أوروبا على «طاولة الأطفال» في أوكرانيا... هل يمكنها أن تحجز لنفسها مكاناً آخر؟
إنّ المفاوضات التي تجري - في العلن وفي الخفاء - بين الولايات المتحدة وروسيا، على الكثير من القضايا حول العالم، وأبرزها حول الصراع في أوكرانيا، والذي تحتضن جلساته السعودية، هي أكثر حدث يحظى بالاهتمام العالمي لشدّة محوريته بالنسبة للمستقبل. لكن، ورغم أنّه من المبكر الجزم بالتأثيرات الجوهرية لهذه المفاوضات، فقد بدأ بعضها يظهر بالفعل، وخاصة بالنسبة لأوروبا، وهو ما يمكن الإشارة إليه بكلمة الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر شركات السلاح الألمانية حين قال: «تمّ إجلاس أوروبا على طاولة الأطفال في مباحثات السلام حول أوكرانيا». فهل يمكن لأوروبا أن تخرج من هذا التهميش وتجد لنفسها مكاناً آخر؟
بات من الواضح، كما أيدت ذلك تقارير عديدة، أنّ توصيف الصراع في أوكرانيا في التقارير الإعلامية والوثائق الرسمية للناتو قد تغير بشكل ملحوظ. فقد تم استبدال العبارة المستخدمة سابقاً «الغزو الروسي لأوكرانيا» بعبارات مثل «الصراع الأوكراني» أو «حرب أوكرانيا». كما أعلن ترامب في أكثر من مكان بأن هذا الصراع بدأه الأوكرانيون أنفسهم، معتبراً أنها ليست حرباً حكيمة. بطبيعة الحال، لم ينسَ ترامب أن يضيف عبارته الشهيرة: «لو كنتُ رئيساً، لما اندلعت الحرب».
يعلم الجميع أنّ أوكرانيا هي الطرف المباشر في هذا الصراع، وأن أوروبا هي الأكثر تأثراً به، لكن في المفاوضات، فإن الطرفين اللذين جلسا إلى الطاولة هما الولايات المتحدة وروسيا، بينما يتوسطهما ممثل عن السعودية. في هذا الوقت، بينما كانت واشنطن وموسكو تتفاوضان هناك، عقد ماكرون اجتماعاً طارئاً مع قادة الاتحاد الأوروبي في باريس. لكنّ مثل هذه التحركات، غير المنتجة عملياً، لا يمكن أن تزيل وصمة السخرية «بإجلاس أوروبا إلى طاولة الأطفال»، وإقصائها، عن المشاركة في التحدّث عن مسألة هي أكثر من تضرر منها، كما تظهر أرقام السنوات القليلة الماضية.
في السياق ذاته، أدلى وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» بتصريح لافت في مؤتمر ميونيخ للأمن: «لطالما اتهمتم الصين بأنها الدولة التي تخرق القواعد ولا تحترم النظام العالمي، لكن في الحقيقة، الصين ليست كذلك. أما الآن، فقد ظهر الفاعل الحقيقي الذي ينتهك القواعد الأساسية للنظام الدولي». تحت حكم ترامب، لم تفعل الولايات المتحدة إلّا إظهار وجهها الحقيقي: كيف يمكن لدولة مهيمنة، كانت في الأصل صانعة النظام الدولي، أن تقود خرق جميع القواعد، وتعتمد على إغراق حلفائها أولاً، دون أيّ قيود.
إذا ما أردنا أن نكون واقعيين ومباشرين: ما هو الأساس الذي ترتكز عليه أفعال الولايات المتحدة؟ ولماذا تملك روسيا الأهلية للجلوس إلى طاولة المفاوضات بينما لا تملكها أوروبا؟ ببساطة، كل ذلك يعتمد على القوة «الاقتصادية والعسكرية». لهذا تمّ إقصاء أوروبا ووضعها على الطاولة الجانبية... لأنها لا تمتلك القوة الكافية.
