أن نوليه ما يستحقه من التحليل المدعوم بالأرقام:
شهدت أوروبا الغربية عملية إزالة تصنيعية عميقة منذ السبعينيات. فقد تراجعت حصة العاملين في قطاع التصنيع «الذي يمثّل جوهر الطبقة العاملة الصناعية التقليدية» بشكل حاد عبر الاقتصادات الكبرى: في دول الاتحاد الأوروبي الـ 15 شكّلت وظائف التصنيع نحو 28% من إجمالي التوظيف عام 1970، لكن هذه الحصة انخفضت إلى حوالي 14% فقط بحلول أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. يمثّل ذلك عملياً «نصفنة» لحصة التصنيع من التوظيف خلال هذه الفترة.
لنتحدث عن بريطانيا: في أوائل السبعينيات، كان نحو ثلث العمال البريطانيين يعملون في التصنيع، وبحلول عام 2016 تراجع قطاع التصنيع وما يرتبط به إلى 15.1% فقط من التوظيف، وانخفض عدد العاملين في التصنيع في بريطانيا من ذروته التي بلغت نحو 13 مليون عامل عام 1979 إلى ما يقارب 6–7 ملايين عامل في السنوات الأخيرة. في الحقيقة، منذ 2012، لم يعد التصنيع يمثّل سوى نحو 10% من الوظائف في بريطانيا، وهو ما يعكس انخفاضاً بمقدار 24 نقطة مئوية مقارنة بالسبعينيات.
أمّا فرنسا، فشهدت أحد أكثر
مسارات التراجع الصناعي حدةً. ففي عام 1980، كان نحو 20% من الوظائف الفرنسية في القطاع الصناعي، ومنذ ذلك الحين فقدت البلاد نحو 2.2 مليون وظيفة صناعية. وبحلول 2018، لم تعد الصناعة تمثّل سوى حوالي 10% من التوظيف في فرنسا، وللمقارنة، كانت حصة التصنيع في فرنسا تقارب 19% عام 1970، ثم هبطت إلى نحو 8–9 % فقط بحلول 2018.
بالنسبة لألمانيا، فقد بقيت أكثر الاقتصادات الصناعية في أوروبا، لكنها مع ذلك شهدت تراجعاً كبيراً في التوظيف الصناعي. ففي عام 1973، كان نحو 40% من الوظائف في ألمانيا الغربية ضمن قطاع التصنيع، وبحلول 2012 انخفضت هذه الحصة إلى حوالي 20% من الوظائف، أي تراجع بنحو 19 نقطة مئوية. اليوم، يعمل حوالي خُمس العمال الألمان في التصنيع فقط. ورغم أنّ القطاع الصناعي يساهم بأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا- وهي نسبة أعلى بكثير من فرنسا التي تبلغ نحو 13% - لكن من حيث التوظيف، فقد انخفضت الحصة تقريباً إلى النصف مقارنة بعام 1970.
هذا التآكل طويل الأمد في حجم الطبقة العاملة الصناعية يعني أنّ المصانع والنشاطات الصناعية الثقيلة، التي كانت توظّف عشرات الملايين من العمّال المنظّمين والذين يتقاضون أجوراً مرتفعة نسبياً، باتت اليوم توظّف عدداً أقل بكثير. وقد قوّضت خسارة هذه الوظائف القاعدة الاجتماعية التقليدية للقادة «ذوي الرؤية الوطنية» المرتبطين بالطبقة العاملة.

