مجاعة الخبز
أندري سوكولوف أندري سوكولوف

مجاعة الخبز

وفقاً لصحيفة النيويورك تايمز، أكبر صحيفة في الولايات المتحدة وواحدة من أعمدة الإعلام الشركاتي الغربي، فالزيادة في أسعار منتجات الخبز والدقيق في بعض البلدان الغربية قد وصلت إلى 77٪. وصلت الزيادة في كرواتيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا إلى 30٪، وفي هنغاريا إلى 77٪. والزيادة في الولايات المتحدة، رغم كونها أقل، فقد وصلت إلى 15٪.

ترجمة: قاسيون

وفقاً لمؤسسة يوروستات التابعة للمفوضية الأوروبية، فهذا الارتفاع يدلّ على تسارع في التضخم. تتزايد أسعار المواد الغذائية الرئيسية في منطقة اليورو بمعدل 16٪، وفي المملكة المتحدة بما يزيد عن 14٪. لكنّ القلق الأكبر كما ذكر المصدر هو الزيادة السريعة في تكاليف أكثر منتجات الغذاء رئيسيّة: الخبز. لم ترتفع الأسعار بهذه السرعة من قبل، قد ارتفعت على مدى 12 شهراً ماضياً بمعدل وسطي 19٪. في ألمانيا، أثرى دول الاتحاد الأوروبي، ازدادت تكاليف الخبز بنسبة 18٪ على مدى 12 شهراً. وصل التضخم الكلي في أكبر اقتصاد أوروبي معدّل 10.9٪ في أيلول الماضي. هناك مثال جيد عن خبز البيغل في برلين، والذي ارتفع سعر التقليدي منه مؤخراً بعد أن بقيت تكاليفه وسعره ثابتين دون تغيير منذ أعوام عديدة.

المخابز تغلق

أغلقت الكثير من المخابز في هولندا منذ أواخر الصيف بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء. المخابز في بلجيكا ترفع أسعارها، لكنّ واحداً من أصل عشرة أيضاً أجبر على الإغلاق، والمزيد من الإغلاقات متوقّع الحدوث قبل نهاية العام. في ليتوانيا، أجبر المخبز التقليدي فيلزليو دونا على رفع أسعاره بمعدل 33٪ هذا العام من أجل تغطية الزيادة في تكاليف الدقيق وزيت دوّار الشمس والسكر. في اليونان، قيدت سلاسل البيع بالتجزئة مبيعات الدقيق، بالتزامن مع تقييد بيع الكثير من المنتجات الغذائية الأساسية الأخرى. لكن على الرغم من ارتفاع الأسعار بشكل حاد، لم يهدأ اندفاع المستهلكين وضجيجهم حول المنتجات الرئيسية، خاصة فيما يتعلق بالدقيق.
ذكرت صحيفة بوليتيكا بأنّ السعر الرسمي لرغيف من الخبز في كرواتيا قد وصل إلى قرابة 2يورو. كما ارتفعت أسعار الدقيق هناك. في النمسا، ارتفعت أسعار الخبز وجميع المنتجات المخبوزة عموماً بنسبة 20٪. وكما هو الحال في بقية البلاد، فالسبب ليس ارتفاع تكاليف الدقيق وحسب، بل أيضاً ارتفاع تكاليف الكهرباء. في السويد، يكلّف كيلو الخبز اليوم 2.2 يورو، حيث سجل الغذاء ارتفاعاً في البلاد بنسبة 30٪. في إيطاليا التي تعدّ من المستوردين الكبار للدقيق بسبب تقاليد الطعام المحلية، تجاوز سعر الخبز 6 يورو لكلّ كيلوغرام، ووصل في بعض الأماكن مثل ميلان إلى 8 يورو بعد أن كانت تكلفة الكيلوغرام الواحد قبل 6 أشهر فقط 4 يورو تقريباً.
تحاول السوبرماركت الأوروبية الضخمة التي تبيع كميات كبيرة من الخبز أن تبقي على أسعاره منخفضة بشكل اصطناعي من أجل جذب المستهلكين، لكنّ الارتفاع الحاد في سعر الدقيق وغيره من المكونات قد أجبرهم على رفع الأسعار.
وفقاً ليوهان ساندرز، رئيس الرابطة الأوروبية لموردي المخابز: «هذه المرة الأولى منذ سنوات كثيرة التي نشهد فيها مثل هذه الزيادة في أسعار المنتجات الغذائية الرئيسية... هذا يسبب القلق بشكل خاص لأنّ التضخم باقٍ ولن يذهب إلى مكان، وسيكون من الصعب بمكان تخفيض الأسعار». كما علّق جوليان بورجوا، مالك إحدى مطاحن الدقيق في وسط فرنسا، قائلاً بأنّ أسعار الدقيق المعدّ لإنتاج المنتجات المخبوزة قد ازداد بالفعل بنسبة تجاوزت 30٪. أضاف بأنّه خلال الفترة ذاتها ازدادت تكاليف الكهرباء المطلوبة لتشغيل المطاحن ثلاثة أضعاف. حتّى أسعار الورق المستخدم في أكياس الدقيق قد ارتفعت بشكل كبير، ليؤدي ذلك بمجموعه إلى رفع أسعار كلّ رغيف خبز. كنتيجة لذلك، فخبز الباغيت الفرنسي التقليدية، والذي يعدّ فخر المطبخ الفرنسي التقليدي، قد وصل ارتفاع سعره اليوم بالفعل إلى 8٪ ممّا كان عليه قبل عام. وفقاً لما قاله بورجوا: «لنتذكر بأنّ الثورة بدأت بسبب الارتفاع في أسعار الخبز».

