الولايات المتحدة مركز ومصدر للفوضى... بداية 2025 تثبت ذلك
يُظهِرُ المشهد العام أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستكون مركزاً، ومصدراً أيضاً، للفوضى والتقلبات خلال السنوات القادمة. ثبّتت الفترة القصيرة منذ عام 2025 الكثيرَ من ركائز هذه القراءة؛ من الممارساتٍ الإمبرياليّة البلطجيّة ضدَّ دولةٍ فقيرة تعدّ من أقرب حلفائها في أمريكا اللاتينية: كولومبيا، وأخرى غنية في شمال أوروبا: الدنمارك، إلى التخبط المرافق لوقف إطلاق النار المُذِلّ «لإسرائيل» في غزة. إضافةً لأسوأ كارثة طبيعية تكلفةً «تخطت 250 مليار دولار» في تاريخ الولايات المتحدة بسبب حرائق الغابات التي دمّرت المنازل في كاليفورنيا. وأمّا الحديث عمّا كان يُعتبر حتى وقت قريب ملعب الهيمنة الأمريكية: الذكاء الاصطناعي، فقد شهد بيعاً مسعوراً بقيمة تريليون دولار في فقاعة الذكاء الاصطناعي كردّ فعل على ابتكار شركة صينية تمكنت من تجاوز الحصار المفروض على أشباه الموصلات. أمّا أسعار الدواجن والبيض التي ارتفعت بسبب ظهور فيروس H5N1 الذي أدى إلى نفوق مئات الملايين من الدواجن في الولايات المتحدة، فهو أمر دعى الكثير من العلماء للتحذير من جائحة جديدة. هذا هو رأس جبل الجليد للواقع القاتم للولايات المتحدة اليوم.
في الحقيقة، من الصعب التنبؤ بالمسار الذي ستصل إليه وعود الإدارة الأمريكية الجديدة حول ترحيل المهاجرين، وتعزيز قوة الدولار، واستعادة الفوائض التجارية، والحفاظ على معدلات تضخم منخفضة. لكنّ العبثية التي فرضت نفسها على حكم النخب في الولايات المتحدة ليست بالأمر الجديد، ولهذا فبقيّة العالم يتكيفون منذ سنوات مع الاضطراب المتزايد في السلوك الأمريكي. لكن، عدم التنبؤ بالتفاصيل، لا يعني عدم القدرة على تمييز أنماط استراتيجية عامة للنظام الذي تعتبر إدارة ترامب جزءاً من تشكيله، وكذلك الطرائق التي سيتفاعل بها بقية العالم مع هذه الأنماط.
النظام العالمي الجديد
ليس بالأمر الجديد أنّ صانعي السياسات الأمريكيين يروّجون لكون القيادة الدبلوماسية الأمريكية تعمل من أجل استقرار العالم. ومن دونها «تنمو الأدغال من جديد» كما وصفها المؤرخ والمحلل السياسي روبرت كاغان. لكن بالنسبة لبقية العالم، كانت قوة الولايات المتحدة إمّا خياراً استراتيجياً للتحالف معها، أو خطراً يهدد بسحق من يعارضها، لكن نادراً ما نظر أحد إليها بوصفها قوة خيّرة.
لم يعد أحد من المحللين الجديّين يجادل بأنّ النظام الدولي الليبرالي الذي قادته الولايات المتحدة يزداد اضطراباً، إذ يواجه تهديدات من الصعود الاقتصادي والجيوسياسي للصين، وإزالة التصنيع من الاقتصاد الأمريكي المحلّي، وإساءة استخدام الأمم المتحدة والنظام القانوني الدولي، وهو ما تجلَّى مؤخَّراً في دعم الإدارات الأمريكية المختلفة للإبادة الجماعية في غزّة، إضافةً إلى انتقالِها، على اختلافها، إلى سياسات الحماية التجارية والابتعاد عن المنتديات متعددة الأطراف القائمة على القواعد، وذلك في الوقت الذي تعزّز فيه بقية دول العالم علاقاتها التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف.