هذا يعيدنا إلى موضوع قديم متجدد: هل دعوات بعض النخب الأوروبية إلى إنشاء جيش أوروبي محقّة، وهل حان وقتها الآن لتغيّر وضع أوروبا؟ في مؤتمر ميونيخ للأمن، صرّح زيلينسكي مستجدياً: «آن الأوان لإنشاء جيش أوروبي». لكنّ هذا التصريح يبدو في ظروف اليوم كأنه نكتة.
الجيش الأوروبي الموعود
ليست فكرة إنشاء جيش أوروبي بالجديدة. قبل تأسيس الناتو، كان هناك «معاهدة بروكسل» التي سعت لإنشاء تحالف دفاعي أوروبي، لكنها لم تنجح. ثم في خمسينيات القرن الماضي، طرحت فرنسا ما عُرف بـ«خطة فوشيه»، لكنّ اللافت أن فرنسا نفسها هي من أسقطت هذا المشروع لاحقاً.
يدرك الباحثون في تكامل أوروبا السياسي أن التعاون في مجالي السياسة والدفاع كان خطاً أحمر خلال الحرب الباردة، خصوصاً التعاون الدفاعي، حيث تجنّب الجميع حتى مجرد الحديث عنه. لكن بعد انتهاء الحرب الباردة، ومنذ حرب البوسنة، ثم حرب كوسوفو، وصولاً إلى الصراع الحالي في أوكرانيا، كثيرون في أوروبا من اعتبروا أنّ الحاجة إلى جيش أوروبي أصبحت أكثر إلحاحاً. غير أن تأسيس مثل هذا الجيش يطرح أسئلة معقدة:
كيف ستُدار القوة العسكرية؟ من سيتحكم بها؟ هل ستتخلى الدول عن سيادتها العسكرية لصالح قيادة فوق وطنية؟ في ظل وجود الناتو، كانت فكرة الجيش الأوروبي تبدو غير قابلة للتحقيق، وإذا تحققت، فهذا يعني أن الناتو لم يعد ضرورياً أصلاً.
لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه أوروبا إنْ هي عمدت حقاً إلى إنشاء مثل هذا الجيش، ليس فقط القدرة العسكرية، بل أيضاً الابتزاز السياسي والاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها. هذا الواقع هو نتيجة لفشل أوروبا في التعامل مع المخاطر الجيوسياسية بشكل صحيح خلال مسار تكاملها. وكنتيجة لذلك، تدفع أوروبا ثمناً باهظاً، وهذا أصبح أمراً شبه محسوم. وإن تمكنت من التخلّص من الابتزاز الأمريكي، فربّما فكرة جيش أوروبي «مناهض لروسيا» لن تكون مطلوبة أساساً، وسيتمّ عندها طرح آلية تكامل عسكري مع روسيا.
علاوة على ذلك، رغم أن أوكرانيا هي الطرف المباشر في الصراع، فهي أبعد ما تكون عن امتلاك كلمة في هذه المفاوضات. يمكن ملاحظة أن روسيا، رغم تجاوبها مع مقترحات الولايات المتحدة في المفاوضات، إلا أنها تحافظ على حدود واضحة في موقفها. فقد صرّح وزير الخارجية لافروف بوضوح: «لن نشتكي بشأن اتفاقية مينسك، لكن إذا كنتم تعتقدون أنه يمكنكم خداعنا مجدداً ودفعنا لوقف عملياتنا بهذه الطريقة، فأنتم واهمون».
يأخذنا هذا إلى نوعٍ من التعقيد في المشهد، فترامب يريد إنهاء الحرب بحماس، ويكمن دافعه الأساسي لذلك في حساباته السياسية. يحتاج ترامب إلى تحقيق انتصار سياسي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، تماماً كما سعى لدخول «البيت الأبيض» بزخم سياسي ضخم. ربّما الدافع السياسي الأقرب هو مواجهته اختباراً كبيراً في انتخابات الكونغرس في عام 2026. إذا لم يحقق نتائج إيجابية، فسيكون موقفه ضعيفاً مستقبلاً.
