العولمة الأمريكية «النسخة 2.0» لا مشترين لها
سلمان رافي شيخ سلمان رافي شيخ

العولمة الأمريكية «النسخة 2.0» لا مشترين لها

«إنّها العولمة النسخة 2.0»، هذا ما قالته الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي أثناء إشارتها إلى «السياسة التجارية والاقتصادية الجديدة للولايات المتحدة». وكما قيل، فـ «العولمة النسخة 1.0» كانت تعاني من محدودية ستكون «العولمة 2.0» قادرة على تخطيها لصالح واشنطن. في شهادة سابقة أمام مجلس الشيوخ في آذار العام الماضي، وصفت تاي «العولمة 2.0» بأنّها «سياسة تجارية متركزة حول العمّال» - سياسة يُفترض بأنّها تضع العمّال في مركز التجارة وتسعى إلى تعزيز المعايير العمالية. في الواقع فإنّ ما يسمى «العولمة 2.0» يعبّر عن جهد منسّق ومركّز من قبل الولايات المتحدة لإعادة كتابة القواعد التي تحكم الطريقة التي تحدث فيها التجارة على طول العالم. حازت سياسة إعادة كتابة الأنماط التجارية على إقرار في خطة رسمية ضمن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي المنشورة في تشرين الأول 2022. تسلّط الوثيقة الضوء بشكل خاص على الفكرة وتقول: على الرغم من الفوائد التي لا تعد ولا تحصى التي قدمتها العولمة للولايات المتحدة، فإنّها تحتاج إلى بعض «التعديل».

ترجمة: قاسيون

وفقاً للوثيقة فالسبب الرئيسي للحاجة إلى التعديل هو ظهور الصين «بوصفها منافساً لنا وواحداً من أكبر شركائنا التجاريين». إذاً ما يسمّى بالتعديل يعني بشكل صريح بأنّه تنسيق السياسة ضدّ الصين، لأنّه يفضّل ربط البلدان المُستهدفة بالولايات المتحدة بطرق تعطي الأمريكيين ميزة لا مبرر لها، وتضع الولايات المتحدة في موقع يسمح لها بحماية مصالحها الوطنية والعالمية على حساب من تسميهم بحلفائها.
حتّى تتمكن الولايات المتحدة من فعل ذلك، فهي تريد إنهاء حقبة اتفاقات التجارة الحرة التقليدية والبدء بحقبة جديدة من التجارة عبر نوع جديد ممّا تسميه «الترتيبات الاقتصادية»، والتي تشمل وفقاً للوثيقة «الحقوق العامة لجميع الأفراد – السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية».
تقدّم الوثيقة هذه الرؤيا باعتبارها تقدمية في مقابل الرؤية «الأقلّ حرية» التي تتبناها دول أخرى. لكن في الواقع فإنّ هذا النموذج الاقتصادي الجديد يشمل طيفاً من مجموعة من الحقوق ذات التعريف الغامض التي يجب على السياسة الاقتصادية الأمريكية أن تتبناها مع أنّها ليست جزءاً من الاقتصاد وتندرج تحت الطريقة التي تعمل فيها الأنظمة السياسية حول العالم. بشكل يتعدى الاقتصاد، فالإطار الاقتصادي «الجديد» للأمريكيين هو مجرد وسيلة أخرى لتبرير التدخلات طويلة المدى في البلدان المستهدفة لتمكين الأمريكيين من تشكيلها على الصورة التي تناسبهم، وهو الأمر الذي يبدو بأنّ «العولمة 1.0» قد فشلت في تحقيقه، بدليل أنّ البلدان مثل الصين لا تستمر فقط في الصعود وتحدي الهيمنة الأمريكية، بل أيضاً باتت قادرة على القيام بذلك دون الاضطرار للتخلي عن نمطها الخاص في السياسة.
لكن في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة أن تفرض نموذجها على العالم، يمكننا عبر نظرة متأنية إلى المظاهر الرئيسية لهذه الإرادة، مثال الإطار الاقتصادي الهادئ – الهندي «IPEF» أن نكتشف أنّ وزن هذه الخطط والسياسات إعلامي أكثر منه حقيقي لافتقاره للجدية والالتزام والاستمرارية والمصداقية.

