تجميد إنفاقات USAID يَشلُّ ذراعاً هامّة للإمبريالية الأمريكية وهيمنتها
باتت الإشارات على تراجع الإمبريالية الأمريكية كثيرة، بحيث لا يمكن إحصاؤها في مقالٍ واحد لتنوعها. لكنّ آخرَها كان تجميد جميع إنفاقات «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID» التي تقدَّر بنحو 68 مليار دولار سنوياً، لمراجعة اتساقها مع أهداف «أمريكا أولاً». إنّ USAID لم تكن وكالةً عادية، بل هي إحدى الأذرع الهامّة للإمبريالية الأمريكية منذ إنشائها في ستينيّات القرن الماضي. وعلى هذا فإنّ تجميد وفلترة التمويل الذي تعطيه يعني شلَّ هذه الذراع الهامّة، تبعاً لضرورات التقشف في الإنفاق الأمريكي على إدامة الهيمنة، واستكمال هندسة التراجع الذي كان ترامب حتّى الآن هو رمزه الطّافي على السطح. سنمرّ تالياً على مدى أهمية USAID للهيمنة الإمبريالية الأمريكية، لنستدلّ على ما يعنيه تجميد إنفاقها ومراجعته.
الإمبريالية الناعمة!
لطالما تمّت الإشارة إلى الأموال التنموية التي تدفعها الولايات المتحدة حول العالم بأنّها «الجَزَرة» التي تترافق مع العصا العسكرية. فإلى جانب الأشكال الظاهرة للهيمنة: التدخلات العسكرية، والاستحواذ على الأراضي، والتدخلات السياسية المباشرة - قامت القوى الغربية منذ وقت طويل بتطوير أشكالٍ موازية من التدخل والسيطرة. على مدار العقود القليلة الماضية، تم تحسين وتطوير هذه الأدوات الأكثر نعومة للهيمنة، مما أدى أحياناً إلى استبدال جزئي للأشكال القديمة.
تاريخياً، شملت هذه السياسات: الترويج للإيديولوجيا والثقافة الأمريكية من خلال «البعثات التبشيرية» أو أفلام هوليود (أبسط أشكال الإمبريالية الناعمة)، وإخضاع الحكومات، من خلال التمويل السرّي الأحزاب السياسيّة المعارضة أو المرشَّحين الرئاسيّين، واستخدام العقوبات الاقتصادية. كما شهد العالم اعتماداً متزايداً على برامج المساعدات التنموية، وهو الاتجاه الذي يمكن تتبُّعه إلى ظهور مبادرات المساعدات متعدّدة الأطراف التي قادها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في منتصف القرن العشرين. وقد استخدمت هذه المنظمات والمبادرات لاحقاً لإجبار دول الجنوب العالمي على تبنّي السياسات النيوليبرالية، مما عزز اعتمادها على الولايات المتحدة وأوروبا.
مكّن هذا الشكل من الإمبريالية بروزَ ما يُسمّيه البعضُ -كنوعٍ من تخفيف وقعه- «المجتمع المدني»، ويشمل المنظمات غير الحكومية NGOs والمنظمات المجتمعية CSOs في المناطق المُهمَّشة. من بين هذه المنظَّمات تلك التي تهتم بالفقر وعدم المساواة، وحقوق الإنسان. وربّما الأكثر رواجاً وتمويلاً اليوم: التي تهتم بالبيئة والقضايا الجَندريّة (الجندريّة أو «النوع الاجتماعي»: تشير إلى التصوّرات الاجتماعية والثقافية عمّا يُعَدُّ «ملائماً» من توزيع أدوار وسلوكيات للنساء والرجال). يتزامن تمويل وتدخل هذه المنظمات عادةً مع السياسات النيوليبرالية، بل وشَرْعَنَتِها في الكثير من الأحيان.
كان العامل الأساسي في انتشار هذه المنظَّمات هو الدّعم المالي الأمريكي والأوروبي وكذلك البنك الدولي، ولكن الدعم الأبرز كان يأتي من USAID، والتي لعبت الدور الأكثر حسماً في اختبار «نهج القوة المدنية» في السياسة الأمريكية الخارجية منذ أواخر التسعينيّات على الأقل.