لهذا، يسعى ترامب إلى تحقيق أي مكاسب سياسية، حتى لو لم تكن هناك حلول جوهرية سريعة. يريد أن يظهر كرجل الصفقات، لكنه يدرك أن أي تنازل واضح أمام روسيا، مثل الموافقة على تسليمها خمسة أقاليم، قد يضعه في مشكلة سياسية. لذا فهو يتعامل بحذر شديد.
التفصيل الآخر المثير للاهتمام، والذي قد يُعطي نوعاً من طوق النجاة للأمريكيين الساعين للحل، هو أنّ الرئيس الروسي بوتين قال سابقاً إن زيلينسكي لم يُجرِ انتخابات، وبذلك فقد شرعيته كرئيس وفقاً لقانون أوكرانيا. الآن، بدأ الإعلام الأميركي باستخدام الخطاب ذاته، بل إن ترامب نفسه بدأ يتبنى هذا الطرح، ما يُشكل تطوراً بالغ الأهمية لا يمكن اعتباره مجرّد «استعراض ترامبي».
يحرص ترامب في كلّ هذا أن تكون رسالته إلى أوروبا واضحة، ومن بين الإشارات التي يرسلها اليوم أنّ العلاقة بين واشنطن وبروكسل تتجه نحو إعادة هيكلة جذرية، وهذا بحدّ ذاته أحد أهدافه السياسية. من أجل حدوث ذلك، سيعمد الإعلام الأمريكي في الغالب الأعم إلى إعادة تشكيل صورة روسيا، بحيث لا تُصوَّر كـ«إمبراطورية الشر» كما هو الحال الآن، وتكرار أحاديث ترامب لأوروبا بأنّ عليهم أن يدفعوا أكثر كي تحميهم أمريكا. لهذا، المشهد السياسي الحالي لا يزال مفتوحاً على تطورات متسارعة. الترقب الحذر مطلوب، لأن الجولة القادمة من الصراع الجيوسياسي ستكون مثيرة للغاية.
أوروبا الضعيفة
لم يكن ضعف أوروبا مكشوفاً بهذا الشكل من قبل. قام الرئيس ترامب، وبشكل فجّ كما رأينا، بتحطيم الإطار القائم لدعم أوكرانيا من قبل الغرب. فقد تخلّت الولايات المتحدة رسمياً عن السعي الذي استمر لمدة تسعة عشر عاماً لتوسيع الناتو ليشمل أوكرانيا، وهو المشروع المكلف والفاشل. كما تم إلغاء الالتزام باستعادة الأراضي الأوكرانية لما قبل 2014. علاوة على ذلك، أكّدت واشنطن أنها لن ترسل قوات إلى أوكرانيا ولن تمد مظلة المادة 5 لأي «قوات حفظ سلام» غربية يتم نشرها هناك؛ «المادّة مبسّطةً: إذا تعرّض أحد أعضاء الناتو لهجوم مسلح، فإن بقية الأعضاء سيعتبرون هذا الهجوم موجهاً ضدهم جميعاً، وسيتخذون التدابير اللازمة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، لمساعدة الدولة المعتدى عليها واستعادة الأمن والاستقرار في منطقة شمال الأطلسي».
الآن، لا يزال لدى البعض وهمٌ بأن تتحمّل أوروبا التكلفة الدفاعية وكذلك إعادة إعمار أوكرانيا، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا لاستعادة بعضٍ من الـ 175 مليار دولار التي أنفقتها على الحرب من خلال اتفاق يمنحها ملكية الموارد المعدنية النادرة في أوكرانيا دون مقابل! وكما أكّد المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ، فإن أوروبا لن يكون لها حتى رأي حاسم في الصفقة التي ستبرمها أمريكا لإنهاء الحرب.
لكن بالرغم من كلّ هذه المؤشرات، لا يزال الإنكار مستمر لدى بعض السياسيين في أوروبا، فالاعتراف بالواقع هو أقرب إلى كابوس. تجاهل هؤلاء طوال السنوات الثلاث الماضية كل المؤشرات التي أظهرت أن الغرب غير قادر على هزيمة روسيا في أوكرانيا. وفي كل محطة من محطات الحرب، أرادوا التصعيد أكثر فأكثر لإضعاف روسيا.