الإطار الاقتصادي الهادئ-الهندي: دراسة حالة

الإطار الاقتصادي الهادئ – الهندي «IPEF» ليس معاهدة. عدم قدرة الإدارة الأمريكية الحالية على حشد الدعم العام له ضمن المؤسسة الحاكمة جعلتها تقدّم الـ «IPEF» بوصفه مجرّد اتفاقيات تنفيذية مع بلدان شريكة. علاوة على ذلك، هذه الاتفاقيات لن تكون قابلة للتطبيق بشكل قانوني دون الموافقة من مجلس الشيوخ الأمريكي، الأمر الذي يبدو متعذراً. يعني هذا ببساطة أنّ هذه الاتفاقيات – وهي التي تحمل لقب «نموذج العولمة الجديدة» - ليست أكثر من اختبار يمكن إلغاء مفاعيله في المستقبل من قبل أيّ رئيس.
بالنسبة للدول التي تستهدفها واشنطن في اتفاقياتها في المحيطين الهادئ والهندي من أجل مواجهة الصعود المستمر للصين، هذه تذكرة صارخة بالطريقة التي قامت فيها إدارة ترامب ببساطة بسحب واشنطن خارج «الاتفاقية العابرة للأطلسي». هل يمكن لرئيس أمريكي قادم، سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً، أن يفعل المثل؟ هذه تذكرة صارخة أيضاً على عدم الاتساق السياسي وعلى الأزمة المستمرة التي تعاني منها مؤسسات الحكم الأمريكية. بدءاً من «المحورة لآسيا Asia Pivot». يبدو أنّ سياسة إدارة بايدن الخاصة هي استمرار للانقطاعات التي تعبّر بشكل خطير عن عدم قدرة السياسة الأمريكية على تكوين والالتزام بأيّ شيء جوهري وطويل الأجل.
لذلك فإنّ دول المحيطين الهندي والهادئ متشككة في المدى الذي ستصل إليه – وفقاً لتسمية السفير الأسترالي المعين حديثاً في الولايات المتحدة – «الإستراتيجية الكبرى» للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والتي تفتقر إلى عنصر اقتصادي واضح محدد بوضوح. جادل السفير الأسترالي أكثر بأنّ السياسة الاقتصادية والتجارية الأمريكية الحالية كانت ضارة لجهود كبح التأثير الصيني في المنطقة لأنّ واشنطن لا تهتمّ بحلفائها ومستعدة للتضحية بمصالحهم بسهولة وعدم إعطائهم شيئاً بالمقابل، أو كما صاغها بنفسه: «سعيدة برمي بعض حلفائها لتدهسهم الحافلة». ليست واشنطن معتادة على هذا النوع من التعليقات الفظّة من دولة يفترض أنّها صديقة ومرتبطة بخطط الأمن الأمريكي عبر ميثاق AUKUS. يجب أن يتمّ النظر لهكذا سلوك على أنّه تذكير بأنّ سياسة الولايات المتحدة التي لا ترقى إلى مستوى اتفاقية تجارية جوهرية مفيدة لجميع الأطراف المشاركة فيها، من غير المرجح أن تأتي بالثمار والمكاسب التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.
ما هي المشكلة في الخطة «الجديدة» التي جعلت حلفاء الولايات المتحدة غير مرتاحين؟ إذا ما تغاضينا عن واقع أنّ الاتفاقيات «الجديدة» لا يمكن تنفيذها قانونياً من حيث المبدأ ولا تملك الأساس للاستمرارية، فهي أيضاً لا تقدّم لدول المحيطين الهادئ والهندي أيّة مزايا وصول إلى سوق الولايات المتحدة أيضاً. وعليه فإنّ «IPEF» بالنسبة لهذه الدول ليست أكثر من شكل جديد من الحمائية التي تفرضها الولايات المتحدة. بالنسبة لهذه الدول فإنّ ما تعرضه الولايات المتحدة عليهم ليس خاوياً فقط من السياسة الاقتصادية القابلة للحياة، بل إنّ ما يقدمه في واقع الحال ليس ملائماً لهم.
علينا أن نضع في اعتبارنا ما يلي: ربّما تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ اليوم واحدة من أكثر المناطق تكاملاً في العالم. إنّ اتفاقية «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» التي تمّ إبرامها مؤخراً، و«الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ» قيد التفاوض اليوم، هما من أكبر اتفاقيات التجارة الحرة التي تشكل التجارة والاقتصاد في المنطقة. يمكننا من هنا أن نفهم بأنّ الولايات المتحدة تحاول أن تبيع اتفاقيات «غير تقليدية» لمنطقة لا تحوي الكثير من المشترين!
ونظراً لعدم وجود مشترين جديين لما تقدمه الولايات المتحدة، فمن المرجح أن يبقى الوجود الأمريكي في المنطقة محدوداً، غير قادر على فعل أيّ شيء جدي لقطع الشبكة الكثيفة لاتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف التي تحدد جغرافيا التجارة في المنطقة.

بتصرّف عن:
The US wants to Impose a New Economic Paradigm on the World

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112