إنّ هذه البرامج التنموية والمساعدات الإنسانية الغربية ليست فقط غير قادرة أساساً على معالجة الأزمات الاجتماعية والبيئية الحادة، بل كانت أيضاً أدواتٍ لتعزيز الهياكل التي خلقت هذه المشكلات في المقام الأوّل. فبعد ما يقارب القرن من هذا النموذج التدخُّلي، لا تزال قائمةً الظروفُ التاريخية للفقر، وعدم المساواة، والاستغلال، والاضطهاد، حتى مع فتح أسواق جديدة بالقوّة.
كمثال، أظهر جيمس بتراش في بحثه الموسع حول هذا الموضوع أنّ نموَّ المنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي قد تزامن مع عملية «الكوندور»، وهي حملة رعب ضد القادة والحركات اليسارية، بهدف تنصيب الأنظمة المدعومة من الولايات المتّحدة بدءاً من السبعينيّات. من خلال التخفيف السطحي لبعض التداعيات الأكثر وضوحاً من تنصيب الأنظمة القمعية والسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اعتمدتها هذه الأنظمة فوراً، لعبت هذه المنظمات المجتمعية الدور المكمّل في تحييد الحركات السياسية والاجتماعية الجذرية، مضعفةُ إيّاها وقيادتها بالموارد الضخمة المتاحة لها.
كما أنّ USAID كانت ترسم الخطّ العام الذي تسير عليه الوكالات الأخرى، سواء أوروبية أو أمريكية. مثال ذلك ضخّها مئات الملايين من الدولارات في هايتي لمبادرات المنظمات غير الحكومية وبرامج «الديمقراطية» التي تقودها الحكومة الموالية للأمريكيّين، أو تمويلها مشاريع التنمية الصغيرة في المناطق الريفية في باراغواي لثني الفلاحين عن دعم الجماعات المتمردة، أو تصدّيها للحركة الاشتراكية التي تنامت بسرعة في بوليفيا من خلال «حملة بناء الديمقراطية» التي بلغت قيمتها عدة ملايين من الدولارات.
دعم الدكتاتوريات والمخابرات
إنّ النجاح الكاسح للمنظمات التي تتلقّى التمويل من USAID وغيرها من المنظَّمات الحكومية، يكمن في تسويق هذه المنظمات لنفسها بأنّها خارج السياق السياسي والجيوستراتيجي. لكن اليوم وبعد قرار ترامب التي يجب علينا أنْ ننتظر مفاعيلها، وبقية قرارات الانسحاب من المؤسسات العالمية، يبدو أن واشنطن اليوم مُجبَرة على اختيار ترك الفوضى وراءها كوسيلةٍ لمواجهة الانهيار الحتميّ للهيمنة التي أصبحت أكثر تكلفة، بينما لا يزال الأوروبيّون عالقين في السفينة الغارقة. تبدو كلمات ترامب أكثر صدقاً اليوم عندما وصف برامج USAID: «تساهم في زعزعة استقرار السلام العالمي من خلال الترويج في البلدان الأجنبية لأفكار تتعارض بشكل مباشر مع العلاقات المتناغمة والمستقرّة بين البلدان».
يبدو هكذا تصريح غريباً إذا لم نُسلِّمْ بتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها العالَمية، فقد كانت إحدى مهام USAID أن تدعم الأنظمة المتوافقة مع المصالح الأمريكية، ممّا أتاح تحويل أموال ضخمة لتقوية الديكتاتوريات العسكرية في عدة دول، مثل باكستان وتايوان. في الستينيّات، كانت أفغانستان واحدة من أعلى الدول من حيث تلقّي المساعدات الأجنبية للفرد. ومع ذلك، بحلول أواخر الثمانينيّات، أصبحت بيشاور – التي كانت حينها مركز «الجهاد» المموَّل من الولايات المتحدة في باكستان – موطناً لأكبر عدد من المنظمات غير الحكومية العابرة للحدود، بكثافة أعلى من أيّ مكان آخر في العالم. كان ذلك مثالاً نموذجياً للتحوّل الذي يُوصَف غالباً بأنه «من الإمبراطوريات إلى المنظَّمات غير الحكومية».
