كيف تنقذ الصين اشتراكيَّتها من أزمات الرأسمالية العالمية؟
ليو يوان تشوان ليو يوان تشوان

كيف تنقذ الصين اشتراكيَّتها من أزمات الرأسمالية العالمية؟

أشار تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني إلى أنّ «العالم يشهد في الوقت الحالي تغيَّرات لم تحدث منذ مئة عام، حيث تتسارع وتيرة التطورات، وتتعمق الثورة التكنولوجية الجديدة والتحولات الصناعية، وتشهد القوى الدولية تغييرات جوهرية، مما يجعل تطور بلادنا يواجه فرصاً استراتيجية جديدة». يشي ما سبق بأنّ صانعي السياسة الصينيين يدركون بأنّهم أمام مفترق طرق، فإمّا أن يلتزموا بالروح الاشتراكية الصينية فيتخلّصوا من العقبات ويضمنوا الاستمرار فيما يطلقون عليه اسم «الاشتراكية بِسماتٍ صينية»، أو أن يُفرغوا هذه المبادئ من محتواها ويضطرّوا لإعادة إنتاج الأزمات التي مرّت بها الدول الغربية، والتي اتبعت الوصفات الغربية دون تغيير. من هذا المنطلق، يحاول رئيسُ جامعة شنغهاي للعلوم المالية والاقتصاد، ليو يوان تشون، والأستاذ الجامعي في الجامعة نفسها، دينغ شياو تشين، التعرّض لهذه العقبات تحليلاً، والإجابة عن الأسئلة المرتبطة بها. إليكم أبرز ما جاء في حديثهما.

ترجمة: عروة درويش

فَخُّ الدخل المتوسط

تم طرح مفهوم «فخ الدخل المتوسط» لأوّل مرة علناً في تقرير البنك الدولي الصادر عام 2007 بعنوان «نهضة شرق آسيا». يشير التقرير إلى أنه خلال أكثر من خمسين عاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من بين 101 اقتصاد متوسِّط الدخل على مستوى العالَم، تمكّنت 13 دولة فقط من التحوُّل إلى اقتصاداتٍ ذات دخل مرتفع. بينما عانتْ معظمُ الاقتصادات في مرحلة الدَّخل المتوسط من ركودٍ اقتصادي، وظلَّ مستوى الدخل دون تغيير، ممّا جعل من الصعب تحقيق قفزة إلى مستوى الدخل المرتفع، وأحياناً أدى إلى تراجع هذه الاقتصادات إلى مستويات الدخل المنخفض. يُعرف هذا الوضع بـ«فخ الدخل المتوسط»، وهو واضح بشكل خاص في دول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
تُظهر الاقتصادات التي تقع في «فخ الدخل المتوسط» بعض الخصائص المشتركة في تطورها الاقتصادي والاجتماعي. وتشمل هذه الخصائص: 1- نمو اقتصادي غير مستقر. 2- ديون خارجية مفرطة. 3- فجوات كبيرة في الدخل. 4- نقص في القدرة على الابتكار.
من الناحية الجذرية، فإنّ المشكلات التي تظهرها الدول التي تقع في «فخ الدخل المتوسط» ناتجة عن السياسات التي تروِّج لها اللّيبرالية الجديدة. هذه السياسات، التي تدعو إلى الخصخصة، السوقيّة، والتحرّر الاقتصادي، أدّتْ إلى: زيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء في دول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وتعميق الاعتماد الاقتصادي لهذه الدول على الدول المتقدِّمة، وزرع بذور الأزمات الماليّة بسبب التحرير التشريعي المفرط، خصوصاً في القطّاع الماليّ، ممّا أدّى إلى اضطرابٍ وركودٍ اقتصاديٍّ شامل. من هنا يمكن اعتبار «فخ الدّخل المتوسِّط» في جوهره «فخ النيوليبرالية».

