الجمعية الطبية الأمريكية.. نعم لوقف الحرب في أوكرانيا وليس في غزة!
أفاد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر IFRC أنّ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني «تعتني بمئات الأشخاص الجرحى والمرضى وطريحي الفراش لفترات طويلة في مشفى القدس». وقال الاتحاد «إن إجلاء المرضى، بما في ذلك أولئك الموجودين في العناية المركزة، والموجودين على أجهزة دعم الحياة، والأطفال في الحاضنات، أمر مستحيل أو شبه مستحيل في الوضع الحالي». وأشار الاتحاد أيضاً إلى أن هذا المستشفى وغيره من المستشفيات والبعثات الطبية والعاملين في المجال الطبي «محميون بموجب القانون الإنساني الدولي»: المادة 19 من اتفاقيات جنيف لعام 1949: «لا يجوز بأيّ حال من الأحوال مهاجمة المنشآت الثابتة والوحدات الطبية المتنقلة التابعة للخدمات الطبية، بل يجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات من قبل أطراف النزاع». كما تنصّ القاعدة 25 من القانون الدولي الإنساني «يجب احترام وحماية العاملين الطبيين المكلفين بواجبات طبية حصرياً في جميع الظروف».
ترجمة: قاسيون
في اليوم التالي، ذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في 11 تشرين الثاني 2023 أنّ الدبابات «الإسرائيلية» كانت على مسافة عشرين متراّ من مستشفى القدس، ثاني أكبر مستشفى في مدينة غزة. وأفادوا أن هناك «إطلاق نار مباشر على المستشفى، مما خلق حالة من الذعر الشديد والخوف بين 14000 نازح». كان العديد من القتلى من العاملين في المجال الطبي. تحتفظ مجموعة تُدعى «مراقبة العاملين في مجال الرعاية الصحية - فلسطين»، والتي تمّ تشكيلها في تشرين الثاني 2023، بقائمة لأسماء العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة الذين قُتلوا في الهجمات «الإسرائيلية» وهم 226 قتيلاً معروفاً في الفترة من 7 تشرين الأول حتى 13 تشرين الثاني فقط.
تبرز عبارتان متشابهتان في كل من المادة والقاعدة «لا يجوز سحب الحماية بأي حال من الأحوال»، ويجب حماية العاملين في المجال الطبي «في جميع الظروف». وينطبق القانون الإنساني على جميع أنحاء العالم وعلى جميع الصراعات. وهذا ما نصت عليه الآن معاهدة روما التي تمثل الأساس القانوني للمحكمة الجنائية الدولية. تنص معاهدة روما على أنها جريمة حرب إذا قام الجيش «بتعمد توجيه هجمات ضد المباني، بما في ذلك المستشفيات والأماكن التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى». هناك استثناء واحد «شريطة ألّا تكون أهدافاً عسكرية». ومن خلال الادعاء بأن المستشفيات تقع فوق أنفاق حماس، يزعم «الإسرائيليون» أنّ البنية التحتية الطبية بأكملها في غزة هي هدف عسكري. وهذه طريقة ملائمة للالتفاف على الأحكام المطلقة للقانون الدولي الإنساني.
وكما كان متوقّعاً، فقد قامت آلة الدعاية «الإسرائيلية» ببث صور لجنود الجيش «الإسرائيلي» في الأنفاق تحت المستشفيات المدمرة وهم يحملون بنادق وأسلحة. ولم يكن ينقصهم سوى نسخ من كتاب كفاحي كي يبرروا الصور المروعة الحقيقيّة لأطفال يموتون. إنّ محاولات تبرير قتل العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى الذين كانوا يعتنون بهم لن تصمد أمام القانون الدولي الإنساني. لدى «إسرائيل» تاريخ موثّق من قصف المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية في غزة، وأي طبيب على دراية بجودة رعاية المرضى وسلامتها سيصر على إنشاء مساحات تحت الأرض لإجراء رعاية المرضى بعيداً عن شظايا هذه الضربات الجوية.
بأيّ ثمن؟
في 11 تشرين الثاني، عقدت الجمعية الطبية الأمريكية AMA اجتماعاً لمجلس مندوبيها أثناء وقوع هذه الأعمال الفظيعة. عندما حاول أكثر من 135 طالب طب وطبيباً يتدربون في AMA إجراء مناقشة حول قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، قامت إدارة AMA بإسكاتهم. قال أولئك الذين أيدوا الجهود إنّ هناك «جهداً منسقاً في الاجتماع الوطني لمنع القرار، مع عدم سماح رئيس الجمعية للمندوبين بـ 90 ثانية مخصصة لهم للتحدث عن القرار». وقالت AMA أن هذا القرار «ليس له صلة بالدعوة». كتب الطاقم الطبي الذي صاغ القرار «تقع على عاتق AMA مسؤولية دعم سلامة العاملين في مجال الرعاية الصحية وتقليل المعاناة الإنسانية، ومن الواضح أن هذه القيم لا يتم دعمها من قبل بعض الأطباء الأكثر نفوذاً في العالم وفي البلاد، ولا يتم احترام العملية الديمقراطية».
