السعودية والصين: حرب مشتركة ضدّ التصحر كنتاجٍ لتطور العلاقات الاستراتيجية
عروة درويش عروة درويش

السعودية والصين: حرب مشتركة ضدّ التصحر كنتاجٍ لتطور العلاقات الاستراتيجية

تواجه السعودية تحدياً ملحاً يتمثل في الصحراء وتدهور البيئة، إذ يُصنَّف نحو 95% من أراضيها كصحراء. تاريخياً، اعتمد نهج المملكة في إدارة الأراضي على الخبرات الغربية، وثروة النفط لتمويل المبادرات البيئية. اليوم، التوجّه الاستراتيجي للعالم، والسعودية جزء من هذا العالم، يميل إلى الشرق، ويرتكز بشكل رئيسي على علاقات متنامية مع الصين، ما أدّى لإدخال أدوات واستراتيجيات جديدة لإعادة تأهيل النظم البيئية السعودية. يبحث هذا المقال في كيفية تمكين الشراكة السعودية–الصينية الشاملة من نقل المعرفة والاستثمار والمبادرات المشتركة لمكافحة التصحر وتعزيز الاستدامة.

وبالاستناد إلى الأدلة الكمية وتحليل السياسات، سنضع التعاون البيئي ضمن إطار «رؤية السعودية 2030» ومبادرة «الحزام والطريق»، مع مقارنته بالمقاربات الغربية السابقة. وتشمل التداعيات: الأمن الغذائي والمائي، وتنويع الطاقة، والدور المتطور للسعودية في دبلوماسية المناخ العالمية. كما يُقيّم التحليل نقدياً الآلية لتكييف النماذج الصينية لإدارة التصحر لتتناسب مع السياقات السعودية، واستدامة هذا التعاون على المدى الطويل.

التصحر عدوّ السعودية

يُعدّ التصحر أحد أشد التحديات البيئية في السعودية، يتفاقم بفعل الرعي الجائر، والتحضّر، وتغيّر المناخ. تكاد كامل المساحة أن تكون قاحلة، مع حرارة شديدة، وهطول سنوي في بعض المناطق لا يتجاوز 50 ملم. وقد دفع النمو السكاني السريع، والممارسات غير المستدامة في استخدام الأراضي، المواردَ المائية والأرضية إلى ما يتجاوز قدرتها الاستيعابية، ما سرّع تدهور الأراضي. ويُقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أنّ بعض دول الخليج تشهد «تصحّراً يقترب من 100%» من الأراضي. في السعودية، وتهدد الصحارى المتوسعة والعواصف الغبارية الأكثر تكراراً، الزراعة والتنوع الحيوي وسبل عيش المجتمعات الريفية. وإدراكاً لهذه المخاطر، رفعت الحكومةُ استعادةَ الأراضي إلى مرتبة الأولوية الوطنية.

في إطار «رؤية 2030»، جعلت السعودية الاستدامةَ البيئية ركناً من أركان استراتيجيتها التنموية. وقد أطلقت «المبادرة السعودية الخضراء» في عام 2021، محدِّدةً أهدافاً طموحة: تحويل 30% من أراضي السعودية إلى محميات طبيعية، وزراعة 10 مليارات شجرة محلياً، واستعادة 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030.

إقليمياً، تهدف «المبادرة الخضراء للشرق الأوسط» إلى زراعة 40 مليار شجرة إضافية في الدول المجاورة. تمثل هذه الأهداف المشتركة – 50 مليار شجرة – نسبة 5% من الهدف العالمي للتشجير، بما يعادل استعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. كما تتبنى السعودية قيادة «المبادرة العالمية للأراضي» ضمن مجموعة العشرين، بدعم من «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» لخفض تدهور الأراضي بنسبة 50% عالمياً بحلول عام 2040.

محلياً، تُنفَّذ السعودية برامج محددة، مثل: إعادة تأهيل 2.4 مليون هكتار من المراعي، عبر الرعي المُدار، وإحياء الغطاء النباتي. وعليه، تجمع الاستجابة السعودية بين أهداف تشجير ضخمة، وممارسات إدارة مستدامة للأراضي، إلى جانب دور قيادي في المنتديات الدولية المعنية باستعادة الأراضي.

