إلزامية «الصحوة» بالتزامن مع الضعف الأمريكي!
الضعف الأمريكي ظاهر للجميع، ولهذا يقوم الجميع «بتلمّس رؤوسهم» كي يتمكنوا من الهرب من آثار الاصطفاف إلى جانب «الضعيف» قبل أن يفتك بهم ويشدهم إلى الأسفل. يعني هذا «صحوة إجبارية» للجميع، والسعي بجميع الطرق الممكنة والمتاحة في كلّ دولة للحاق بالجانب الصاعد، وتحديداً لعدم خسارة فرصة اختيار القوّة الاقتصادية الأهم التي تعتبرها الولايات المتحدة عدوّاً لا يجب التهاون معه: «الصين».
ترجمة: قاسيون
انعكست هذه الصحوة في الآراء الشعبية عبر سلسلة من استطلاعات الرأي الدولية التي صدرت مؤخراً عن مراكز ومؤسسات مرموقة. في تشرين الأول الماضي أصدر «مركز مستقبل الديمقراطية» في جامعة كمبريدج البريطانية تقريراً استطلاعياً لفت الانتباه الدولي. تظهر نتائج الاستطلاع الذي شمل 137 دولة حول العالم أنّ غالبية المستجيبين من الدول النامية لديهم وجهات نظر إيجابية تجاه الصين. يُظهر التقرير أنّ العالم أصبح مستقطباً بشكل متزايد منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني. في الدول غير الغربية، حمل 70٪ من المستطلعين وجهة نظر إيجابية تجاه الصين، و66٪ وجهة نظر إيجابية تجاه روسيا.
في تقرير استقصائي آخر شمل 20 دولة صدر عن مؤسسة «Opinion Research UK» ظهر بأنّ السكان في البلدان النامية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا قد ازدادت مواقفهم الإيجابية من الصين. كمثال، في نيجيريا ازدادت نسبة من يرون الصين بصورة إيجابية من 68٪ في عام 2021 إلى 83٪ في عام 2022، وفي كينيا من 58٪ إلى 82٪.
في استطلاع ثالث نشرته شبكة البيانات «البارومتر العربي» التابعة لجامعة برينستون، ظهرت الزيادة في التصورات الإيجابية للصين بين الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA. أظهر الاستطلاع الذي شمل 20 ألف مشارك أنّ غالبية المستطلعين لديهم إمّا وجهة نظر إيجابية للغاية أو إيجابية نسبياً فيما يخصّ الصين.
بالنسبة للدول النامية بات مدركاً اليوم أنّ «الغرب» ودوله غير قادرين على حمل النفع لهم، ناهيك عن أنّهم يريدون أن يشعلوا العالم الذين يعيشون فيه. الأمر الآخر الذي لا يجب أن يغيب عن البال هو مساعدة الصين للدول النامية والخيارات البديلة التي تقدمها لهم عبر برامجها المتعددة الذي يتربّع «الحزام والطريق» على قمتها. لهذا فالآراء الإيجابية منها ليست وليدة الفراغ.
إنّ قدرة الدول النامية على تحسس مصالحها والسعي تجاهها مذهلة بحق لمن يتابع الأعوام الأخيرة، فإن أخذنا السعودية كمثال، فتوجهها نحو تعزيز التعاون مع روسيا والصين تجارياً واقتصادياً وأمنياً أوضح من أن يتمّ التشكيك به، والقمة العربية الصينية الأولى التي أقيمت في السعودية نقطة علّام على ولادة شكل آخر له.
قبل أن يتمّ انتخاب لولا رئيساً للبرازيل، قال في مقابلة مع الدكتور لي شيمر من معهد الصين: لقد تطورت الصين بطريقة لم تتمكن الدول النامية الأخرى من القيام بها. لماذا؟ لأنّ الصين هي نتاج الثورة التي قادها الرئيس ماو تسي تونغ في عام 1949... وتقدّم الشعب الصيني في العقدين الماضيين مذهل. لقد قدمت الصين نموذجاً للتنمية في العالم. آمل أن تتمكن الدول الأخرى من ذلك، وأن نتعلم من الصين حتى نتمكن جميعاً من أن نصبح أغنى وأقوى، وأن نوزع المزيد من الثروة، ونكون في عالم أكثر إنسانية.