حتى بعد تراجع القوة العسكرية الأوكرانية، لا يزالون يطالبون بمزيد من الدعم. كان شعارهم ذات يوم: «نحن مع أوكرانيا مهما استغرق الأمر»، ثم تحوّل في 2024 إلى: «أوكرانيا في طريقها الحتمي إلى الناتو، وعلينا وضعها في أقوى موقف تفاوضي ممكن». أما في 2025، فقد ظهر شعار جديد: «لا مفاوضات بشأن أوكرانيا دون أوكرانيا» و«السلام من خلال القوة».
لكن ماذا يعني هذا الشعار الجديد؟ حرب لعشر سنوات أخرى؟ وصف وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي النزاع بأنه «حرب استعمارية كلاسيكية» قد تستمر لعشر سنوات أخرى. المتشددون الأوروبيون مستعدون لرؤية أوكرانيا تتحول إلى «دولة فاشلة»، طالما أن روسيا لا تحقق الانتصار. إنّ هؤلاء، رغم عدم واقعيتهم وعدم كفاية مواردهم لينفذوا أجنداتهم، لا يأبهون بإلحاق كارثة جيوسياسية بأوروبا ذاتها.
يحاول هؤلاء والناطقون باسمهم، أن يبرروا سعيهم لتحقيق زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي، بالاعتماد على فرضية أن اقتصاد أوروبا يفوق حجم الاقتصاد الروسي بعشر مرات، ويمكن تحويله بسرعة إلى قوة عسكرية قابلة للنشر. لكن هذه مجرد أوهام، لأنّ التوازن العسكري يميل بوضوح لصالح روسيا. كما نفذت القوى البشرية من أوكرانيا، وحتّى وزير دفاع ليتوانيا يعترف بأن الجيش الروسي أصبح أكبر بثلاث مرات مما كان عليه في شباط 2022. هذا ناهيك عن تفوّق روسيا على كامل أوروبا في مجال التصنيع العسكري.
أظهرت تقارير مستقلة بشكل قاطع أنّ الجيوش الأوروبية الكبرى تعاني من نقص كارثي في العتاد والجنود المدربين، وأنّ جزءاً كبيراً من مخزون الأسلحة الذي كان متوفراً قد تم التبرع به لأوكرانيا. لذلك، دون دعم أو قيادة أمريكية، فإن بناء جيش أوروبي موحّد هو وهم، وإن كان بالإمكان تنفيذه، فلن يرَ النور قبل عقدٍ من الزمن على أقلّ تقدير.
يزعم هؤلاء، من أصحاب الرؤوس الحامية والأجندات الفاشلة، أنّ روسيا تضعف اقتصادياً وعسكرياً بسبب الحرب، وهو ما يبدو مضّخماً بشكل كبير في الإعلام الغربي. يقولون أيضاً إنّه لا يمكن الوثوق بروسيا تحت أي ظرف، وأن التساهل معها سيشجعها على «التوسع الإمبراطوري». لكنّ المستمعين لهذه الخطابات باتوا يدركون مدى تراجع هذه الخطابات، وكذلك تناقضها: فإن كانت روسيا ضعيفة حدّ تراجعها بعد الحرب في أوكرانيا، فكيف تكون قادرة على غزو أوروبا؟ وإن لم تكن، فلماذا على الأوروبيين أن يستمروا بالخسارات إزاء دولة قادرة على هزيمتهم، بدلاً من الحلول الدبلوماسية؟
إنّ انعطافة ترامب نحو السلام تعدّ رفضاً للأوهام الخطيرة للمتشددين، وانتصاراً للعقلانية. أوضح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أنّ النهج الجديد قائم على «الاعتراف بواقع القوة العسكرية على الأرض». سنستمع تالياً للمزيد من «العقلانيين» في أوروبا، وهذا لا شكّ فيه. فالواقع الموضوعي لأوروبا يقول بأنّ عليها التكيّف مع الحقائق العالمية الجديدة، وعلى رأسها تلك الآتية من الطرف الآخر للأطلسي. تُظهر التجارب التاريخية أنّ هؤلاء «العقلانيين» يظهرون للعلن في الأوقات المناسبة، وقد يكون هذا هو وقتهم الأنسب.