---2_result


تراجع النقابات وانفجار قطاع الخدمات


إلى جانب تقلّص التوظيف الصناعي، شهدت عضوية
النقابات العمالية ونفوذها تراجعاً حاداً منذ السبعينيات-وهو عنصر أساسي في تدهور «التنظيمات» التي تمثّل الطبقة العاملة. وبما أنّ النقابات كانت تقليدياً أقوى ما تكون في قطاعات التصنيع والقطاعات العمالية الزرقاء، فقد تُرجمت إزالة التصنيع مباشرة إلى عدد أقل من العمال المنظّمين نقابياً، وإلى انخفاض كثافة الانتساب النقابي.
بلغت عضوية النقابات العمالية ذروتها في بريطانيا عند 13.2 مليون عضو عام 1979، ثم تراجعت بشكل حاد خلال العقود اللاحقة. وبحلول عام 2022، انخفض عدد المنتسبين إلى نحو 6.4 مليون فقط «أي أنّ 23% فقط من العاملين أعضاء في نقابات». وفي فرنسا لطالما كانت معدلات الانتساب النقابي أقلّ نسبياً، لكنها مع ذلك شهدت تراجعاً كبيراً- من نحو 20% من العمّال المنظّمين نقابياً في السبعينيات إلى أقل من 9% اليوم، في ألمانيا الغربية، كانت كثافة الانتساب النقابي تقارب ثلث قوة العمل في السبعينيات والثمانينيات، وبعد إعادة التوحيد، حين انضمّ كثير من العمال في الشرق إلى النقابات، تجاوز عدد المنتسبين 11 مليوناً عام 1991. لكن منذ ذلك الحين، فقدت النقابات الألمانية نحو نصف أعضائها. وبحلول 2010، لم يكن الاتحاد الأكبر (DGB) يضمّ سوى 6.2 مليون عضو، انخفاضاً من 11.8 مليون عام 1991. وهبطت كثافة الانتساب النقابي في ألمانيا إلى 16.5% فقط بحلول 2018.
بينما تراجعت قطاعات التصنيع والصناعات التقليدية الأخرى، توسّع التوظيف في
القطاع الخاص الخدمي توسعاً هائلاً عبر أوروبا الغربية. ففي دول الاتحاد الأوروبي الـ 15، مثّل قطاع الخدمات نحو نصف الوظائف تقريباً عام 1970، وبحلول 2017 ارتفعت هذه الحصة إلى نحو 75% من إجمالي التوظيف، وفي دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، وصلت حصة الخدمات إلى 71.5% من مجموع الوظائف بحلول عام 2011، واستمر هذا الاتجاه التصاعدي في العقدين الأخيرين.
لهذا أصبح السياسيون مقيدين بقوة رأس المال العابر للحدود: أسواق السندات، تقلبات العملات، قواعد المؤسسات المالية الدولية، وشروط البنك المركزي الأوروبي. في هذا السياق، تحوّل القادة الوطنيون إلى «مديري» العولمة.
أشار عالم الاجتماع الماركسي فولفغانغ شتريك إلى أنّ تباطؤ النمو منذ السبعينيات جعل السياسيين غير قادرين على التوفيق بين مطالب الديمقراطية ومتطلبات الأسواق، ما دفع الدول إلى خدمة المستثمرين على حساب المواطنين. وهكذا تلاشت قدرة القادة على صياغة رؤى استراتيجية مستقلة- فأي برنامج جذري يُعاقَب فوراً بهروب رأس المال أو عقوبات أوروبية. وتسامح النظام النيوليبرالي الأوروبي بصورة ممنهجة مع صعود طبقة سياسية تُدرك أنّ نجاحها مرتبط بالتوافق مع الأسواق والمؤسسات، لا مع الشعوب.


النيوليبرالية وموت السياسة


أحد أكثر تجليات التحوّل وضوحاً هو التسطّح الإيديولوجي للسياسة الأوروبية. فقد تراجع دور الطبقة العاملة، وتراجعت معه الإيديولوجيات الكبرى. أدى انهيار المعسكر الشرقي والانتصار العالمي للرأسمالية النيوليبرالية إلى شعور نخب أوروبا بأنّ «نهاية التاريخ» التي تحدّث عنها فرانسيس فوكوياما قد جاءت بالفعل، حيث ساد شعور بأن لا بديل عن الليبرالية الرأسمالية بعد اليوم.
تلاشت الفوارق بين اليسار واليمين في أوروبا الغربية. فالأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية تخلت عن برامجها الجذرية واعتمدت «الطريق الثالث» - مزيج من الكفاءة الإدارية وسياسات السوق. وبدلاً من أن تكون ممثلةً للطبقة العاملة، صارت تستجدي الطبقات الوسطى عبر سياسات اقتصادية ليّنة ومتصالحة مع الرأسمال.
أما اليمين المحافظ، الذي أدرك يوماً أن الصناعة هي عصب قوة أوروبا، فقد تماهى هو الآخر مع النيوليبرالية. وبحلول التسعينيات، كانت الخيارات الجوهرية بين اليسار واليمين متطابقة تقريباً: التجارة الحرة، الاندماج الأوروبي، تحرير الأسواق، وتقليص دور الدولة.
تحوّلت السياسة إلى منافسة بين إداريين، لا بين رؤى اجتماعية متناقضة. وبذلك، بات من المستحيل تقريباً أن يظهر قادة أصحاب مشاريع كبرى، فكلّ من يخرج عن الإجماع النيوليبرالي يُنبذ كـ «غير واقعي».


