عندما يحاول الغرب المعاقبة.. يجمع بين أعدائه فيزدهرون
في حديث خاص مع «موقع المراقب» الصيني، عبّر ديمتري ريفا، خبير السوق الاستهلاكية الروسي، عن آرائه حول مستقبل التعاون بين روسيا والصين، مؤكّداً امتلاك البلدين إمكانيّات هائلة لتعزيز الشراكة الاقتصادية، رغم التحديات التي يفرضها الغرب. وأشادَ ريفا بالمسار الذي تسلكُه الصّين نحو تطوير اقتصادها، معتبراً أنها حققت نقلة نوعية في العقود الأخيرة وأصبحت نموذجاً يُحتذى به في مواجهة الضغوط الغربية، مع التركيز على التكنولوجيا والاستثمار في المجالات الاستراتيجية.
ترجمة: عروة درويش
- تُظهر البيانات أنه في العام الماضي، حققت روسيا الاكتفاء الذاتي الكامل في إنتاج البطاطا، في حين تجاوزت نسبة الاكتفاء الذاتي في اللّحوم والأسماك 100%. قد تبدو هذه البيانات عادية، لكنها تحمل أهمية كبيرة. نحن نعلم أنه منذ اندلاع الصراع بين روسيا و«أوكرانيا»، تواجه روسيا عقوبات شاملة من الغرب. من هذا المنطلق، هل يمكنكم تفسير كيف تمكنت روسيا من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي منذ بداية الصراع؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها لتحقيق ذلك؟
إلى جانب أصناف الغذاء التي ذكرتموها، حققت روسيا اكتفاءً ذاتياً شبه كامل في إنتاج البيض، السكر، القمح، الحبوب، والخضروات، كما تعمل بنشاط على تطوير زراعة الخضروات في البيوت الزجاجية. وفيما يتعلق بتصدير القمح وزيت عباد الشمس والأسمدة المعدنية، لا تزال روسيا تحتل مكانة رائدة على مستوى العالم. وهذه النقطة مهمة للغاية لأنها تسهم في ضمان الأمن الغذائي العالمي.
في مجال إنتاج الأسمدة، تحتل روسيا المرتبة الثانية بعد الصين، وقد تجاوزت الولايات المتحدة والهند في السنوات الأخيرة، مع نمو مستمر بمعدل 10% سنوياً. أما بالنسبة للحوم والسكر، فقد ارتفع إنتاجهما في السنوات الأخيرة بمقدار أربعة أضعاف. تنتج روسيا نحو 17 مليون طن من اللحوم بوزن الذبح سنوياً، ما يجعلها تتجاوز الهند وتحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث الإنتاج.
يجب أن نعلم: في عام 1999، كان إنتاج روسيا من اللحوم بوزن الذبح يبلغ فقط 4.3 مليون طن، وكان 70% من هذا الإنتاج يعتمد على الواردات، خاصة من الدواجن الأمريكية التي كانت تُعرف باسم «سيقان بوش». كان هذا نتيجة لتفكك الاتحاد السوفييتي، وانهيار الروابط التعاونية، والأزمة الاقتصادية الشاملة.
في تسعينيات القرن الماضي، شهدت روسيا انكماشاً اقتصادياً تجاوز ما عانته خلال الحرب العالمية الثانية. بعد انخفاض قيمة الروبل عام 1998، بدأ الإنتاج الزراعي الروسي يصبح مربحاً. ومع ارتفاع أسعار النفط في أوائل القرن الحادي والعشرين، استخدمت روسيا جزءاً من عائداتها لاستعادة القطاع الزراعي، من خلال فرض رسوم جمركية وحصص استيراد لحماية السوق المحلية، بالإضافة إلى توفير تمويل ميسَّر ودعمٍ موجَّه إلى القطاعات المستهدفة، مما ساهم في إنعاش الزراعة الروسية.
تُعزى الإنجازات الحديثة إلى المشاريع الوطنية الأولى التي نُفذت منذ عام 2007 وما بعده. فقط في قطاع اللحوم، تم إنشاء آلاف الشركات الجديدة، وظهرت شركات زراعية ضخمة تمتلك مئات الآلاف من الهكتارات، وتحقق عائدات تصدير بمليارات الدولارات.
بعد اندلاع أزمة «أوكرانيا» عام 2014، وتصاعد الصراع بين روسيا والغرب، بدأت روسيا في تنفيذ سياسات إحلال الواردات بشكل مكثف. وقد أُطلقت خطط وطنية جديدة لدعم هذا التوجه. وخلال ثماني سنوات، تمكنت روسيا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع أنواع الأغذية الأساسية.