قد يكون اجتماع مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو في تشرين الثاني الماضي، بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب، مؤشّراً على ما سيحدث مستقبلاً. هناك، أصرت كلٌّ من الصين وأوروبا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا على التمسك بالتعددية التي تعهّدت إدارة ترامب بالتخلّي عنها.
بالنسبة للعديد من الدول، سيعني ما يجري الاستمرار في بناء علاقات مع الصين، وإنْ كان ذلك بحذر. فمعظم الدول الآسيوية مرتبطةٌ اقتصادياً بالصين، رغم أنَّ القليل منها يُعَدُّ حليفاً جيوسياسيّاً كاملاً. الدول حول العالم، والأفريقيّة خاصة، لا تزال تحاول انتقاء شركائها بأكبر قدر من الحرية الممكنة تحقيقاً لمصالحها. في المستقبل، ستواصل الصين السعي لترسيخ دورها كقوة بديلة. ففي اليوم التالي لتوقيع ترامب أوامر تنفيذية بسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، تعهدت الصين بتعزيز كلٍّ من المنظمتين. وفي مجموعة العشرين، أطلق الرئيس شي جين بينغ حملة دبلوماسية جذابة، معلناً عن أجندة من ثماني نقاط لدعم الدول النامية. لاحظ المشاركون من الدول الأخرى أنّ الممثلين الصينيين تجاوزوا الممارسات الدبلوماسية التقليدية التي تركز فقط على «المصالح الأساسية الضيقة» للصين.
في الوقت الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة عن الساحة متعددة الأطراف، تتقدم حكومات أخرى لملء الفراغ. في تشرين الثاني الماضي، أشار الاقتصادي التركي داني رودريك إلى القوى المتوسطة التي تساهم في تشكيل عالَم متعدّد الأقطاب قائلاً: «مع انشغال الاقتصادات المتقدمة بشؤونها الداخلية، أصبحت القوى المتوسطة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا ونيجيريا الداعمين الطبيعيين للمنتجات العامّة العالمية».
لم تعد الإدارة الأمريكية قادرة على تقديم مثل هذه المنتجات العامة على الإطلاق، ولا الادعاء حتّى بذلك، فمرحلة التراجع باتت أوضح من أيّ وقتٍ مضى.
أوروبا
هل ستكون أوروبا قادرة على حماية مصالحها في عالم تهيمن عليه سياسات «أمريكا أولاً»؟ مع وصول ترامب إلى السلطة، تعاظمت التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي أصلاً. من المتوقع أن يشهد اقتصاد منطقة اليورو حالة من الركود، كما تشير الانتخابات الألمانية التي ستُجرى في 23 شباط إلى احتمال تعزيز نفوذ اليمين المتطرف.
انكشفت نقاط الضعف في قطاع الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا. وقد دفع الارتفاع التضخمي الذي أعقب الجائحة البنك المركزي الأوروبي إلى فرض أسعار فائدة مرتفعة، ما أدى إلى كبح الاستثمارات دون معالجة الأسباب الأساسية للتضخم. تُذكّر هذه السياسات بالأخطاء السابقة، مثل إجراءات التقشُّف التي فُرضَت عقب الأزمة المالية، والتي جعلت أوروبا أفقر وأضعف. وعلى الرغم من الخطط والتقارير الطموحة، لا يزال من غير الواضح كيف يعتزم الاتحاد الأوروبي تغيير مساره.
في الوقت الحالي، تبدو أوروبا مشتتة وعاجزة، فهي تشعر بالخذلان من الولايات المتحدة، وأنظارها تتجه نحو الجنوب والشرق. في الأسبوع الماضي، تحدثت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في دافوس بإيجابية عن اتفاقيات التجارة التي تم التفاوض عليها مؤخَّراً مع سويسرا وتكتل ميركوسور في أمريكا الجنوبية والمكسيك. الأهم من ذلك، شجّعت على تعزيز التعاون مع الصين «لإيجاد حلول تحقق المصالح المشتركة». كما أعلنت أنَّ أوّل زيارة رسمية لها في المفوضية الجديدة ستكون إلى الهند، وأن العمل على بناء سلاسل قيمة محلية للتكنولوجيا النظيفة في إفريقيا سيستمر.