يمكننا أخذُ مثالٍ آخَر هو تشيلي في السبعينيّات، عندما أطاح انقلابٌ عسكري ديكتاتوريّ بالحكومة الاشتراكية المنتخَبة من الشعب. في حينه كانت الجهات المانحة الغربية تضخ الأموال في المنظمات غير الحكومية المحلّية، تلك التي تدافع في الظاهر عن حقوق الإنسان والإغاثة الاجتماعية، بينما تحت السطح تمهّد الطريقَ لفرض السياسات النيوليبرالية، وكذلك تقديم الأسس المادية والإيديولوجية لقمع المعارضة.
كما أنّ USAID كانت، وبشكل فاقع في الكثير من الأحيان، أداةً لتمويل النشاطات الاستخباراتية الأمريكية. وقبل أن يتمّ تأسيس وكالة التنمية USAID في 1961، كانت برامج المساعدات الأمريكية الأجنبية تهدف - تحت إدارة الرئيس هاري ترومان - إلى تقليص الفقر من أجل خلق أسواق استهلاكية ونشر الرأسمالية، وهي خطوة كانت موجَّهة بشكل مباشر لمقاومة الاشتراكية والشيوعية.
لم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن تلاحظ وكالة الاستخبارات المركزية CIA الفرصةَ لتوسيع نطاق نفوذها. في عام 1962، أطلقت USAID «مكتب السلامة العامة OPS» لإرسال عملاء حول العالم تحت غطاء «تدريب ضباط الشرطة». لكن كما تبين، كانت الفرق التي تقوم بالتدريب مشغولة بتعليم «تقنيات الاستجواب المحسَّنة» – وهو تعبير ملطَّف للتّعذيب. وقد تفجّرت الفضيحة في عام 1966، ليضطّر الكونغرس إلى إغلاق المكتب في عام 1974. بالرغم من ذلك استمرت الممارسات المظلمة ضمن دوائر الجيش والاستخبارات.
بالمثل، خلال الفترة ذاتها، كما تكشف أبحاث المؤرخ برادلي سيمبسون عن المساعدات العسكرية والتنموية الأمريكية في إندونيسيا في الستينيّات، كانت المساعدات التنموية والعسكرية ومكافحة التمرّد غالباً ما «تتداخل» بعضها مع بعض. كانت USAID تنسّق وتجمع جهود وزارة الخارجية والمخابرات المركزية ورجال الأعمال، لدعم حملة الدكتاتورية العسكرية لسوهارتو ضدّ الشيوعيين ولأجل الإطاحة بسوكارنو. يلاحظ سيمبسون أن المساعدات لتدريب الشرطة المحلية والمشاريع الريفية التي قادتها القوات العسكرية «تتلاعب بالحدود بين مكافحة التمرد والعمل المدني… بالتعاون مع USAID والمخابرات المركزية الأمريكية».
الشقيقة الصغرى
سرعان ما بدأت الولايات المتحدة مشروعاً طموحاً، لا أخلاقياً بالتأكيد: التحكم في النمو السكاني على مستوى العالم. أسست USAID مكتباً خاصاً بالسكان «PRH»، حيث أصبح واضحاً أن الدول الفقيرة لن تحصل على المساعدات إلا إذا أنشأت برامج للحدّ من النمو السكاني. وقد أدّى ذلك إلى إنشاء شبكة عالمية تروِّج للتعقيم الجماعي والإجهاض.
كانت العواقب قاسية. في عام 1993، أسفرت موافقة USAID على المشاركة في النظام الصحي الوطني في دولة البيرو إلى تعقيمٍ قسري لنحو 300,000 امرأة من السكان الأصليين، وهي سياسة انتهت في عام 1998 وتركَت آثاراً عميقة ودائمة في المجتمعات الريفية.
في عام 1980، كان جون غيليغان، مدير USAID، صريحاً بما يكفي ليصف الوكالة بأنها ليست إلّا «مدرسة تُخرّج العملاء في وكالة الاستخبارات المركزية». قال: «في مرحلة ما، كانت العديد من مكاتب المساعدات في الميدان مليئة من الأعلى إلى الأسفل بعناصر من وكالة الاستخبارات المركزية. وكان من المعروف بشكل جيد في الوكالة من هم وما الذي يفعلونه... كانت الفكرة هي زرع عملاء في كل نوع من الأنشطة التي نقوم بها في الخارج، سواء كانت حكومية أو تطوعية أو دينية». كما وصفها الأب جورج كوتير، وهو قِسٌّ تعاونَ مع USAID في عدة مناسبات، بأنّها «شقيقة صغيرة لوكالة الاستخبارات المركزية».