قفزات التنمية

بعد تحقيق نموٍّ كمّي، يصبح السؤال الأهمّ هو: كيف يمكن تحقيق قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
رغم أنّ الصين لا تُظهِر السِّمات التقليدية لـ«فخ الدخل المتوسط»، إلّا أنَّ القضايا التي يشير إليها هذا الفخ، خاصّةً كيفية الانتقال من دولة ذات دخل متوسط إلى دولة ذات دخل مرتفع، تمثّل تحدّياً يتطلّب اهتماماً جدّياً. لهذا فالقضايا التي يجب التركيز عليها:
 توسيع الطبقة المتوسطة: لتحقيق مجتمعٍ متوازن أشبه بـشكل حبّة الزيتون (مصطلح يشير إلى المجتمع الذي يتمتع بتوزيع متوازن للثروة، حيث تكون الطبقة المتوسطة هي الأغلبية، وتشكل الجزء الأكبر من السكان، مع وجود طبقتين أصغر حجماً في القمة والقاع)، يجب أن تصل نسبة الطبقة المتوسطة إلى 60% من السكان. هذا يعني أنه من بين 600 مليون شخص ذوي دخل شهري 1000 يوان «137 دولار»، يجب أن يزيد دخل 400 مليون شخص إلى 3000 يوان شهرياً على الأقل «411 دولار»، مما يجعل عدد أفراد الطبقة المتوسطة يصل إلى نحو 800 مليون شخص.
 مضاعفة دخل الطبقة المتوسطة: لا يمكن الاعتماد على متوسط الدخل القابل للتصرف للسكان كمعيار. خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة، يجب أن تتضاعف دخول الطبقة المتوسطة لتحقيق قفزة حقيقية وتشكيل «السوق الصينية العملاقة». إذا تحقَّق نموٌّ مضاعف لدخول الطبقة المتوسطة، فإنّ الاقتصاد يمكن أن يدخل في دورة اقتصادية طبيعية تتحسن باستمرار. لتحقيق ذلك، ينبغي إضافة استراتيجيّة جديدة إلى الإصلاحات الحاليّة في جانب العرض وتوسيع الطلب، وهي استراتيجية توزيع الدّخل، التي تربط بين جانبَي العرض والطلب.
 الإسراع في تحسين نظام الضمان الاجتماعي: أشار تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصّيني إلى ضرورة «تحسين نظام ضمان اجتماعي متعدِّد المستويات، شامل، عادل، متكامل بين المناطق الحضرية والريفية، آمن، ومنظَّم، ومستدام». لذلك، يجب على بناء نظام الضمان الاجتماعي في المستقبل أن يركّز على التقدم الشامل بدلاً من الإنجازات الجزئية.