لا دخل لأوكرانيا

يحاول السياسيون والخبراء ووسائل الإعلام الغربية أن يعزوا سبب الارتفاع السريع في أسعار الخبز وغيره من المنتجات الغذائية إلى عواقب «الحرب في أوكرانيا». يقولون بأنّه تبعاً لإغلاق الموانئ الأوكرانية توقفت شحنات القمح، الأمر الذي قاد إلى زيادة في أسعار الدقيق، وكنتيجة الخبز.
لكنّ هذا التبرير غير مجدٍ في شرح الموضوع. أولاً، تمّ التوصل إلى اتفاقية بهذا الخصوص، وتبعاً له تمّ تصدير القمح الأوكراني بشكل آمن من أوكرانيا. ثانياً، توريدات هذا القمح تشكّل نسبة صغيرة من إنتاج القمح العالمي. بالعودة إلى حزيران الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ مشكلة رفع أسعار الحبوب لا علاقة لها بالتوريدات من أوكرانيا: «ينتج العالم قرابة 800 مليون طن من الحبوب سنوياً. أوكرانيا مستعدة لتصدير 20 مليون طن، أي 2.5٪ من الإنتاج. إن افترضنا بأنّ القمح يشكل فقط 20٪ من كامل توريدات الغذاء العالمية، يعني هذا بأنّ الـ 20 مليون طن الأوكرانية هي 0,5٪ منه. هذا لا شيء».
كتبت صحيفة ويدج اليابانية الشهيرة عن حقيقة أنّ الأمر لا علاقة له بأوكرانيا إطلاقاً وشرحت التفاصيل: فيما يخصّ صادرات القمح، تصدرت روسيا قائمة أكبر مصدري العالم في السنوات الأخيرة، مع 37.27 مليون طن «والتوقعات لهذا العام بأنّ الحصاد وفير». بينما أوكرانيا، والتي يتمّ تصويرها عادة من قبل وسائل الإعلام على أنّها «سلّة خبز أوروبا» تقع في المركز الخامس مع 18,06 مليون طن وفقاً لبيانات منظمة الغذاء العالمية في 2020. وعليه فيما يخصّ حجم الصادرات، روسيا هي أكبر من أوكرانيا بمقدار الضعف، وهذا العام ستسجل توريداتها من الحبوب للأسواق العالمية رقماً قياسياً.

على الغرب أن يلوم نفسه

إذاً هناك مشكلة نقص غذاء حاد في العالم، لكنّها لا علاقة لها بما يحدث في أوكرانيا. ولهذا قال ماوريزيو مارتينا، نائب رئيس منظمة الفاو في مقابلة حديثة، بأنّ بيانات المنظمة– قبل أن تقع الأزمة الحالية حتّى– تشير إلى أنّ عدد الجائعين في العالم نما ليصل إلى قرابة 200 مليون في 53 دولة في 2021.
وكما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تلقي الدول الغربية باللوم على روسيا في أزمة الغذاء العالمية، لكنّها لم تبدأ هذا العام، وكانت العقوبات التي فرضها الغرب هي المسؤولة عن زيادة الأوضاع سوءاً بسبب سوء حسابات الدول الغربية عبر تدمير سلاسل توريد الغذاء العالمية.
في الوقت الحالي لم تقدّم لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها أيّة حلول جديّة لمشكلة نقص الغذاء، بل استمروا في تصعيد النزاع عبر تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والمعدات، الأمر الذي يترك أثره واضحاً بزيادة المخاطر على الأمن الغذائي العالمي.

بتصرّف عن:
Хлебный голод

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2022 11:35