ركزت روسيا على المنتجات قصيرة العمر الافتراضي، لأنها أكثر صحة وتلقى قبولاً أكبر من المستهلكين. على سبيل المثال، يُعتبر الدجاج الروسي الطازج أكثر صحة من الدجاج الأمريكي المجمد، الذي يستغرق شهراً للوصول إلى روسيا عبر البحر، ما يؤثر على جودته. كما توسعت شبكات البيع بالتجزئة الروسية، مثل Magnit وPyaterochka وLenta، مما ساعد المنتجين على نقل بضائعهم إلى مراكز توزيع هذه الشركات ومن ثم توزيعها في جميع أنحاء البلاد، مما ساهم في حل مشكلات اللوجستيات.
- منذ اندلاع الصراع بين روسيا و«أوكرانيا»، وجّه الغرب اتهامات لروسيا بأنها تهدد الأمن الغذائي العالمي. لكن البيانات تشير إلى أن صادرات روسيا من الحبوب في موسم 2023/2024 تجاوزت 89 مليون طن، بزيادة 21% عن الموسم السابق، وشملت زيادة في صادرات دقيق القمح، والشوفان، والجاودار، والحبوب السوداء، ووجبات عباد الشمس، وبذور الخردل. كيف تقيّمون هذه الاتهامات والعقوبات الغربية ضد روسيا؟
هناك مثل روسي يقول: «عندما يسرق أحدهم شيئاً، فإن من يصرخ (أمسكوا السارق) بأعلى صوت هو السارق نفسه». وإذا لم أكن مخطئاً، لدى الصين أيضاً مثل مشابه. خلال السنوات الثلاث الماضية، زادت صادرات روسيا الغذائية إلى العالم بنسبة 25%. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت صادرات الأسمدة المعدنية الروسية بنسبة 25%، مما يجعل روسيا أكبر مصدر للأسمدة في العالم، بحصة 25% من إجمالي الواردات العالمية. وتشمل هذه الصادرات دولاً مثل البرازيل، والهند، وحتى الولايات المتحدة.
الحديث شيء، لكن الأعمال التجارية شيء آخر. فالولايات المتحدة تختار دائماً المصدر الأكثر اقتصاداً لتلبية احتياجاتها، بينما تلتزم دول أوروبا التابعة لها بالعقوبات التي تدمّر اقتصاداتها.
إلى جانب ذلك، تصدّر روسيا بنشاط منتجات اللحوم، ومنتجات الألبان، والحلويات إلى مختلف أنحاء العالم. ولم تعد هذه مجرد مواد خام، بل منتجات معالجة ذات قيمة مضافة عالية، وتُقدَّر عائداتها بمليارات الدولارات.
- حالياً، تواجه كلٌّ من روسيا والصين سوقاً غربياً وأوروبيّاً لم يعد ودّياً. أوروبا فرضت مؤخَّراً رسوماً جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، وردّت الصين بإجراءات مضادّة تشمل لحم الخنزير والبراندي الأوروبي. هل يمكن أن تتحول احتياجات الصين من هذه المنتجات الزراعية إلى السوق الروسي مستقبلاً؟ أو بعبارة أخرى، كيف يمكن للصين وروسيا التعاون والتكامل في مواجهة العقوبات الغربية؟
هناك مثال جيد للتفاعل بين بلدينا في مجالات متخصصة مثل سوق السيارات. عندما انسحبت جميع شركات تصنيع السيارات الغربية من روسيا، ظهر فراغ في السوق، الذي تبلغ قيمته أكثر من 50 مليار دولار سنوياً. شركات تصنيع السيارات والشاحنات الصينية استفادت بشكل ممتاز من هذه الفرصة، وأصبحت إلى جانب المكسيك قادة عالميين في إنتاج السيارات.
في المقابل، جميع شركات السيارات الأوروبية أصبحت على وشك الإفلاس. فقد استثمرت في السوق الروسية على مدى 30 عاماً، وأنفقت مليارات الدولارات على الإنتاج والترويج، لكنها فقدت كل هذه الجهود خلال عامين فقط. هذا مثال رائع على كيفية مقاومة روسيا للعقوبات.