في التسعينيّات، أعلنت USAID عن أنّها ستساعد في إدارة انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق، حيث تم تحويل الأموال عبر معهد هارفارد للتنمية الدولية. وفي عام 2005، كانت USAID مشغولةً بتمويل ندوات «الديمقراطية» في البرازيل - وهي استراتيجية مماثلة لتلك التي استخدمها «صندوق دعم الديمقراطيات NED» في هونغ كونغ. لكن بينما تمكّن البرازيليون في النهاية من الردّ وطرد التدخل الأجنبي، كانت منطقة هونغ كونغ أقلّ وعياً سياسياً، لتدفع ثمنَ ذلك في السنوات التالية.
التلاعب بالفكر
تلعب مراكز الأبحاث Think Tanks دوراً مهماً في التأثير على السياسة العامة والرأي العام وقولبتِه، ناهيك عن تشكيل السياسة العامة أمام صانعي السياسات. لكنّ تجميد تمويل USAID أثار مسألةَ مدى اعتمادِ هذه المراكز على الأموال التي يتمّ إنفاقها عليها، ومدى تأثير هذه الأموال على آرائها. تكشف «قاعدة البيانات المفتوحة»، وهي الأولى من نوعها في العالم، تدفقات الأموال من الحكومة الأمريكية وغيرها من الحكومات الأجنبية، وكذلك مقاولي الدفاع الأمريكيين، إلى أهم 50 مركزاً بحثياً أمريكياً خلال السنوات الخمس الماضية. وكان جزء من هذه الأموال يتدفّق إمّا بالتعاون مع USAID، أو بأساليب أسستها الوكالة لدعم المشاريع الأخرى. الأمر الذي لم يكشف بعد هو مراكز الأبحاث غير الأمريكية التي تتلقى التمويل من USAID، وكذلك ما هي مراكز الأبحاث الرئيسية الموصوفة بأنها مراكز أبحاث فرعية. ويبدو أن تجميد أموال الوكالة الأمريكية سيلعب دوراً هاماً في كشف هذه المراكز. من هنا لا بدّ أن نشرح قليلاً آلية تمويل مراكز الأبحاث الأمريكية لنفهم الطريقة التي تُدار بها الشبكة.
منذ عام 2019، كانت المراكز التي تلقت أكبر تمويلات من الحكومات الأجنبية هي: مجلس الأطلسي «20.8 مليون دولار»، ومؤسسة بروكينغز «17.1 مليون دولار»، ومؤسسة مارشال الألمانية «16.1 مليون دولار». في الفترة ذاتها، قدمت 100 شركة دفاعية رئيسية أكثر من 34.7 مليون دولار أمريكي لدعم أكبر 50 مركزاً بحثياً، وكان المانحون الأكبر يشملون شركات نورثروب غرومان، ولوكهيد مارتن، ومجموعة ميتسوبيشي. تلقت مراكز الأبحاث مثل مجلس الأطلسي، ومركز الأمن الأمريكي الجديد، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الدعم الأكبر من هذه الشركات، حيث حصلت على تمويلات تقدر بـ 10.2 مليون دولار، 6.6 مليون دولار، و4.1 مليون دولار على التوالي.
منذ عام 2019، قدمت الحكومة الأمريكية مباشرةً نحو 1.49 مليار دولار أمريكي لمراكز الأبحاث الأمريكية، ومع ذلك، فإن معظم هذه الأموال ذهبت إلى مركز «راند» الذي يخدم الحكومة الأمريكية بشكل مباشر. على الرغم من أن الدور الأساسي لمراكز الأبحاث هو إنتاج تحليلات مستقلة، إلا أن وجود تمويلات من مصالح خاصة يثير مخاوف عميقة بشأن حرية الأكاديميين، والرقابة الذاتية، وتصفية الآراء في هذه المراكز. والأكثر تعقيداً هو وجود باحثين يعملون في الوقت ذاته مع مراكز الأبحاث والحكومات أو الشركات الأجنبية، مما يشكل تضارباً محتملاً في المصالح.