تجربة الصين في مكافحة التصحر

خاضت الصين معركتها ضد التصحر، لتغدو نموذجاً لتدخل واسع النطاق أفضى إلى مكاسب قابلة للقياس. بين عامي 2009 و2019، حققت الصين انخفاضاً صافياً قدره 50000 كم² في الأراضي المتصحرة – وهو انقلاب لافت مقارنة بنهاية القرن العشرين، حين كانت الصحارى تتوسع بمعدل 3400 كم² سنوياً. وكان «برنامج الحزام الواقي الشمالي الثلاثي» والمعروف أكثر باسم «السور الأخضر العظيم» محورياً في هذا النجاح. تمّ إطلاقه في 1978 ويمتد حتى 2050، وحتى 2018 كان قد استثمر أكثر من 13.5 مليار دولار في زراعة أحزمة غابات على طول شمال الصين الجاف.

وتُظهر الأرقام الرسمية، أنّ الغطاء الحراجي في الصين ارتفع من 12% من المساحة في أوائل الثمانينيات إلى نحو 22% اليوم «من 115 مليوناً إلى 208 ملايين هكتار»، بمؤازرة زراعة تُقدَّر بنحو 50 مليار شجرة عبر أربعة عقود. والأهم، أنّ هذه الجهود خفّضت بحدة تكرار العواصف الرملية وشدتها. ففي القرى المحمية بالغابات المزروعة حديثاً، انخفضت أحداث العواصف الرملية الشديدة بشكل ملحوظ، ما وفر الحماية للمزارع والمجتمعات. ويمتد هذا «السور الأخضر» قرابة 4500 كم، ليعمل كحاجز رياح يحمي بكين ومناطق مأهولة أخرى من زحف الصحراء.

كما طوّر الباحثون الصينيون حزمةً من تقنيات مكافحة التصحر المبتكرة التي لاقت اهتماماً عالمياً. ومن بين الأساليب التقليدية المُحسَّنة «شبكات القش – حواجز شبكية تُفرش على الرمال لتثبيت الكثبان»، والتي استُخدمت أول مرة قبل 60 عاماً في «نينغشيا»، وتسمح بتكوّن قشرة صلبة فوق الرمال المتحركة. وتقوم معدات حديثة، مثل: آلاتٍ تُدفَع يدوياً، بـ«زرع» هذه المربعات بكفاءة.

تُستخدم أيضاً حلول حيوية هندسية، مثل: رش الكثبان بـ«السيانوبكتيريا» المزروعة مخبرياً لتكوين قشرة حيوية للتربة، بما يقلل التعرية السطحية. وإلى جانب زراعة الشجيرات والأشجار المحلية القادرة على التحمل، تؤكد الصين مفهوم «التحكم الدقيق بالرمال» – أي معايرة كثافة الغطاء النباتي وفق الموارد المائية المتاحة لضمان بقاء الشتلات. وتُظهِر مشاريع بارزة، مثل: استعادة «صحراء كوبوكي» في منغوليا الداخلية، والغابة الاصطناعية الواسعة في «سايهانبا» أنّه حتى الأراضي المتدهورة بشدة قابلة للإحياء.

وكما أشار الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» إبراهيم ثياو، فإنّ «الصين متقدمة للغاية في استعادة الأراضي في العديد من الصحارى»، وقد حققت «صِفراً صافياً» في تدهور الأراضي وطنياً، عبر عقود من الجهد. وتشكّل هذه التجارب– بما فيها النجاحات والدروس المستفادة من العثرات المبكرة– قاعدة معرفية تسعى السعودية اليوم إلى الإفادة منها.

العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والصين​ تمكّن المستحيل

يوفر تعمّق العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والصين الإطارَين السياسي والاقتصادي اللذين أتاحا ازدهار التعاون البيئي. فعلى مدى العقد الماضي، أصبحت الصينُ أكبرَ شريك تجاري للسعودية ومستثمراً رئيسياً، إذْ جرت مواءمة «الحزام والطريق» مع أولويات «رؤية 2030». وقفزت التجارة الثنائية من 417 مليون دولار فقط في 1990 إلى 105 مليارات دولار في 2022، ما يعكس اتساع الروابط إلى ما وراء النفط.

وفي 2016، رُقيت العلاقات إلى «شراكة استراتيجية شاملة»، ومنذ ذلك الحين وُقِّعت عشرات الاتفاقيات التي تشمل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا وغيرها. وقد أوجد هذا الأساس المتين من المصالح الاقتصادية المتبادلة والدبلوماسية رفيعة المستوى «حيزاً» لإدراج القضايا البيئية على جدول الأعمال.