- في منتدى الشرق الاقتصادي الذي عُقد في أيلول هذا العام، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أهمية تطوير منطقة الشرق الأقصى لمستقبل روسيا، معتبراً أن تنمية هذه المنطقة ستعزز مكانة روسيا العالمية. من منظور التنمية الزراعية، ما هي مزايا ونقاط ضعف منطقة الشرق الأقصى؟
الشرق الأقصى هو أكبر منطقة في روسيا، وتتمتع بموارد غنية للغاية، وهو ما يُعدّ الأهم. على سبيل المثال، في مجال معالجة الأسماك، يمكننا بناء مصانع معالجة، وتطوير تربية الأحياء المائية، وتربية الأسماك في المياه البحرية الباردة، وهو ما يُعدّ ميزة كبيرة. جزر سخالين، ومنطقة بريمورسكي كراي، وكامتشاتكا هي مناطق مثالية لتربية الأسماك، وكل ما نحتاجه هو البدء بالاستثمار وتصدير المنتجات إلى الصين. كما تتمتع منطقة الشرق الأقصى ببنية تحتية متطورة في الموانئ، وخاصة ميناء فلاديفوستوك الذي يُعدّ البوابة الرئيسية للمنطقة.
الأراضي الزراعية: تنتظر الأراضي الزراعية في المنطقة التطوير، مثل مستودع الحبوب في مقاطعة آمور، الذي يضم نحو 1.6 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والتربة الخصبة. تحتوي هذه المنطقة على ثلاث محطات لتوليد الطاقة الكهرومائية، والرابعة قيد الإنشاء. الطاقة هنا رخيصة، والتربة خصبة، والمناخ ملائم، حيث يُنتج نحو 40% من فول الصويا في روسيا من هذه المنطقة. كما توجد قدرات كبيرة لتحويل فول الصويا إلى زيت، مع مصانع إنتاج غذائي تقع على بُعد كيلومترات قليلة فقط من الحدود الصينية.
التحديات: من أبرز نقاط الضعف في الشرق الأقصى نقص الأيدي العاملة، والمناخ القاسي نسبياً، والبنية التحتية الضعيفة «التي تتحسن تدريجياً»، كما أن المنطقة لم تَستكمل بعد عملية توصيل الغاز الطبيعي.
- هناك بعض القصص التي تُروى عن «تهديد صيني» في تطوير منطقة الشرق الأقصى، مثل مزاعم بأن المهاجرين الصينيين أو التكنولوجيا الصينية قد تُشكل تهديداً للمنطقة. هل سمعتم عن هذه الادعاءات؟ وما هي الحقيقة؟ وكيف يمكن للصين وروسيا التعاون في تطوير منطقة الشرق الأقصى؟
هذه الادعاءات غير صحيحة تماماً. نحن لا نشعر بأيّ قلق بشأن «تهديد» من المستثمرين أو التكنولوجيا الصينية، بل على العكس، نحن نتطلع إلى استقبال المستثمرين الصينيين للاستثمار في مشاريع جاهزة ومربحة للغاية بالنسبة لهم.
أنت محق في القول إنّ الصين تمتلك التكنولوجيا والموارد، بما في ذلك الموارد المالية، بينما نحن بحاجة إلى هذه الإمكانيات ولدينا مشاريع استثمارية جاهزة. أنا شخصياً جئت من جنوب روسيا إلى منطقة الشرق الأقصى، ولم أرَ أي تهديد كما يُزعم.
عدد السياح بين روسيا والصين في تزايد، وأرى أنَّ شعبي البلدين سيظلان دائماً إخوة. هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة. مع ذلك، يقتصر التعاون التجاري بين روسيا والصين حالياً على تصدير روسيا للمواد الخام إلى الصين «مثل النفط، الغاز، الفحم، الذهب، الأخشاب، الأسماك، الأسمدة، والمنتجات الزراعية»، واستيراد روسيا للمعدات، الآلات، السلع الاستهلاكية، والأجهزة المنزلية من الصين. عدد المشاريع المشتركة في مجالات مثل المصانع، المزارع، مشاريع تكنولوجيا المعلومات، وغيرها لا يزال قليلاً جداً.
لهذا السبب، نحن ننتظر المستثمرين النشطين ونسعى لتقديم كل المساعدة الممكنة لهم. وعادةً ما يحقق المستثمرون الأوائل أرباحاً كبيرة. في كل مشروع تقريباً، يتم تعيين مسؤول حكومي روسي برتبة نائب رئيس وزراء كضامن رسمي لضمان نجاح الاستثمار.