التكنولوجيا والتمويل
بغض النظر عن كيفية تطور الأحداث في السنوات القادمة، سيظل نقل التكنولوجيا عاملاً محورياً في أيّ سيناريو سيحدث. إنّ نجاح الصين في اكتساب الخبرات في مجالات تمتد من البطاريات إلى أشباه الموصلات وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي كان بالغ الأهمية. فقد قلب هذا النجاح الوضع القائم الذي كانت فيه «دول مجموعة السبع تحتكر التكنولوجيا التي يحتاجها بقية العالم». اليوم، لا تقتصر الرغبة في الحصول على السلع المادية والمعرفة التكنولوجية الصينية على الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية فحسب، بل تمتد أيضاً إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو الذي أدخل شرط «نقل التكنولوجيا من المستفيدين الصينيين» للمستفيدين من منح تصنيع البطاريات.
أطلق آدم توز، البروفسور في جامعة كولومبيا، على ما يحدث اسم «الصدمة الصينية الثانية». وفقاً له، إذا كانت «الصدمة الأولى» قد تمثلت في إدماج الصين في سلاسل توريد التكنولوجيا المتقدمة، فإن «الصدمة الثانية» تتمثل في سعي الدول نفسها للانضمام إلى سلاسل التوريد الصينية. على العموم، محاولات الدول الأخرى الحصول على التكنولوجيا الصينية هو أمر جيّد، وقد يكون تمهيداً جنينياً لبناء اقتصاد عالمي متكامل تكنولوجياً لا يعتمد على هيمنة أيّ دولة أو تكتلّ.
أمّا بما يخصّ التمويل، فقد بات واضحاً أنّ الطريقة الأمريكية في تعبئة الموارد المالية لتلبية احتياجات التنمية العالمية ومواجهة تغير المناخ - عبر جعل التمويل الخاص محور الاستراتيجية - قد فشل في تحقيق النتائج المرجوّة، وذلك باعتراف الدوائر الغربية نفسها. ولا يبدو أنّ الاتجاه الأمريكي الحالي - المتسم بتراجع الحضور والهيمنة - سوف يحقق أيّ تغيير. بأيّ حال، لم يتمّ الإبرار بأيّ من الوعود الكبيرة، مثل توفير البنوك المنضمّة إلى تحالف المناخ GFANZ مبلغ 130 ترليون دولار لتمويل الاقتصادات النامية، ولهذا فما فعلته الإدارة الأمريكية الحالية أنّها أمّنت الغطاء لهذه البنوك الكبرى، مثل مورغان ستانلي وغولدمان ساكس، للانسحاب من تحالفات ووعود وهمية لم تحقق فيها شيئاً من الأساس.
هذا الانكشاف جيّد من ناحية تحقيق الوعي لدى الواهمين بأنّ التمويل الخاص كان قادراً على - أو راغباً في - وضع أهداف التنمية والمناخ قبل الربح، ويفتح الباب أمام عمل حقيقي لإعادة التركيز على إيجاد حلول حقيقية وإجراء الإصلاحات المالية المناسبة. ربّما لن نرى في القريب العاجل حلولاً جاهزة، ولكنّ الكثير من الدول باتت مدركة للحاجة إلى هذه الإصلاحات في هيكل التمويل العالمي. مثال ذلك مقترحات إعادة الهيكلة التي وضعتها جنوب أفريقيا على رأس أجندتها خلال رئاستها لمجموعة العشرين لمعالجة ارتفاع تكاليف رأس المال بالنسبة لدول الجنوب العالمي، إضافة إلى مشكلة الديون غير المستدامة المستحقة للدائنين من القطاع الخاص، والتي تجبر الحكومات على تحويل موارد كبيرة من الاستثمارات الأساسية إلى خدمة سداد الديون وفوائدها.
