إيران قوّة إقليمية وتشابهار نموذج لإمكانات تحولها لعالميّة
عدد من المؤلفين عدد من المؤلفين

إيران قوّة إقليمية وتشابهار نموذج لإمكانات تحولها لعالميّة

تسعى كلّ من الصين والهند لاستخدام ميناء تشابهار الإيراني لمصالحهما الاستراتيجية الخاصة، وربّما يكون لدى إيران الفرصة للعب دور استراتيجي أكبر عبر الاستفادة من هذه المنافسة. بناء مشروع ميناء في مدينة تشابهار الإيرانيّة يحوز على الاهتمام المتزايد لكونها مركز تجارة عالمية محتمل– ومنطقة للتنافس الجيو- استراتيجي. الهند هي المستثمر الرئيسي في ميناء تشابهار، حيث ترى نيودلهي في الميناء طريقاً للوصول إلى أفغانستان وأسواق وسط آسيا دون الحاجة للاعتماد على طرق باكستان البريّة.

ترجمة: قاسيون

علاوة على ذلك، يمكن للميناء أن يعزز الروابط الإيرانية-الهندية، الأمر شديد الأهمية بالنسبة للهند كي توازن التعاون الصيني- الإيراني المتنامي. في الوقت ذاته، يتعاظم نفوذ الصين في إيران، حيث تسعى للوصول إلى موارد طبيعية هامة، ومسارات شحن حاسمة. بالنسبة لإيران، فالميناء قد ينشأ شراكات اقتصادية ودبلوماسية جديدة، ويفتح الأبواب أمامها أكثر كي تخرج من حالة الدولة المعزولة في غرب آسيا. لكنّه أيضاً قد يفاقم التنافس الإقليمي فيها، الأمر الذي قد يعطّل خططها وقدراتها للتحوّل إلى قوّة عالمية.

نبذة عن ميناء تشابهار

يوجد ميناء تشابهار في سيستان وإقليم بلوشتسان في الجنوب الشرقي من إيران. للميناء عدد من المزايا التنافسية التي تجعله جذاباً من وجهة النظر المحلية وكذلك من وجهة النظر الدولية. بوجوده على حافة المحيط الهندي، فهو الميناء الوحيد في أعماق البحار في إيران الذي يتمتع بوصول مباشر إلى المحيط. قربه الجغرافي من البلدان أمثال أفغانستان وباكستان والهند، وكذلك وضعه كمركز عبور ترانزيت رئيسي على ممرّ النقل الدولي المزدهر بين الشمال والجنوب، يعطيه إمكانية التطوّر ليصبح أحد أهم مراكز التجارة في الإقليم.
تشابهار هي أيضاً إحدى الأماكن القليلة في إيران التي تمّ إعفائها من العقوبات الأمريكية، ما يمكن أن يبسّط الإجراءات التجارية بشكل كبير مع البلدان الأخرى. لكن رغم أنّ لا أحد يمكنه الجزم باستمرار إعفاء الميناء من العقوبات الأمريكية بعد انسحاب الأمريكيين من أفغانستان، فقد أشار الخبراء منذ عام 2018 إلى أنّ فرض عقوبات على الميناء لن يؤثّر على التجارة بين إيران وأفغانستان أو الهند، حيث يتم استخدام نظام تقليدي غير رسمي محلي لتحويل الأموال يدعى «حوالة». يقوم أصحاب الأعمال باستخدام نظام «حوالة» وليس عبر البنوك، ولهذا لا يمكن لمؤسسات الأمم المتحدة المالية تعقّب التحويلات.
لدى ميناء تشابهار القدرة على تحويل التجارة في جنوب ووسط آسيا. طرق التجارة البرية المقترحة، والمرتبطة بالميناء، حيث سيسهل الوصول بشكل أكبر إلى أسواق أفغانستان وآسيا الوسطى. تأثير هذا الاتصال المتزايد له تأثيرات إيجابية هائلة على أفغانستان على وجه الخصوص، رغم أنّ هذه التأثيرات قد تتعرّض للخطر إن لم تستقر أفغانستان. في الوقت الحالي تجري أفغانستان معظم تجارتها باستخدام الطرق العابرة خلال أراضي باكستان، لكنّ ميناء تشابهار قد يزوّد الأفغان بطريق بديل أو إضافي. لدى تشابهار الفرصة لخلق نمو اقتصادي هائل في أفغانستان، حيث سيسمح للبضائع من بلدان أخرى أن تدخل البلاد، وسيعزز قدراتها التصديرية أيضاً.
بالنسبة للكثير من الدول في آسيا الوسطى، سيقدّم ميناء تشابهار فرصة الوصول للبحر للبلدان المقفلة التي لا مسارات بحرية لديها، وسيقدّم بديلاً ومعززاً للاعتماد على طريق واحد. ولهذا فتوسيع طريق التجارة مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى، سيمنح إيران القدرات للعب دور أكبر في الساحة الدولية.
الكثير من المحللين الدوليين يصنفون إيران بوصفها قوّة إقليمية مع احتمالات للتحوّل لقوّة كبرى عالمية، وذلك بالاعتماد على معايير ما تملكه من ثروات موارد طبيعية، وقوّة عسكرية، وعدد سكان كبير. لكنّ وضع إيران كقوة عظمى عالمية موضوع عليه قيود خاصة بعلاقاتها العدائية مع بعض البلدان، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تفرض عليها عقوبات اقتصادية تشلّ قدراتها التجارية. وكي تتمكن من التحرر من هذه القيود، تسعى إيران منذ مدّة إلى صياغة روابط أقوى مع دول آسيا التي تملك مواقف عدوانية أقلّ تجاهها.
ضمن هذا السياق، يمثّل ميناء تشابهار وسيلة اتصال ليس فقط بأفغانستان ووسط آسيا، بل أيضاً بالقوتين الاقتصاديتين الكبيرتين: الهند والصين. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ ميزانية تطوير إقليم الميناء الإيراني قد ارتفعت بشكل حاد وهائل بمعدل 2,200% منذ عام 2018، فيبدو واضحاً اليوم أنّ تشابهار ستكون جزءاً أساسياً من استراتيجية إيران في الانخراط أكثر في الشرق.