تشير الأدلة المتزايدة إلى أن التمويل غالباً ما يأتي مع شروط تؤدي إلى الرقابة على البحث، وتصفيته، وفي بعض الحالات قد يصل الأمر إلى التوصل إلى اتفاقيات بحث مدفوع الأجر مع المموّلين. وغالباً ما يكون المموّلون على دراية بهذه الفوائد المحتملة. كما أشار تقرير داخلي لحكومة أجنبية إلى أن: «تمويل مراكز البحث الهامة يعد وسيلة للحصول على النفوذ، وبعض مراكز الأبحاث الأمريكية تقول علناً أنها تخدم فقط الحكومات الأجنبية التي تقدم التمويل».
على الرغم من ذلك، غالباً ما يتجاهل الصحفيون وصناع السياسات الذين يقتبسون عن هذه المراكز، وحتى مراكز الأبحاث نفسها، هذه المخاوف العامة. فعندما يلتقي الصحفيون مع خبراء مراكز الأبحاث، نادراً ما يتم طرح أسئلة حول تضارب المصالح المحتمل. بالمثل، نادراً ما يكشف ممثلو مراكز الأبحاث عن تضارب مصالح محتمل بشأن مصادر التمويل عندما يدلون بشهاداتهم في الكونغرس، ممّا يؤدي إلى نقص المعلومات الخلفية لدى العامّة، ما يجعل المعلومات المتعلقة بالتمويل نادرة للغاية.
من 2019 إلى 2023، قدمت الحكومة الأمريكية تمويلات لمراكز الأبحاث الأمريكية بمبلغ لا يقل عن 1.49 مليار دولار. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية هي أكبر مانح، حيث تم تخصيص الجزء الأكبر من هذه الأموال لمؤسسة «راند RAND» والتي تلقت أكثر من 1.4 مليار دولار. وتعد مؤسسة «راند» متميزة بين هذه المراكز لأنها تعمل مباشرة لصالح الحكومة الأمريكية، وتدير العديد من مراكز البحث الفرعية التي تمولها الحكومة الفيدرالية.
بجانب «راند»، تلقّى نحو 40% من مراكز البحث تمويلات من الحكومة الأمريكية، عادة من وكالات الأمن القومي. وتشمل المستفيدين الرئيسيين من هذه التمويلات «ستينسون Stimson Center»، «مجلس الأطلسي Atlantic Council»، و«معهد آسبن Aspen Institute».
وثّق المؤرخ «ستيفن ويرثيم» في كتابه «عالم الغد» أنّ «مجلس العلاقات الخارجية» قد لعب دوراً رئيسياً في التخطيط للنظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة، بينما ساعدت «مؤسسة بروكينغز» في تصميم «خطة مارشال». وفي وقت لاحق، اعتمد وزير الدفاع روبرت ماكنمارا أثناء حرب فيتنام على بيانات من راند وفريق «العباقرة» الذي كان يضمها لتقديم التحليلات المنطقية والاستراتيجيات. لعقود، كانت هذه هي الطريقة التي تعمل بها معظم مراكز التفكير الأمريكية.
لكن الوضع قد تغير بشكل كبير اليوم. منذ السبعينيات والثمانينيات، شهدت مراكز الأبحاث زيادة حادة في العدد، وأصبحت أكثر تأثراً بالسياسة، وتحولت مصادر التمويل إلى مصادر قصيرة الأجل. اليوم، تهيمن بعض المصالح الخاصة على قوائم مانحي مراكز الأبحاث، حيث تصرح العديد من هذه المراكز علناً بأن الحكومات الأجنبية والشركات الخاصة يمكنها الحصول على تأثير كبير من خلال رعاية المشاريع.
يقود خبراء مراكز الفكر الممولة من الحكومات الأجنبية ووزارة الدفاع الإعلام حول الرأي العام. على سبيل المثال، أشار تقرير «معهد كوينسي» لعام 2023 إلى أنه في تغطية مشاركة الولايات المتحدة العسكرية في أوكرانيا، «تم الاقتباس من مراكز الفكر الممولة من وزارة الدفاع بمعدل 85 بالمئة، أي سبع مرات أكثر من المراكز التي لا تقبل تمويل وزارة الدفاع».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214