كما أنّ منتصف 2025 سيشهد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية، لمناقشة القضايا التي تعيق التنمية في دول الجنوب العالمي. ضمن التشكيلة العالمية الحالية، قد يكون أمام المؤتمر فرصةٌ لإحراز تَقَدُّم في معالجة أزمات الديون والعوائق التي تواجه تمويل المناخ، بشرط أن يتحول التركيز بعيداً عن الاعتماد على التمويل الخاص أو انتظار قيادة الولايات المتحدة، اللذَين أثبتا عدم جدواهما.
إنّ منصّات الإعلام الاجتماعي الحديثة يمكن اعتبارها منتجاً هجيناً لقوة التمويل والتكنولوجيا. إنّ الموقف العالمي، وتحديداً في دول الجنوب العالمي، من عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين عموماً ملفتة. هؤلاء العمالقة الذين تبلغ قيمهم السوقية أرقاماً فلكية، هم في النهاية جزء من الجهود الإمبريالية الأمريكية. لهذا، ولنأخذ البرازيل كمثال، فقد أثبتت بأنّ الدول قادرة فعلياً على مواجهة منصات التواصل الاجتماعي التي تبدو قوية بلا حدود، حيث أجبرت منصة X على الامتثال لقوانينها المحلية لمكافحة المعلومات المضلِّلة.
الطاقة من جديد
رغم التطوّر السريع في أنظمة الطاقة المستدامة، لا تزال الموارد التي يتم استخراجها من باطن الأرض محوراً رئيسياً في الجغرافيا السياسية العالمية. لا يزال النفط والغاز يشكلان جزءاً مهماً من مشهد التنافس العالمي بين الدول الغربية والصين على الاستحواذ على مواردهما وأسواقهما، وربّما أبرز مثال حالي هو السعي الأمريكي للاستحواذ على غرينلاند.
في السياق ذاته، تشكّل المعادن التي تدخل في صناعة الطاقة مجالاً متنامياً للتجارة بين الشمال والجنوب، وقد تكون أيضاً سبيلاً للتعاون الصناعي. فكل دولة نامية تمتلك معادن ضرورية للتحول الطاقي تسعى إلى تكرار تجربة إندونيسيا، التي فرضت حظراً على تصدير النيكل غير المكرَّر واستغلت احتياطيّاتها الضخمة لفرض نقل التكنولوجيا من خلال استثمارات صينية وكورية في منشآت معالجة محلية. أمّا دول أمريكا اللاتينية، فترى في موارد مثل النحاس في المكسيك وتشيلي، والليثيوم في تشيلي، والغرافيت والمنغنيز في البرازيل فرصة لتحقيق الازدهار الاقتصادي عبر المشاركة في سلاسل التوريد الخاصة بالبطاريات والتكنولوجيا الصديقة للبيئة.
تخطط جنوب أفريقيا لاستغلال رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام للتركيز على كيفية استخدام المعادن الحيوية في دعم التنمية الإفريقية. وقد وصف رئيسها هذه الجهود بأنها «اتفاقية كبرى لتعزيز القيمة المضافة للمعادن بالقرب من مواقع استخراجها». يعكس هذا إدراكاً متزايداً لدى الدول النامية الغنية بالموارد بأن عليها السعي للحصول على تطويرٍ لصناعة الموارد لديها للارتقاء في سلسلة القيمة. ومع ذلك، فإنّ عمليات نقل التكنولوجيا اللازمة لهذا التطوير لا تزال نادرة. فقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كولومبيا، شملت عشرات المشاريع الدولية قيد التطوير في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، أنّ حالات نقل التكنولوجيا كانت قليلة للغاية، رغم أنها المصدر الرئيسي للابتكار في قطاع المعادن الحيوية. وأوصت الدراسة بأن تعتمد منظمة التجارة العالمية مقترحات المجموعة الأفريقية المكونة من 44 دولة، وأن تفرض حكومات الدول النامية شرط نقل التكنولوجيا كجزء من أي استثمارات أجنبية في قطاع التعدين لديها.