هل ينتقلون إلى طاولة الكبار؟
ربّما السؤال الأنسب الآن: هل يمكن لأوروبا أن تنتقل من «طاولة الصغار» إلى أخرى تليق بندّ؟ في الحقيقة، وضمن الإعدادات الحالية، الإجابة البسيطة: لا.
إنّ الذعر الذي اجتاح كييف، وداعميها من الأوروبيين، بعد مكالمة بوتين وترامب في 12 شباط الذي أُعلن فيها عن المفاوضات، لم يكن كافياً لتحفيز ردّات فعل إيجابية سريعة لدى نخب أوروبا وصانعي سياساتها الحاليين.
لكن قد تكون هناك بوادر جيّدة للأوروبيين. صرّح زيلينسكي في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية أنّ أوروبا لا تستطيع توفير ضمانات أمنية موثوقة لكييف دون واشنطن، وأنّ مثل هذه الضمانات ستكون غير واقعية. لكنّه بالرغم من ذلك، دعا إلى نشر قوات متعددة الجنسيات في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي لم يُبْدِ القادة الأوروبيون أي دعم له، والسبب في ذلك ليس العقلانية، بل إدراك ما قاله زيلينسكي نفسه: لا يمكن فعل ذلك دون الولايات المتحدة، وعليهم كما ذكر دبلوماسي أوروبي بارز للصحيفة: «إيجاد حلول بديلة».
من جهة أخرى، هناك أطراف تبدو لها الحرب في أوكرانيا غير قابلة للانتهاء على هذه الشاكلة، ربّما تأتي بولندا، التي كانت في حالة تنسيق مع الولايات المتحدة خارج الإطار الأوروبي، على رأس هؤلاء الأطراف.
عند الحديث عن السلام، تظهر بولندا وكأنّها تراقب عن كثب مدينة لفيف الأوكرانية، وذلك وفقاً لرئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين. قال ناريشكين خلال اجتماع حول الحقوق التاريخية للأراضي الأوكرانية: «لطالما ادّعت بولندا ملكيتها لما تسميه (المناطق الشرقية)، وقد أُطلق عليها لقب (ضبع أوروبا) في القرن الماضي، وهو مصطلح يعود لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل. والآن، تضع بولندا عينها على لفيف، ولديها أسباب لذلك».
أصبحت «غاليثيا» و«فولينيا» جزءاً من «أوكرانيا» السوفييتية عام 1939، بعد دخول الجيش الأحمر لبولندا. في الماضي، سعت بولندا لإعادة توطين آلاف العسكريين البولنديين المتقاعدين في هذه المناطق، مما ساهم في زيادة العداء بين القوميين الأوكرانيين والبولنديين. لا تزال «مجزرة فولين» -وهي سلسلة من عمليات القتل الجماعي التي نُفذت بين 1943 و1944 من قبل القوميين الأوكران ضدّ المدنيين البولنديين– رمزاً للكراهية التاريخية بين الجانبين، حيث تعتبر جزءاً من الذاكرة الجماعية للبولنديين. فهل يقبل البولنديون، وربّما الهنغار والرومان، بعدم الحصول على شيء من أوكرانيا؟
إذا ما أردنا استخلاص نتيجة من هذه المعطيات، فهي كالتالي: أوروبا غير قادرة لوحدها على إطالة الصراع مع الروس، وهي بهذا أمام خيارين: الإنكار لفترة أطول ودفع ثمن ذلك - سياسياً واقتصادياً وربّما عسكرياً. أو إخراج النخب الحاليين واستبدالهم بآخرين قادرين على فهم موقعهم الحقيقي في خريطة العالم اليوم... إمّا هذا، أو البقاء على طاولة الأطفال في قضايا مستقبلية أخرى...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1215