تشمل أعمال «الحزام والطريق» صراحةً التعاونَ في التنمية الخضراء. وقد سارعت الصين إلى تأييد «رؤية 2030» مع إطلاقها في 2016، مُؤطرّةً مشاريع «الحزام والطريق» في السعودية على أنها مُتسقة مع أهداف المملكة في التنويع والاستدامة. ومن خلال لجنة مشتركة رفيعة المستوى ولجان فرعية، نسّقت الدولتان مبادرات في قطاعات رئيسية– تقليدياً النفط والبنية التحتية، وأيضاً على نحو متزايد المياه والزراعة والطاقة المتجددة.

وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها الملك سلمان إلى بكين في 2017، وقّعت السعودية والصين صفقات بقيمة 65 مليار دولار، شملت التعاون في الطاقة وعلوم الفضاء والتكنولوجيا، ما مهد الطريق لاحقاً لنقل التكنولوجيا البيئية. وبحلول 2022، وضعت الدولتان خططاً لـ«تعميق التآزر» بين «الحزام والطريق» و«رؤية 2030» عبر ميادين التنمية المستدامة. ونتيجة لذلك، استهدفت الاستثمارات الصينية في البنية التحتية السعودية منذ 2016 أولويات «رؤية 2030» بشكل كبير– بما يُقدَّر بـ 31 مليار دولار، صُبَّت في مشاريع قطاعات الطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم. وقد أرسل هذا التوافق الاستراتيجي- على أعلى مستوى للتعاون- إشارةً داعمةً في التحديات البيئية ضمن سردية «ربح–ربح».

على سبيل المثال: عند المشاركة في «منتدى الأعمال السعودي–الصيني» في بكين في أيار 2025، تم توقيع 57 اتفاقية تعاون، شملت قطاعات الزراعة والمياه والبيئة. تعكس هذه المنتديات الرفيعة كيف توسعت الشراكة الشاملة لتشمل مبادرات التنمية الخضراء، لترفع من مستوى أهم الصادرات والواردات بين السعودية والصين​ عبر الدمج البيئي.

1247_h_15

سارت المساندة الدبلوماسية جنباً إلى جنب مع اتفاقات رسمية للتعاون البيئي. ففي كانون الأول 2023، خوّل مجلس الوزراء السعودي وزارةَ البيئة التفاوضَ على مذكرة تفاهم تخص مكافحة التصحر مع الصين. وأفضى ذلك إلى مذكرة تفاهم بارزة وُقِّعت في أوائل 2025 بين «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية و«معهد غانسو لبحوث مكافحة التصحر» في الصين.

تُنشئ المذكرة إطاراً للبحث المشترك، وتبادل أفضل الممارسات في استصلاح الأراضي وتنمية الغطاء النباتي. ولتعزيز ذلك، قام مسؤولون سعوديون– بقيادة وزير البيئة والمياه والزراعة– بزيارات رفيعة لمواقع مشاريع مكافحة التصحر في الصين خلال 2025. ووفقاً لكبير التنفيذيين في «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي» خالد عبد القادر، شملت الجولة لقاءات مع شركات صينية كبرى في الهندسة البيئية، وزيارات لـ«تجارب رائدة في استصلاح الأراضي» للاطلاع مباشرة على تقنيات الصين.

تُوّجت هذه اللقاءات باتفاقات لإطلاق مشاريع استثمارية مشتركة في السعودية تركز على إدارة الموارد الطبيعية، وتأهيل المراعي، وحتى تطوير حدائق للسياحة البيئية الصحراوية. وهكذا تُرجِمَت الإرادة السياسية لدى الحكومتين– ومعها القوة المالية الناجمة عن الصفقات التجارية– إلى مسارات عملية للتعاون البيئي.

التعاون السعودي الصيني لمكافحة التصحر

تُظهر المشاريع الملموسة المنبثقة عن الشراكة السعودية–الصينية كيف يتم نشر أدوات واستراتيجيات جديدة ضد التصحر. ويبرز «نقل التكنولوجيا» بوصفه محوراً رئيسياً. وقد شدّد المسؤولون السعوديون على هدف «توطين تقنيات التشجير الصينية وأساليب مكافحة التصحر» بما يلائم بيئة المملكة.