الأمركة: التبعية البنيوية لأوروبا


إلى جانب العوامل الداخلية، كان النفوذ الأمريكي عاملاً حاسماً في صياغة النخب الأوروبية. فطوال عقود ما بعد الحرب، شكّلت أوروبا الغربية «شريكاً تابعاً» في مشروع الهيمنة الأمريكية. أشار سمير أمين إلى أنّ الاتحاد الأوروبي ليس «مشروعاً أوروبياً» بقدر ما هو «الجناح الأوروبي للمشروع الأطلسي تحت الهيمنة الأمريكية». حيث تتجلى الأمركة في ثلاثة مستويات:
العسكرة عبر الناتو: أوروبا اعتمدت على المظلة الأمنية الأمريكية ولم تطور دفاعاً مستقلاً. ومع تعاظم التوترات العالمية، أصبح الارتهان للناتو عائقاً أمام السيادة الأوروبية.
نمذجة الاقتصاد وفق الليبرالية الأمريكية: تبنت أوروبا سياسات خصخصة، استقلالية للبنوك المركزية، قيوداً مالية شبيهة بوصفات «الإجماع في واشنطن».
هيمنة الشركات والإعلام الأمريكيين: سيطرة «غوغل» و«آبل» و«ميتا»، وسيطرة وكالات التصنيف الأمريكية، ونفوذ الشركات العسكرية الأمريكية، جميعها كرّست اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة.
كل هذا أعاد تشكيل النخب الأوروبية وفق منطق أطلسي لا يجرؤ على تحدّي واشنطن، ما عزّز دور «المدير الدبلوماسي» على حساب رجل الدولة المستقل.
التحوّل البنيوي الآخر كان صعود جهاز إداري أوروبي هائل يقيّد حركة القادة الوطنيين. فقد أصبحت مساحات واسعة من السياسات خاضعة لقواعد فوق وطنية: الانضباط المالي، قوانين التنافسية، استقلالية البنك المركزي الأوروبي، إلخ. هذه البنية تُفضّل نوعاً محدداً من السياسيين: خبير بارع في المفاوضات التقنية، يتقن اللغة البيروقراطية، ويتجنّب المجازفة- أي «مدير سياسي»، لا «قائد تاريخي».
في سردٍ سريع لهذه البيروقراطية القاتلة وآليات عملها:
• القواعد الأوروبية تقيّد أي رؤية جذرية.
• المفوضية الأوروبية تمتلك سلطة تنفيذية وتشريعية واسعة دون انتخاب مباشر.
• البرلمان الأوروبي ضعيف التمثيل والتأثير.
• عملية اتخاذ القرار تتم خلف الأبواب المغلقة بين حكومات ومشرّعين غير منتخبين. في هذه البيئة تُنتج أوروبا «جان كلود يونكر» و«أورسولا فون دير لاين»، لا «شارل ديغول» أو «فيلي برانت».
هل يمكن ظهور قيادة أوروبية جديدة؟
رغم المشهد القاتم، التاريخ لا يسير في خط مستقيم. فالأزمات التي تهزّ أوروبا بدأت تخلق شروطاً جديدة قد تنتج قادة مختلفين، ويمكننا تلمّس ذلك لدى اليسار الأوربي الذي تمكن من إبراز أسماء أشخاص، مثل: ميلانشون وكوربين. بوادر التحوّل تشمل:
• عودة الحركات العمّالية والاجتماعية «إضرابات فرنسا، احتجاجات ضد التقشف».
صعود بدائل يسارية تدعو لسياسات جديدة «ملكية عامة، تحدّي قواعد الاتحاد الأوروبي».
تيارات سيادية تقدّمية تؤمن بسيادة وطنية ديمقراطية دون قومية عنصرية.
انهيار الإيمان بالنيوليبرالية وعودة النقاش حول الدولة الصناعية والسياسات العامة.
حركات إصلاح داخل الاتحاد الأوروبي تدعو لاتحاد ديمقراطي أقوى، ما قد يتيح ظهور قادة على مستوى القارة.
هذه ليست قوى ناضجة تماماً، لكنها بوادر لعصر جديد، قد يصوغ جيلاً من القادة، إذا استطاعت أن تجسّد مشروعاً تاريخياً بديلاً. إنّ التغلب على ضعف القيادة ليس مسألة أشخاص، بل مسألة بنى وشروط. وإذا استطاعت أوروبا أن تغيّر هذه الشروط- بتجديد الديمقراطية، وإعادة بناء القاعدة الاجتماعية للسياسة، والتخفيف من التبعية الخارجية- فإنها قد تنتج من جديد زعماء قادرين على رسم مسار مستقبل القارة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1253