فخ ثيوسيديدس

في السنوات الأخيرة، ومع الصعود السريع للصين، أصبحت مخاطر الصراع الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة أكبر. يشير هذا المفهوم إلى أن الصراع بين دولة صاعدة بسرعة ودولة مهيمِنة قد يؤدّي إلى الحرب، مختزِلاً العلاقة في إطار «لا يسع جبلٌ واحد نمرَين».
منذ انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح، شهدت الصين صعوداً سريعاً في قوتها الاقتصادية، السياسية، والعسكرية، ما أدى إلى انتشار ما يُعرف بـ«نظرية التهديد الصيني» التي روّجتها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. تُظهر هذه النظرية مخاوف من أن صعود الصين سيؤثر على مصالح هذه الدول، ما دفعها لمحاولة كبح تطور الصين أو عزلها على الساحة الدولية.
يغيّر الصعود الصيني بنية النظام العالَمي بشكل جذري، ليصبح القوة الأكثر جوهرية في التغيرات العالمية غير المسبوقة منذ مئة عام. وقد تَشكَّل نمطُ التنافس بين القوى العظمى بين الصين والولايات المتحدة بشكل كامل، مما يجعل السنوات الخمس المقبلة فترةً حاسمة لتجاوز «فخ ثيوسيديدس» وتصحيح اختلال التوازن في هذا التنافس.
من ناحية تطورات النمو الاقتصادي: في 2015 كان الناتج المحلي الإجمالي للصين يعادل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ممّا شكّل بداية المنافسة الشاملة بين البلدين. في 2021 ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين ليعادل نحو 76.1% من نظيره الأمريكي، وهو أعلى مستوى تاريخي. بين 2015-2019 بلغ متوسط نسبة النمو السنوية للناتج المحلي الإجمالي للصين مقارنة بالولايات المتحدة 1.4%. وبين 2019–2021 شهدت هذه النسبة ارتفاعاً أسرع بمعدل 4.6% سنوياً.
من المتوقع أن تصل نسبة الناتج المحلّي الإجمالي للصين إلى 85% من نظيره الأمريكي في 2025، ممّا سيغيّر طبيعة التنافس ليصبح أكثر توازناً، ما قد يؤدي إلى تحول في المحتوى الاستراتيجي والتوجُّه المستقبلي للصراع.
لتحقيق نسبة 85% أهمية كبيرة، ففي التنافس بين القوى الكبرى، يُعتبر الوصول إلى 60% و85% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد الدولة المهيمنة نقاطاً فاصلة. 60%: تمثّل نقطةً يتصدّى فيها البلد المهيمِن بشكل شامل للبلد الصَّاعد. 85%: بمجرّد تجاوز الدولة الصاعدة لهذه النسبة، يتحوَّل التنافس من نمط غير متوازن إلى متوازن. يؤدِّي ذلك إلى إجبار الدولة المهيمِنة على تعديل استراتيجيّاتها أحاديّة الجانب، والتوجُّه نحو نموذجِ تعاونٍ مشترَك.
الفترة من الآن وحتى عام 2028 ستشهد صعود نسبة الناتج المحلي الإجمالي للصين من نحو 70% إلى 85% مقارنة بالولايات المتحدة، وهي فترة تزداد فيها احتمالية الصراعات. إذا استطاعت الصين مقاومة الضغوط الأمريكية خلال هذه الفترة، فقد تتمكّن من إجبار الولايات المتحدة على إجراء تعديلٍ استراتيجي بحلول عام 2028.
بشكلٍ عام، يُعَدُّ «فخّ ثيوسيديدس» نظريةً مصطنعة بقيادة الولايات المتحدة، تهدف إلى خدمة مصالحها الذاتية. في مواجهة الهجمات الأمريكية المتكرّرة في عملية التحديث بأسلوب صيني، لا خيار أمام الصين سوى الحفاظ على ثبات استراتيجيتها، مستندة إلى دروس التاريخ والأهداف المشتركة للبشرية. من خلال تعزيز رؤية «مجتمع المصير المشترك للبشرية»، يمكن للصين تجاوز لعبة الهيمنة الصِّفرية، ودفع بناء علاقات دولية جديدة تسهم في تحقيق السلام والتنمية العالمية، ممّا يضفي مزيداً من الاستقرار على النظام الدولي.

1208-14

مواجهة «عِلّة باومول»

في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، قامت الولايات المتحدة بنقل الصناعات كثيفة الموارد والعمل إلى الخارج، ما أدى إلى انخفاض وظائف التصنيع وتحول العمالة إلى قطاع الخدمات.
ما يصطلح على تسميته «علة باومول/Baumol›s Disease»، التي صاغها الاقتصادي الأمريكي ويليام جاك باومول، وتشير إلى التحول الكبير في العمالة من القطاعات ذات الإنتاجية العالية مثل التصنيع، إلى القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة مثل الخدمات، ممّا يؤدي إلى مشكلات اقتصادية.
شهدت الصين في السنوات الأخيرة تطوراً سريعاً في قطاع الخدمات، مع انتقال أعداد كبيرة من العمالة إليه، مما أثار المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى «علّة باومول»، وتأثيره السلبي على تحديث الصناعات. هناك مؤشرات رئيسية لـ«علة باومول»، منها اتساع فجوة الإنتاجية بين القطاعات: الإنتاجية في قطاع الخدمات أقل بكثير من إنتاجية القطاع الصناعي. في عام 2015، كانت إنتاجية العمل في قطاع الخدمات تعادل 68.7% حسب الأسعار الثابتة «الأسعار الاسمية»، و87.5% حسب الأسعار الجارية «الأسعار الفعلية».
مع النمو السريع في الناتج الإجمالي لقطاع الخدمات، ارتفعت تكاليف التشغيل فيه بشكلٍ حادّ، لا سيّما أجور العمالة. بين عامي 2009 و2021، ارتفع متوسط الأجور السنوية للموظفين في الوحدات غير الموجودة بالمناطق الحضرية من 32,244 يوان إلى 106,837 يوان، بمعدَّل نموٍّ سنوي بلغ 10.50%.
بحلول عام 2021، بلغ عدد العاملين في قطاع الخدمات في الصين 35.868 مليون شخص، وهو ما يمثل 48.0% من إجمالي عدد العاملين في البلاد، بزيادة قدرها 11.9% مقارنة بعام 2012. في الوقت نفسه، شهدت قطاعات الصناعة الأولية والثانوية انخفاضاً عاماً في أعداد العاملين.
من خلال دراسة هذه البيانات، يمكننا بشكل عام تأكيد وجود «علة باومول» في الصين. لكن لا يمكن الجزم بأن الصين ستقع حتماً في مأزق «علة باومول»، إذ إنّ هذا التحدّي يمكن مواجهته بحلول استراتيجية.
يمكن التصدِّي لـ«علّة باومول» عبر بناء نظام صناعي حديث، والتركيز على الاقتصاد الحقيقي كأولويّة لتطوير الاقتصاد، وتعزيز التكامل العميق بين الصناعات التحويلية المتقدِّمة وقطّاع الخدمات الحديثة، ودمج الاقتصاد الرقمي مع الاقتصاد الحقيقي لتحقيق تكامل شامل. تُعَدُّ هذه الإجراءات الوسيلة الأساسية لعكس آثار «علّة باومول»، حيث إنّها: تُعزِّز التحوَّل الصناعي، وتُرسِّخ الأساسَ الصناعي لتَقَدُّمِ التحديث بأسلوبٍ صيني.