في منطقة الحدود بين مدينتي بلاغوفيشينسك وهِيخِه هناك أول جسر يربط بين الصين وروسيا. في رأيي، إذا تم تنفيذ مشروع «مدينتان-دولة واحدة»، فسيصبح نموذجاً عالمياً يحتذى به. عندما يتمكن سكان المدينتين من التنقل بحرية بينهما دون الحاجة إلى تأشيرات، سواء للتسوق، الاستثمار، تناول الطعام، الدراسة، أو حتى تلقي العلاج الطبي، فإن هذا سيشكل مثالاً فريداً على التعاون الحدودي والتنمية المشتركة بين الدول.
- وفقاً لما أعلم، فإن التعاون الزراعي بين الصين وروسيا قد بدأ بالفعل بخطوات عملية محددة، مثل تبادل الخبراء التقنيين، والتعاون في مجال تحسين السلالات، وإجراء أبحاث السوق. هل يمكنكم تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه الجهود؟ وما هي النتائج المتوقعة مستقبلاً؟
بالطبع، هناك جهود متواصلة لدراسة الأسواق في كلا البلدين، كما تم تشكيل عدة مجموعات عمل على المستويين الإقليمي والمحلي لتسهيل التصدير وتسريع تنفيذ المشاريع المشتركة.
يعمل جهاز الرقابة الفيدرالي الروسي للطب البيطري والصحة النباتية بشكل وثيق على فحص الشركات الروسية التي تصدر إلى الصين، كما يحافظ الجانبان على تواصل مستمر بين الجمارك. نحن أيضاً نساعد رجال الأعمال الصينيين في حل مشكلات تتعلق بالإجراءات التجارية بسرعة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فإن غرفة التجارة والصناعة الروسية تقوم بعمل جيد، وهناك تعاون فعال بين مركز التصدير الروسي وحكومات المناطق الحدودية.
لا أستطيع التنبؤ بالنتائج النهائية، لكنني آمل أن يتم تسريع التنسيق التشريعي، وأن نصل بسرعة إلى حالة مثالية يتم فيها إلغاء الحواجز الجمركية وزيادة الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة. ومع ذلك، تظل مسألة المدفوعات هي التحدي الأكبر، والوضع يزداد سوءاً؛ فقد بدأ حجم التجارة بين البلدين في التراجع. العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة تُثير مخاوف البنوك الصينية، مما يجعلها تخشى التعرض للعقوبات، وبالتالي ظهرت مشاكل في تحويل الأموال المرتبطة بالتجارة.
للأسف، هذا هو الوضع الراهن؛ العدو المشترك يعوق التجارة بين البلدين. نحن نفهم أن الصين تصدر إلى العالم بأسره، والتجارة مع روسيا تحمل بعض المخاطر بالنسبة للصين. لكننا نعتقد أنه إذا طرحت الشركات الصينية مطالب واضحة، فسيجد الجانب الصيني الحكومي طريقة للتغلب على هذه التحديات.
- ما مدى تفاؤلكم بشأن مستقبل الاقتصاد الصيني؟
خلال الـ35 عاماً الماضية، شهدت الصين تغييرات جذرية، حيث نما اقتصادها أضعافاً مضاعفة.
لقد تفوقت الصين بالفعل على الولايات المتحدة في العديد من المؤشرات الصناعية، وهي تُعدّ أكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية. ومع ذلك، إذا قارنا بالأسعار الاسمية، فإن مقارنة تكلفة حلاقة الشعر بـ40 يواناً في الصين مقابل 1000 دولار في الولايات المتحدة لا تعطي صورة دقيقة. بالطبع، لا يزال أمام الصين مجال كبير للتقدم في التكنولوجيا، مثل صناعة أشباه الموصلات، وتصنيع الرقائق، والطيران المدني، وبرمجيات الكمبيوتر.
أما نحن، فقد اخترنا طريق «الديمقراطية والسوق الحرة»، ورفضنا التخطيط والتنظيم السوقي. وقعنا في فخ الحيل الغربية مثل حرية التعبير وما إلى ذلك، وصدّقناها.
النتائج بعد عام 1990 واضحة للجميع. الآن، نحن نحاول إعادة بناء الاقتصاد وتطويره، بينما يحاول الغرب منعنا باستخدام الحروب والعقوبات. نحن هنا أمام خيار واحد فقط: إما أن نحقق النصر، أو أن تنفجر حرب نووية تُنهي تاريخ البشرية. لذلك، أرى أن الصين تسير على الطريق الصحيح.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204