في عام 2025، يبدو أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته قبل عام 2030 بفترة أطول مما كان متوقعاً، في حين يستمر العرض في الارتفاع. لا تزال السعودية تحجب نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً من إنتاجها، بينما تسجل الولايات المتحدة معدلات إنتاج قياسية، وتقوم الصين التي تعتمد على الواردات بخفض استخدامها، مما يؤدي إلى ما وصفه أحد محللي «مورغان ستانلي» بأنه «سوق نفط مختلفة في المستقبل عما كانت عليه في الماضي».
تحاول ممالك الخليج تنويع اقتصاداتها عبر استثمار مليارات البترول في صناعات جديدة. كما تركز بشكل متزايد على تمويل التنمية، وبشكل مذهل عبر صفقات تعويض الكربون التي تشمل مساحات شاسعة من الأراضي في الدول الأفريقية «أكبر من بريطانيا»: خُمس زيمبابوي، و10% من ليبيريا، و10% من زامبيا، و8% من تنزانيا. كلّ ذلك في الوقت الذي توسع فيه بسرعة قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة محلياً للحفاظ على احتياطياتها الهيدروكربونية المتبقية من أجل الدولارات الضرورية التي تجنيها من التصدير. أما الدول منخفضة الدخل التي تمتلك موارد أحفورية، مثل ناميبيا والسنغال وربما الأوروغواي، فتبذل جهوداً لتطوير هذه الموارد قبل أن يتراجع السوق، بينما تبحث دول أخرى مثل كولومبيا والإكوادور عن طرق للانتقال إلى صناعات جديدة قبل انخفاض الأسعار.
أمّا الغاز المسال، فبات هو الوقود المفضل لدى العديد من الدول. ومع ذلك، فإن الطلب على الغاز المسال متقلب، والتوقعات المستقبلية بشأنه محلّ خلاف حادّ، وهو بطبيعة الحال، خاصة بسبب الحرب في أوكرانيا، بات قضية جيوسياسية معقَّدة. تمثّل صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المُسال -وهي الأكبر في العالم- أداة ضغط في يد ترامب ضد الاتحاد الأوروبي، عبر التهديد بـ«اشتروا غازنا أو لن نحميكم!»، كما أنّها تضيفُ عنصراً إلى خطاب «الهيمنة الطاقية» الأمريكي.
بات الغاز المسال يشكّلُ نقطةَ توتر محتملة بين الدول الغنية المستوردة والدول الفقيرة التي لا يمكنها منافستها، كما حدث عندما تفوّقت دول أوروبية على باكستان وبنغلادش في تقديم العروض للحصول على الشحنات عام 2022. كذلك، فإنّ سرعة بناء منشآت الغاز الطبيعي المُسال ترفع مخاطر تحوُّلها إلى أصول عالقة بلا جدوى، فهل ستحتاج ألمانيا إلى جميع محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال الجديدة التي تبنيها حالياً من أجل استيراد الغاز الأمريكي؟
العالَم اليوم، وبشكل مختلف عن ولاية ترامب الأولى، بات أكثر استقطاباً وبشكل يبدو للوهلة الأولى بأنّه شديد العبثية. لكن في الحقيقة، إنّ ما يمكن تسميته بـ«نُخب النيوليبرالية»، قد فشلوا في حلّ جميع المشاكل التي ظهرت، بل وفاقموها من خلال السياسات المحابية للأَمْوَلة والخصخصة. عنى هذا أنّ البدائل التي باتت تطرح عن النمط الغربي تجد قبولاً أكثر لدى الجماهير والنخب المتشكّلة حديثاً. ينطبق هذا على الغرب وعلى سواه، ولكنّ التحوّل في العالم الغربي، أو الذي كان محسوباً على الغرب، يلفت النظر بشكل أكبر، خاصة عند تأطيره في صيغ «شعبوية» لا يمكنها شرح أساسات المشكلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1213