في إطار مذكرة «المركز الوطني–معهد غانسو»، يتشارك الخبراء الصينيون تقنيات، مثل: التشجير والريّ بالتنقيط، وإدارة رطوبة التربة، واستخدام الأنواع النباتية المقاومة للجفاف، التي أثبتت نجاحاً في شمال غرب الصين. ومن الأساليب الصينية المُحتفى بها والمطروحة للتطبيق في السعودية «شبكة القش» لتثبيت الرمال. فمن خلال فرش القشّ في نمط شبكي فوق الكثبان المتحركة،

تُسهم هذه الطريقة سريعاً في تكوين قشرة تُعيق زحف الرمال.

ويدرس مهندسون سعوديون وصينيون كيفية تكييفها مع «الربع الخالي» وسواحل رملية عالية الحركة أخرى. وبالمثل، تُعدّ الابتكارات الصينية- مثل رش: السيانوبكتيريا لتكوين قشور حيوية للتربة وطائرات الدرون ذات التوزيع المُوجَّه بالذكاء الاصطناعي- واعدةً في توفير اليد العاملة، وتسريع جهود التشجير الضخمة في المملكة. ومن المرجح أن يتمّ اختبار أدوات تجريبية في صحارى الشمال، لتقيس مدى قدرة هذه المقاربات الحيوية، والميكنة، على تسريع إعادة الغطاء النباتي إلى الأراضي المتدهورة.

وإلى جانب المعرفة التقنية، تستهدف استثماراتٌ مشتركةٌ مهمةٌ تقاطعَ البيئة والزراعة والمياه، وهي مفاتيح مكافحة تدهور الأراضي. خلال «منتدى الأعمال السعودي–الصيني» في بكين في أيار 2025، وقّع الجانبان 57 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية بلغت 14 مليار ريال. واصطفت هذه الصفقات، المتسقة صراحة مع «رؤية 2030» و«الحزام والطريق»، حول مجالات الزراعة والمياه والبيئة والأمن الغذائي.

من المبادرات المحورية، خطةٌ لتطوير «مدينة أمن غذائي ذكية» في السعودية، وهي منطقة زراعية عالية التقنية، تضم مختبرات أبحاث ومزارع مائية رأسية، ومراكز لوجستية لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي. ويُسهم شركاء صينيون بخبرة في الزراعة المُتحكَّم ببيئتها، مثل: البيوت الزجاجية والزراعة العمودية المزدهرة، حتى في الأقاليم الجافة. كما يشمل مشروعٌ آخر التعاونَ في زراعة الطحالب البحرية على ساحل البحر الأحمر، بالاستفادة من تقنيات صينية في استزراع الأعشاب البحرية لإنتاج الوقود الحيوي والأعلاف مع حبس الكربون.

في الواقع، تُعدّ إدارة الموارد المائية محوراً حرجاً: فقد جرى الاتفاق على تطبيق تقنيات متقدمة لإعادة استخدام المياه ومعالجة مياه الصرف «بعضها يعتمد المراقبة والتحكم السحابي» لزيادة قدرة السعودية على إعادة الاستخدام. ومن خلال تحسين كفاءة المياه، تستطيع المملكة دعم نمو الغطاء النباتي ضمن مواردها المحدودة، وهو شرط مُسبَق لاستعادة الأراضي على نطاق واسع.

تتناول عدةُ مشاريعٍ استصلاحَ الأراضي والتنوعَ الحيوي. فعلى سبيل المثال: تستشير السعودية شركات تصميم بيئي صينية في تطوير المنتزهات الوطنية والأراضي الرطبة، مع مراعاة السياحة المستدامة في المناظر الصحراوية. كما يستكشف الطرفان استزراعَ أشجار القرم «المانغروف» على السواحل السعودية– وهي حيوية لحماية الشواطئ وخزانات للكربون– بالاستفادة من خبرة الصين في استعادة المانغروف على نطاق واسع.

وحتى مكافحة الأنواع النباتية الغازية أصبحت مجالاً للتعاون: إذ تبحث مذكرة تفاهم موقعة في تحويل شجيرات صحراوية غازية إلى منتجات قابلة للتسويق «مثل قوالب الكتلة الحيوية أو النشارة العضوية لتحفيز إزالتها وخلق وظائف خضراء».

انعطافٌ أوسع شرقاً

يجري تبنّي السعودية للمساندة الصينية في المجال البيئي بالتوازي مع انعطاف أوسع شرقاً، اقتصادياً وجيوسياسياً. وتشجّع «رؤية 2030» صراحةً تنويعَ الشراكات، وتعدّ الصين محوراً في التجارة والاستثمار، والآن في التعاون على الاستدامة. ويمثل ذلك تحوّلاً عن اعتماد تاريخي على خبرات وشركات غربية: أمريكية وأوروبية في المشاريع التنموية.

