الفوضى هو ما تريده الولايات المتحدة.. وغزة مجرّد حلقة
فيليبا جين وينكلر فيليبا جين وينكلر

الفوضى هو ما تريده الولايات المتحدة.. وغزة مجرّد حلقة

تذبح «إسرائيل» عشرات الآلاف، معظمهم من النساء والأطفال الفلسطينيين في غزة، دون نهاية في الأفق. أبلغت الصين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى وأدانت انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي. وفي تناقض مباشر مع الصين، ترسل الولايات المتحدة أسلحة إلى «إسرائيل». وتقول إن الدولة الصهيونية لها الحق في الهجوم دون أي حدود إنسانية، وبالتالي تجيز الإبادة الجماعية. يكشف الصدام في وجهات النظر بين القوى العظمى عن انقسام أعمق كثيراً، ودراسة السياق الجيوسياسي يمكن أن تشرح لنا جانباً آخر من الحرب على غزة.

ترجمة: قاسيون

منذ عام 2013، قامت مبادرة الحزام والطريق الصينية بتمويل وبناء البنية التحتية والطرق والموانئ وخطوط الأنابيب والطرق التجارية لتسهيل التكامل الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. تحتاج الصين إلى طرق بريّة وبحريّة آمنة لنقل النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكجزء من مبادرة الحزام والطريق، وقعت الصين شراكات إستراتيجية مع مصر والإمارات العربية المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية والجزائر. وقد استثمرت بكثافة في البنية التحتية لوسائل النقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الهدف الأساسي للصين هو ضمان الاستقرار السياسي والسلام في المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية، فإنها تنخرط في دبلوماسية حفظ السلام بالإضافة إلى التدريبات العسكرية المشتركة مع دول مثل إيران وروسيا في خليج عمان. وكان بوسع الولايات المتحدة، المدعوّة من الصين، أن تنضم إلى مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط لضمان التعاون بين البلدين. وبدلاً من ذلك، سعت واشنطن إلى إيجاد سبل لمواجهة نفوذ منافستها.
كان أحد هذه السبل هو ما تمّ الإعلان عنه في أيلول 2023. أُعلن في قمة مجموعة العشرين أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات و«إسرائيل» وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تخطط لتشكيل «ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا» (IMEC). الهدف الرئيسي لـ IMEC هو بناء طريق تجاري بديل لقناة السويس المصرية. كانت الخطة أن يربط ممر النقل IMEC الساحل الغربي للهند مع دولة الإمارات عن طريق البحر، وطريق السكك الحديدية الذي يعبر شبه الجزيرة العربية إلى ميناء حيفا. وسيتجاوز الطريق قناة السويس. كُتب في حينه: «بعد الاستحواذ على ميناء حيفا، ثاني أكبر ميناء في [إسرائيل]، من قبل كونسورتيوم تقوده مجموعة أداني الهندية، يتمّ تحويله إلى منشأة عالمية المستوى يمكن أن تكون طريقاً بديلاً، إلى جانب تحدي البصمة الصينية المتنامية في المنطقة».
كانت تلك أخباراً سيئة لمصر. في حال اكتملت، ستنخفض إيرادات قناة السويس. رفضت مصر التوقيع على مذكرة تفاهم IMEC. بينما تعتزم الصين مواصلة استخدام قناة السويس التي يبلغ طولها 193 كيلومتراً، وهي أقصر طريق من آسيا إلى أوروبا تمر عبرها 70 سفينة يومياً. وقد انضمّت مصر إلى مبادرة الحزام والطريق منذ إنشائها في عام 2013.
إنّ فكرة استبدال قناة السويس ليست جديدة. في الستينيات، طرحت «إسرائيل» خطة لبناء قناة بديلة لقناة السويس، يُطلق عليها اسم قناة بن غوريون، وتمتد من خليج العقبة إلى قطاع غزة ثم إلى البحر الأبيض المتوسط. الهدف الرئيسي الآخر «لإسرائيل»، المبين في إستراتيجيتها للأراضي البحرية، هو تطوير مياهها الإقليمية لإنتاج الهيدروكربون. يعود حقل الغاز والنفط البحري في غزة بشكل قانوني إلى السلطة الفلسطينية ولكن تسيطر عليه «إسرائيل». لكنّ الولايات المتحدة تدرك أنّ ممرّ IMEC ليس مشروعاً بديلاً عن الحزام والطريق، وأنّه مجرّد مراوغة تحاول أن تكسب من خلالها نقاطاً إعلامية. فرغم التغطية الإعلامية واسعة النطاق له، يبدو أنّ العقبات أمام إكمال مثل هذا المشروع أكبر من أن تحصى. وحتّى لو تمّ البدء فيه، فليس هناك ما يضمن للولايات المتحدة قدرته على عرقلة مشاريع الحزام والطريق الصينية.

