هل تتمكّن «إسرائيل» من البقاء «إسرائيل»؟
فيليبا جين وينكلر فيليبا جين وينكلر

هل تتمكّن «إسرائيل» من البقاء «إسرائيل»؟

إنّ وسائل الإعلام الرئيسة غارقة في الادعاءات الهيستيرية عن كون هجوم حماس على «إسرائيل» لم يكن مبرراً. لكن أي شخص يتجاهل السياق ويغض الطرف عن اضطهاد الفلسطينيين، فإنّ أيديه ملطخة بالدماء بقدر «الإسرائيليين». فيما يلي سياق الصراع الحالي في غزة، ولماذا تستمر «إسرائيل» في إنكار الاحتلال، مع التركيز على الاحتلال «الإسرائيلي» لقطاع غزة منذ 1967 وحتى اليوم، وفقاً للكاتبة والباحثة فيليبا جين وينكلر التي عانت من محاولات الصهاينة إسكاتها كثيراً.

ترجمة: قاسيون

احتلت «إسرائيل» قطاع غزة ووضعته تحت الإدارة العسكرية «الإسرائيلية» في عام 1967. وفي عام 2005 انسحبت القوات، ولكن احتفظت بالسيطرة على المجال الجوي لغزة وعلى مياهها الإقليمية. وفي عام 2006 فازت حماس «حركة المقاومة الإسلامية» بالانتخابات التشريعية الفلسطينية وتولت السيطرة الإدارية على قطاع غزة وبعض أجزاء الضفة الغربية. شنت حملة سياسية تقوم على مكافحة الفساد ومقاومة العدوان «الإسرائيلي». بعد الانتخابات، كتب خالد مشعل، زعيم حماس آنذاك، في مقال افتتاحي: «لن نعترف أبداً بحق أي قوة في سلبنا أرضنا وحرماننا من حقوقنا الوطنية. لن نعترف أبداً بشرعية الدولة الصهيونية التي تم إنشاؤها على أرضنا للتكفير عن خطايا شخص آخر أو حل مشكلة شخص آخر... لكن إذا كنتم على استعداد لقبول مبدأ هدنة طويلة الأمد، فنحن مستعدون للتفاوض على الشروط». لقد مدّت حماس يد السلام لأولئك الذين يرغبون حقاً في السلام المبني على العدالة.
لكن تجاهلاً ليد السلام، تمّ فرض الاحتلال «الإسرائيلي» لغزة في عام 2007 من خلال حصار بري وبحري وجوي صارم، وتمّ الحفاظ عليه باستخدام أسوار عالية التقنية والمراقبة الإلكترونية، وقمع المتظاهرين والقصف الدوري. وردت حماس بإطلاق آلاف الصواريخ على الأراضي «الإسرائيلية». يوجد حالياً 2.1 مليون شخص محتجزون في قطاع غزة، منهم 1.5 مليون لاجئ. يبلغ طول القطاع 41 كيلومتراً، وعرضه من 6 إلى 12 كيلومتراً. وتبلغ مساحته الإجمالية 365 كيلومتراً مربع. يحتل المرتبة الثالثة من حيث الكثافة السكانية في العالم. أثر نقص الكهرباء والطاقة على أنظمة الصرف الصحي لتصبح المياه غير صالحة للشرب.
وبسبب عدم القدرة على التطور بسبب القيود التجارية والتعليمية والتوظيفية، يعتمد 80٪ من السكان على المساعدات الإنسانية. يعاني 50٪ من انعدام الأمن الغذائي، و80٪ من الشباب عاطلون عن العمل. ليس أمام الشباب الفلسطيني اليائس حل سوى الانضمام إلى جماعات المقاومة والاحتجاجات. تعرض المدنيون في غزة لعمليات قصف جماعي شرسة بشكل دوري في الأعوام 2006 و2008 و2009 «23 يوماً»، وفي 2012 «8 أيام»، وفي 2014 «50 يوماً»، وفي 2021 «11 يوماً. ووفقاً للأمم المتحدة، قُتل ما يقرب من 6400 فلسطيني في الصراع في غزة منذ عام 2008، دون احتساب ضحايا الصراع الحالي.
كما تعرضت «إسرائيل» في السنوات الأخيرة إلى تقارير متزايدة تكشف عن الانتهاكات المنهجية التي تمارسها، وتدعو لإعادة الأراضي الفلسطينية إلى حدود ما قبل عام 1967. أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2023 تقريراً «يطالب [إسرائيل]، السلطة القائمة بالاحتلال، بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ويشدد على أنّ جميع الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع [الإسرائيلي] الفلسطيني ينبغي أن ترتكز على احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة». ورغم ذلك وحتّى التاسع من تشرين الأول، لقي المئات من سكان غزة حتفهم نتيجة القصف العنيف، وقال متحدث باسم «إسرائيل» بأنّهم «يحاربون حيوانات بشرية»، وبأنّهم سيمنعون عنهم كلّ شيء، لا وقود ولا كهرباء ولا طعام، ولا ماء.