فخ كيندلبرغر

في عام 1973، طرح الاقتصادي الأمريكي تشارلز كيندلبرغر فكرةً مفادها أنّ الولايات المتحدة، باعتبارها قوة صاعدة في ذلك الوقت، فشلت في أنْ تحلّ محلَّ بريطانيا كدولة مهيمنة تتولّى مسؤولية الحَوكَمة العالمية، مما أدى إلى الركود الاقتصادي والحرب العالمية. لاحقاً، اختصر الباحثون هذا المفهوم باسم «فخ كيندلبرغر».
يشهد العالَم اليوم تحولات غير مسبوقة منذ مئة عام. خلال السنوات الخمس المقبلة، قد تصطدم الصين بتحدِّيات «فخّ كيندلبرغر»، المتمثِّلة في: غياب المُنتجَات العامة العالمية «أي عدم توفر أو كفاية السلع والخدمات التي تُعتبر منتجات عامة على المستوى العالمي، مثل نظام ماليّ عالمي، والأمن العالمي، والتغير المناخي، والصحة العامة العالمية»، وكذلك انهيار أنظمة الحوكمة العالمية، ممّا يؤدّي إلى ظاهرة «عالَم الغابة». وأيضاً الارتفاع الحاد في تكاليف الحماية على المستويات كافة.