في المجال البيئي، شمل الدور الغربي تقديم الاستشارات في تحلية المياه، والمشورة في حماية الحياة البرية، وبيع تقنيات الري. غير أنّ هذا الدعم غالباً ما جاء بكلفٍ مرتفعة وأحياناً مشروطاً «مثلاً، ربطه بتوقعات سياسات مناخية أو معايير عمل». علاوة على ذلك، ضغطت دولٌ غربية على السعودية في المفاوضات المناخية العالمية لاتخاذ إجراءات أقوى في خفض انبعاثات الوقود الأحفوري، وهو موضع شديد الحساسية نظراً لأن اقتصاد المملكة قائم على النفط.

بالمقابل، قدّمت الصين تعاوناً مؤطراً بلغة التنمية المتبادلة واحترام السيادة، مُتجنِّبةً سياسات المناخ الخلافية. ونتيجةً لذلك، وجد القادة السعوديون مساحةً مريحةً لمتابعة مشاريع بيئية مع الصين، دون الشعور بأنهم يُعرّضون مصالحهم النفطية الأساسية للخطر، أو يُحاكَمون على الانبعاثات. وقد تجنّب «التوافق» الاستراتيجي بين «الحزام والطريق» و«رؤية 2030» نقاطَ الاحتكاك السياسي عمداً، مفضلاً إبراز التنمية المستدامة بوصفها هدفاً مشتركاً.

من منظورٍ عملي، فإن اللجوء إلى الصين لحلول التصحر يحمل جاذبيةً إضافية: إذ تتلاءم خبرة الصين مع احتياجات السعودية أكثر مما تفعل الخبرات الغربية في الغالب. فالنماذج البيئية الأوروبية أو الأمريكية الشمالية تتعامل كثيراً مع نُظم معتدلة، وتركز على مكافحة التلوث أو إدارة الحياة البرية. أما خبرة الصين فمتجذرة في إدارة الأراضي القاحلة وشبه القاحلة على نطاقات هائلة، وهو تحدّي السعودية تحديداً.

من خلال استلهام المعرفة التي صيغت في «صحراء جوبي» و«تكلا مكان» في الصين، تحصل السعودية على «مجموعة مهارات» أكثر صلة «مثل كيفية إنبات الأشجار في الرمال، وكيفية تعبئة ملايين الناس لحملات الزرع، وكيفية دمج استعادة الأراضي مع خفض الفقر». ويلاقي هذا التبادل المعرفي رغبةَ السعودية في قيادة دولٍ نامية في التكيّف المناخي، بدلاً من اتباع «وصفات» غربية.

مع ذلك، لا يعني الانعطاف شرقاً غياب الغرب كلياً عن الجهود البيئية السعودية. فما زالت شركات غربية تتنافس على مشاريع الطاقة المتجددة والاستشارات البيئية، كما تبقى السعودية منخرطة في برامج أممية بيئية «غالباً ما يقودها خبراء من الغرب». لكنّ التعاون البيئي بين البلدين هو جزء من كتلة أكبر من التبادل المتنامي بين السعودية والصين​، وهو أمر يحقق أهداف السعودية والصين​ معاً لتكون المعادلة: ربح ربح.

لهذا فإنّ حجم ودور الصين غير مسبوقين. وتؤكد مبادرات لافتة، مثل: مذكرة التفاهم السعودية–الصينية للتشجير، وصفقات الاستثمار الخضراء بمليارات الدولارات، إعادةَ توازن في خريطة الشركاء الرئيسيين لدى المملكة. ولهذا التحول تبعات جيوسياسية: إذ إن التعاون مع الصين في قضايا البيئة يوسّع عملياً التحالف المعني بالعمل المناخي خارج الإطار التقليدي الذي تقوده الدول الغربية. ويضع المملكة جسراً بين أكبر مُصدِرٍ في الدول النامية من حيث الانبعاثات «الصين» والعالم العربي الغني بالموارد في التصدي لتدهور الأراضي، وهو شأنٌ محوري للتكيّف المناخي.

وفي محافل مثل «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، يمكن للسعودية والصين تقديم جبهةٍ موحّدة تدعو لمزيد من الموارد لاستعادة الأراضي، وتقاسم التكنولوجيا، وتمويل الدول الجافة– وصوغ الأجندة بما يعكس رؤى التنمية الشاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247
آخر تعديل على الأحد, 12 تشرين1/أكتوير 2025 21:25