لحماس كامل الحق بالدفاع عن الحياة
بعد التوغل غير المسبوق الذي قامت به حركة حماس داخل الأراضي المحتلّة هذا الشهر، قال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو إنّ البلاد في حالة حرب. يبدو أنّ الغزو وشيك، والأسئلة يتمّ طرحها اليوم عن الطريقة. آخر مرة شهد فيها الجيش الإسرائيلي قتالاً بالأيدي في غزة كان في عام 2014. ولأنه غير معتاد على القتال في المناطق الحضرية في غزة، انسحب بعد أن خسر 68 جندياً. وكانت آخر حرب برية خاضها «الإسرائيليون» في عام 1973، وقد تراجع اليوم الجيش «الإسرائيلي» كما تراجع الجيش الأمريكي من حيث القدرات، وبات خجولاً من الإصابات ويعارض القتال وجهاً لوجه. في الحقيقة إنّ «إسرائيل» اليوم واقعة في مشكلة، فهي تعتمد بشكل مفرط على القوة الجوية والطائرات بدون طيار، إضافة إلى إطلاق النار على أرجل وكواحل المتظاهرين. وهي تخشى حدّ الرعب أن يأتي حزب الله المسلح تسليحاً جيداً في لبنان لدعم حماس.
إنّ دعم الغرب «لإسرائيل» في إنكاره الاحتلال بمثابة ورقة التوت التي تكشف مدى انحياز الغرب وهشاشة ادعاءاته. في عام 2005 قال نائب رئيس الوزراء آنذاك شيمون بيريز بأنّ «إسرائيل» تسحب احتلالها العسكري بسبب «الديموغرافيا». وقد سمح الانسحاب «الإسرائيلي» للكيان برمي 1.4 مليون فلسطيني كانوا يعيشون هناك والادعاء بأنّ الأغلبية اليهودية الشاملة ستعود إلى ما يصل إلى 57٪. وفي ظل الاحتلال سيتم تصنيف الفلسطينيين إمّا كمقيمين أو مواطنين في «إسرائيل». واليوم، إذا ما أحصينا الأراضي المحتلة، فإنّ 50٪ من سكان «إسرائيل» سيكونون من الفلسطينيين، وهو الأمر المرعب بالنسبة للصهاينة، حيث يتعارض مع الهدف المعلن من «دولة يهودية» ويقوض الأساس لوجود دولة «إسرائيل».
لهذا تنفي «إسرائيل» احتلالها للأراضي الفلسطينية. ويشير إلى السلطة الفلسطينية بدلاً من ذلك. وتشير الأمم المتحدة ومعظم الدول إلى «الأراضي الفلسطينية المحتلة»، والولايات المتحدة، حليفة «إسرائيل»، ترفض ذلك. إنّ لعنة «إسرائيل» ومجموعات الضغط التابعة لها في الغرب على أي إشارة إلى احتلالها لأراضي الفلسطينيين وصلت إلى حد أنّ مجموعة تسمى «طلاب من أجل إسرائيل» تشتكي عن ذكر كلمة «فلسطين المحتلة» في المنهج الدراسي أو في الأوراق الجامعية، لدرجة طرد أيّ طالب جامعي يتجرأ على ذلك «تمّ طرد المؤلفة من الجامعة لهذا السبب».
لهذا تحرص «إسرائيل»، وجميع من يخشاها في الغرب هي والوكالة اليهودية، إلى اعتبار غزة كياناً مستقلاً تحكمه «مجموعات إرهابية»، حيث يخدم هذا التعريف الأهداف التالية، التنصل من مسؤوليات «إسرائيل» كقوة احتلال بموجب القانون الدولي، وإنكار اعتبار حماس مقاومة قانونية بموجب القانون الدولي كما كانت المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية كمثال، وتبرير الحصار والقصف باعتباره «دفاعاً عن النفس» من جانب إسرائيل ضدّ منطقة مستقلة وليس عدواناً على سكان محتلين، وأخيراً التهرّب من تصنيف 2.1 مليون من سكان غزة على أنّهم «مواطنون إسرائيليون»، رغم أنّ هذا التصنيف لم يفد بشيء ولم يحمِ فلسطينيي الداخل.
تحبّ «إسرائيل» هذا الغموض القانوني الذي حافظت ضمن تعريفاته على الوضع الراهن في غزة طوال 17 عاماً، والذي تمكنت من إقراره في المؤسسات الدولية وتجنب الضغط عليها بسبب الدعم الأمريكي والأتباع الغربيين. لكن هل يمكن «لإسرائيل» الصمود أمام وطأة الاحتلال العسكري باهظ الثمن الذي تراه ضرورياً لهزيمة حماس؟ إنّ قصف غزة من مكان بعيد أمر، ومحاولة سرقة أراضيها والدخول إليها أمرٌ آخر أصعب بكثير.

بتصرّف عن:
WHY IS ISRAEL AN OCCUPATION DENIER?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1144
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 15:47