يتناقض هذا بشكل صارخ مع الموقف الرسمي لـ AMA بشأن أوكرانيا في عام 2022، عندما ألقوا بثقلهم المؤسسي وراء الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار و«إنهاء الهجمات الروسية على العاملين في مجال الرعاية الصحية ومرافق الرعاية الصحية، مع التأكيد على أن المساعدات الإنسانية والإنسانية الدولية يجب أن تكون خاضعة لقوانين حقوق الإنسان وسليمة، ويجب حماية أرواح المدنيين والعاملين في المجال الطبي بأي ثمن».
قبل أيام قليلة من اجتماع مجلس المندوبين، نشرت المجلة الرئيسية لـ AMA مقالاً بقلم الدكتور ماثيو وينيا من مركز الأخلاقيات الحيوية والعلوم الإنسانية بجامعة كولورادو والرئيس المشارك لفريق عمل AMA، جاء فيها، على المتخصصين في مجال الصحة والحرب في الشرق الأوسط اتباع ثلاث نقاط لا يرقى إليها الشك، أولاً، يجب على العاملين في مجال الصحة إدانة التجريد من الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية. ثانياً، يجب على العاملين في مجال الصحة أن يعارضوا بقوة معاداة السامية والكراهية ضد المسلمين. ثالثاً، يتحمل العاملون في مجال الصحة مسؤوليات خاصة للتحدث علناً ضد جرائم حرب معينة. ونحن نتفق مع كل هذه النقاط الثلاث، بما في ذلك الشعور الأخير للدكتور وينيا: «في زمن الحرب، يجب أن تظل مهنتنا التجسيد الحي للأوامر الدينية التي تقضي بمعاملة كل حياة على أنها مقدسة، لأن إنقاذ حياة واحدة يعني إنقاذ الحياة بأكملها».
على هذا لم يكن من المثير للجدل أن تقوم AMA بتمرير قرار يطالب بوقف إطلاق النار. ففي نهاية المطاف، من شأن وقف إطلاق النار أن يسمح لزملاء وينيا من العاملين في المجال الطبي بالقيام بعملهم دون خوف من القصف، وسيوقف قتل المدنيين، وسيسمح بالتحقيق في الهجمات على المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي. إذا كانت «كل حياة مقدسة»، فيجب على الهيئة الطبية أن تنضم إلى الدعوة لمنع المزيد من الخسائر في أرواح الأبرياء. لكن هذا ليس ما حدث في اجتماع AMA، الذي يشير رفضه فتح الباب للمناقشة حول قرار وقف إطلاق النار إلى النهج المعاكس.
إنّ القراءة الدقيقة لمقالة الدكتور وينيا تظهر لماذا قرر الأطباء عدم السماح حتى بمناقشة وقف إطلاق النار في غزة. كتب الدكتور وينيا: «إن المهنيين الصحيين ذوي النوايا الحسنة والذين لديهم نفس القدر من الالتزامات القوية بحقوق الإنسان لديهم مواقف مختلفة حول هذه المسألة، وهو ما يعكس طبيعة المسألة». من خلال تقديم النسبية الأخلاقية للمناقشة، يسمح الدكتور وينيا بالغموض حيث لا يوجد شيء - لا شيء من الناحية القانونية ولا شيء من الناحية الأخلاقية. فكيف يمكن أن يختلف «أهل الصحة» من ذوي النوايا الحسنة حول استهداف العاملين في المجال الطبي والمؤسسات الطبية، أو كيف يمكن أن يختلفوا حول قتل المدنيين، بمن فيهم الجرحى والمرضى في المستشفيات؟ إن الهجوم «الإسرائيلي» على الرعاية الصحية في غزة هو هجوم على روح مهنة الطب، التي وفرت لها الجمعية الطبية الأمريكية غطاءً ودعماً من خلال الصمت القسري. إن السبب وراء قيام الجمعية بالإدلاء ببيان صريح بشأن أوكرانيا والتزام الصمت بشأن فلسطين يثير سؤالاً مهماً، هل تدافع الجمعية الطبية الأمريكية فقط عن القضايا التي حددتها وزارة الخارجية الأمريكية أم إن هذه آراء الأطباء الذين يشكلون الجمعية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1152