دول الغرب أيضاً لديها «صحوتها»
لا يقتصر التحوّل على الدول النامية، فإذا ما أردنا إلقاء نظرة على العالم الغربي، فقمّة مجموعة العشرين الأخيرة يمكنها أن تشي بختامها بنوعٍ من «الصحوة» لدى حلفاء الولايات المتحدة. في العامين الماضيين بذلت واشنطن قصارى جهدها لبناء «تحالف مناهضة الصين» و«تحالف القيم» و«تحالف العيون الخمسة» و«قمة الديمقراطية» و«تحالف سلسلة التوريد» ...إلخ ما أعطى انطباعاً لفترة من الوقت أنّ الولايات المتحدة لا تزال قادرة على بناء «تحالف» يستجيب لدعواتها.
لكنّ الحقيقة أنّ العالم قد دخل بالفعل «حقبة ما بعد أمريكا»، وباتت دول الغرب مشتتة وغير موافقة على التجمع تحت راية الولايات المتحدة. يبدو أنّ حلفاء الولايات المتحدة هؤلاء قد وضعوا وراءهم دورهم في «التهديد الصيني»، مؤقتاً على الأقل، وأدرك بعضهم أنّ الولايات المتحدة لا تتورّع عن مصّ الدماء وقطع عصب حياة حلفائها. في لقاءاتهم مع القادة الصينيين، يعتقد جميعهم تقريباً أنّه على الرغم من اختلافهم مع الصين بشأن بعض القضايا، إلّا أنّه من المستحيل حل مشكلات العالم الرئيسية بدون مشاركة الصين، وقد أعرب العديد منهم صراحة عن معارضتهم للمواجهة بين «المعسكرات».
قبل القمة ترأس المستشار الألماني شولتز وفداً إلى الصين في 4 تشرين الثاني 2022 على الرغم من المعارضة الشديدة للولايات المتحدة والقوى المناهضة للصين في ألمانيا، حيث أوضح أن ألمانيا لا يمكنها «فصل» نفسها عن الصين. في الواقع، التقى الرئيس بايدن نفسه مع القادة الصينيين لأكثر من ثلاث ساعات قبل قمة مجموعة العشرين، الأمر الذي اعتبرته الكثير من وسائل الإعلام الغربية بمثابة تنازل كبير للصين. من الطبيعي أن يرفض العديد من حلفاء أمريكا «الانفصال» عن الصين.
باختصار، بدأت المزيد والمزيد من البلدان، في العالمين غير الغربي والغربي على حدّ سواء تدرك أنّ الانضمام إلى «دائرة أصدقاء» الصين له مغزى أكبر من الانضمام إلى «طوق» الولايات المتحدة. في عالم مليء بالاضطرابات والفوضى، يمثل السلام والتنمية والأمل.
إنّ الانعطاف الجماعي لدول أمريكا اللاتينية وبرودة الدول العربية تجاه الولايات المتحدة وأوروبا يتألقان بشكل خاص في شتاء أوروبا القارس. إنّ الجميع يسعى إلى السلام والمساواة ولهذا صداه في معظم البلدان. وكما قال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف: «مبادرة الحزام والطريق تجلب الانسجام والسلام والتنمية للناس. هذه ليست ما تسمى بسياسة [العصا والجزرة]، فأين [العصا] عندما لا يوجد سوى [الجزر]؟ كيف يمكن أن نسميها [استعمار]؟ كان الاستعمار الحقيقي هو السفن القوية والمدافع في ذلك الوقت، بينما مبادرة الحزام والطريق هي علاقة تكامل اقتصادي وشمول، وهي علاقة بين عالمين مختلفين، ومن الواضح أنّ عيون الناس في العالم تميز ذلك».
وفقاً لآخر تقرير نشره البنك الدولي، ساهم الاقتصاد الصيني بمعدل 38.6٪ في النمو الاقتصادي العالمي خلال العقد الماضي. ماذا يعني هذا؟ يعني أن معدل مساهمة الصين يتجاوز مساهمة دول مجموعة السبع الغربية مجتمعين، والتي تبلغ 25.7٪. ويعني أيضاً أنّ الصين وفرت للعالم في العقد الماضي المزيد من فرص التنمية أكثر من مجموعة السبع مجتمعين، وهذا الاتجاه آخذ في التوسع اليوم. كيف يمكن لأيّة دولة عقلها يعمل بشكل صحيح أن تكون مستعدة للتخلي عن مثل هذه الفرصة؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1111