الولايات المتحدة: إمبراطورية الفوضى

انفجر الوضع في غزة. تنظر الصين إلى الفوضى التي خلقتها الحرب باعتبارها تهديداً لممرّ مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط. ولهذا السبب يقوم المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون بجولة دبلوماسية، ويحثّ على ضبط النفس. يقول البعض بأنّ هناك مخاوف من أن يؤدي القصف المستمر على غزة إلى تأخير مشروع IMEC، ولكن نظراً لأنه في مرحلة التخطيط فقط، فلن يكون هناك أي تأثير مادي حقيقي. كما أنّ الأمر الذي يعيق المشروع ويضرّ بنجاح الممر المدعوم من الغرب هو تكلفته العالية. لهذا يتعّين على الولايات المتحدة أن تجد سبلاً لردع نفوذ الصين في المنطقة: الفوضى.
من المعروف أن الصين لا تحب الأعمال في بيئة غير مستقرة. ومن المعروف أنّ لدى الولايات المتحدة خبرة في تطبيق نظرية الفوضى الخاضعة للسيطرة عبر الثورات «الملونة». يبرز هنا سؤال، هل ترحب الولايات المتحدة بالفوضى في غرب آسيا، بما يتماشى مع طموحها المتمثل في تقويض الروابط التجارية القائمة بين الصين والمنطقة؟ في العام الماضي، أطلق حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة على الصين وصف «التحدي الأمني». واليوم، سواء كان الأمر يتعلق بغزة أو أفغانستان أو اليمن أو العراق أو سورية أو ليبيا أو أوكرانيا، تزرع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بذور الانقسام والصراع للحفاظ على موقع الهيمنة، حتى لو كان ذلك يعني الفوضى والحرب الدائمة.
من وجهة نظري، فإنّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة تعمل ضمن إستراتيجية دولية تهدف إلى خلق أكبر قدر ممكن من الفوضى. إن تغيير التحالفات، واللجوء إلى القصف في المقام الأول، واستخدام تكتيكات مثل «عدو عدوي صديقي»، هي ردود فعل غير محسوبة قصيرة المدى تشير إلى اللاعقلانية والافتقار إلى الحكم. وغالباً ما تكون النتيجة رد فعل سلبي، كما رأينا مع الدعم الأمريكي لصدام حسين، والجهاد الأصولي الأفغاني في الثمانينيات، وجيوش المتطرفين في سورية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن وبشكل مفاجئ، فإنّ هذه العواقب «غير المقصودة» لا تثير قلق صناع السياسات في الولايات المتحدة. إنهم بالكاد يعترفون بملايين الأرواح التي فقدت في حروب الولايات المتحدة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية، وعندما تواجه النخب الحاكمة الغربية العواقب المترتبة على أفعالها القاتلة، فإنها تهز أكتافها. هذا هو سلوك المرضى النفسيين.
أياً كان رأيك في السياسات الداخلية التي تنتهجها الصين، فهناك أمر واحد واضح، وهو أنها لا تغزو بلداناً أخرى. وهي تعمل كوسيط في الفضاء الدولي، فقد توسطت مؤخراً في اتفاق بين العدوين اللدودين، المملكة العربية السعودية وإيران. ويحاول مبعوث الصين يائساً تجنّب توسيع الحرب على غزة من خلال الدبلوماسية وعدم السماح للفوضى بالانتشار. كما أنّ هناك إشارة أخرى إلى عزمها الوقوف بحزم ضد إمبراطورية الفوضى.
في 14 تشرين الأول، نشرت الولايات المتحدة سفناً حربية وأسلحة في البحر الأبيض المتوسط استجابة للأزمة. ثمّ في 23 تشرين الأول، أرسل جيش التحرير الصيني ست سفن حربية إلى الشرق الأوسط، إلى مكان غير معلوم. تقول الصين إنّ نشر هذه القطعات العسكرية روتيني ولا علاقة له بالصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني المستمر.
فلاشة: إنّ العواقب «غير المقصودة» لا تثير قلق صناع السياسات في الولايات المتحدة إنهم بالكاد يعترفون بملايين الأرواح التي فقدت في حروب الولايات المتحدة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية

معلومات إضافية

العدد رقم:
1151
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:36