لحظة مينسكي

«لحظة مينسكي»، التي سُميت تيمّناً بالاقتصادي الأمريكي هايمان مينسكي، تصف اللّحظة الحرجة التي يحدث فيها انهيارٌ ماليّ نتيجة لانفجار فقاعة أسعار الأصول. يرى مينسكي أنّ العوامل المالية ليست مجرد مضخّمات للتقلبات الاقتصادية، بل هي السبب الداخلي والجوهري لهذه التقلّبات. بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، عادت أفكار مينسكي إلى الواجهة.
منذ بدء الإصلاح والانفتاح عام 1978، تمكّنت الصين من الحفاظ على نظام اقتصادي مستقرّ نسبياً، وحققت ما يُعرف «بالمعجزة الصينية». لم تقتصر هذه المعجزة على النمو السريع والثابت للاقتصاد، بل تضمنت تجنب الأزمات المالية الدورية التي عصفت بدولٍ أخرى. خلال عملية التوسُّع السريع في القطاع المالي، لم تواجِه الصين أزماتٍ ماليّة كبرى مثل تلك التي شهدتها دول أخرى.
لكنْ تواجه الصين اليوم تحدّيات للحفاظ على استقرارها، منها العالمية: الركود والتضخم العالمي عقب جائحة كوفيد-19 وتصاعد النزاع الروسي-الأوكراني. تقلّب أسعار الأصول العالمية وزيادة مخاطر الديون والعملات في الاقتصادات الناشئة. إفلاس بعض المؤسسات الكبرى مثل بنك وادي السيليكون، مما يزيد من عدم الاستقرار العالمي.
وعلى الجانب المحلّي: الارتفاع السريع لنسبة الدين العام، وزيادة انكشاف مخاطر ديون الأسر، والديون الخفيّة المرتفعة للحكومات المحلّية، خاصة تلك المرتبطة بسوق العقارات والأراضي.
ورغم أنّ الابتكار المالي في الصين وفَّر قنواتٍ جديدة للتمويل، إلّا أنّ الأنماط الجديدة للمعاملات والتحوُّط قد أضافتْ أنواعاً جديدة من المخاطر. قد تتداخل هذه المخاطر مع المخاطر القديمة، ممّا يزيد من عدم استقرار النظام المالي ويقرِّبُ الصين من مواجهة «لحظة مينسكي».
تتطلّب مواجهة تحدّيات «لحظة مينسكي» بناءَ نظامٍ ماليٍّ حديث وشامل. يُعَدُّ هذا النظام أساسياً لاستمرار المعجزة الصينية وتحقيق تحديثٍ اقتصادي عالي الجودة. يتطلّبُ بناءُ هذا النظام اجتيازَ عقبتَين رئيسيَّتَين: السيطرة على المخاطر، عبر وضع خطوط فاصلة لمنع الأزمات. وتعزيز الاقتصاد الحقيقي، عبر ضمان استفادة الاقتصاد الإنتاجي من النظام المالي.

فخُّ روسّو

يشير مفهوم فخّ روسّو إلى الصراع بين «الإرادة الخاصة»، وهي مصالح المجموعات الصغيرة التي تتكوَّن من الأفراد، و«الإرادة العامّة» المعبِّرة عن مصالح الشعب ككل. في الدول الغربية، هناك وجود شائع لتعارض كبير بين «الإرادة الخاصة» و«الإرادة العامة». حيث تسعى «الإرادة الخاصة» دائماً إلى تعزيز قوتها وتوسيع نطاقها لتحقيق أقصى استفادة على حساب «الإرادة العامة».
يمكن إرجاع أسباب ظهور «فخّ روسو» إلى ظهور الملكية الخاصة. بمعنى آخر، الملكية الخاصة هي العامل الرئيسي وراء هذا الفخ. في السنوات الأخيرة، أصبح «فخ روسو» قضية تثير قلقاً واسعاً، حيث يخشى البعض من أن تقع الصين، مثل الدول الرأسمالية الغربية، في هذا الفخ، مما قد يؤثر سلباً على تقدم التحديث بأسلوب صينيّ.
لكنْ لماذا لن تقع الصين في «فخّ روسو»؟ أوّلاً بسبب الملكية العامّة، ففي النظام الاشتراكي، تحتلُّ الملكية العامة مكانةً رئيسية، مما يضمن أنَّ الدولة تمثّل دائماً المصالحَ الأساسية للشعب. في الصين، «الإرادة العامة» لن تُستبدَل بـ«الإرادة الخاصة». فتوجيه الملكية الخاصة ينطوي على تطور الاقتصاد الخاص في الصين ضِمن ضوابط صارمة وإرشادات واضحة. كما يعمل الاقتصاد الخاص الصيني ضمن إطار الاقتصاد الاشتراكي، ويأخذ طابعاً اشتراكياً يخدم التنمية العامة بسبب الضوابط الكثيرة المفروضة عليه.
بناءً على ما سبق، يمكن استخلاص أنّ الصين لن تواجه «فخ روسو» أو تَحوُّل المصالح إلى مجموعات ضيقة ناتجة عن الملكية الخاصة. فـ«الإرادة العامة» في الصين تمثّل تجاوزاً للديمقراطية التقليدية كما طرحها روسّو. يحدث هذا التجاوز من خلال الإطار الاشتراكي، حيث تلتزم الصين بمبدأ «الثبات على اثنين دون تردُّد»: دعم الملكية العامّة والاقتصاد العام، وتوجيه المصالح الخاصَّة لخدمة أهداف التنمية الاشتراكية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1208