التنافس الاستراتيجي على ميناء تشابهار

في هذه الأثناء، لدى كلا الصين والهند خططهما الخاصة بميناء تشابهار، والعلاقات الثنائية مع إيران ككل.
لدى الهند تاريخ طويل مع التعامل مع ميناء تشابهار، حيث ترى نيودلهي في الميناء فرصة لتعزيز موقعها كقوة دولية وإقليمية. الهند، وهي التي تملك ثاني أكبر عدد سكان في العالم، وسادس أكبر اقتصاد عالمي، وسعي طويل الأمد للحصول على مقعد دائم في مجلس أمن الأمم المتحدة، هي اليوم منافسة كبرى على موقع القوة العظمى العالمية المستقبلية. وهي تسعى منذ فترة لتوسيع وصولها إلى الأسواق في وسط وغربي آسيا، بهدف تعزيز إمكاناتها أكثر فأكثر.
لكن طرأت عوائق عدّة في وجه إنشاء الهند لأرضية تجارية صلبة مع غربها، حيث على جميع المسالك والدروب أن تمرّ من خلال باكستان التي تحمل معها خصومة ومنافسة. من هنا نرى بأنّ مسار تجارة بحري إلى غربي ووسط آسيا عبر ميناء تشابهار، سيسمح للهند بتخطي باكستان وإنشاء شبكتها التجارية الخاصة مع الدول في هذه الأقاليم.
يعود التعاون الهندي-الإيراني في ميناء تشابهار إلى عام 2003. لكنّ الجهود المشتركة بين البلدين بدأت بجذب الانتباه في 2016، عندما أعلن كلا رئيس الوزراء الهندي ناراندرا مودي والرئيس الإيراني حسن روحاني أنّ الهند ستستثمر 500 مليون دولار في تطوير ميناء تشابهار. من الأسباب الهامة التي حفزت الهند للتحرّك إعلان الرئيس الصيني تشي جينغ- بينغ عام 2013 عن إطلاق الصين لمشروعها الضخم للبنية التحتية: مبادرة الحزام والطريق BRI.

1042-6


من وجهة نظر الهنود الساعين لوضع القوة العظمى، فالصين التي تملك أكبر عدد سكان في العالم، وثاني أكبر اقتصاد عالمي «الأول إذا ما أغفلنا حسابات الناتج المحلي الإجمالي ونظرنا إلى حسابات الاقتصاد الحقيقي»، وعضوية دائمة في مجلس أمن الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية، هي منافستها الأكبر على وضع القوة العظمى. علاوة على ذلك، فتعاون الصين مع باكستان من خلال تطويرهم لميناء غوادار الباكستاني، والممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، أثار مخاوف الهنود عن مدى تأثير علاقة الصين بخصمهم الأكبر باكستان عليهم. ولهذا فمشاركة الهند في تطوير ميناء تشابهار يخدم بمثابة استراتيجية رئيسية لدعم مكانتها كقوة عظمى من خلال توسيع وجودها في السوق الإقليمية، واستخدام التحالف الهندي- الإيراني للتخفيف من تأثير نفوذ الصين، وتحديداً التعاون الصيني- الباكستاني.
لكنّ الهند ليست القوّة الطامحة الوحيدة لأخذ حصّة من تطوير ميناء تشابهار، فالصين بدورها تسعى لتعزيز علاقاتها مع إيران، وتأمين وصولها إلى احتياطيها من الموارد المعدنية والطاقة، ولضمان الوصول المربح إلى مسارات التجارة الأوراسية شديد الأهمية. وصول الصين إلى ميناء تشابهار سيسهم بشكل كبير في تحقيق هذه المزايا، حيث يمكن للصين وصل الميناء بشبكتها التجارية البحرية المعقدة والكثيفة. بالنظر إلى استثمار الصين في ميناء غوادار الباكستاني، فالمحرّك الرئيسي الآخر لمصلحة الصين في ميناء تشابهار هو تعزيز قدرتها التنافسية مع الهند في الوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، وخاصة إذا ما أخذنا باعتبارنا الأوضاع المتوترة المتزايدة بين البلدين، وانضمام الهند بشكل متزايد إلى القوى التي تسعى «لاحتواء الصين».
ورغم أنّ الصين لم تدخل حتّى اليوم بشكل مباشر في مشروع تطوير ميناء تشابهار، لكن إذا ما أخذنا بالاعتبار برنامج التعاون الصيني الإيراني الذي تمّ توقيعه مؤخراً، والذي يمتدّ على فترة 25 عاماً تضخّ فيها الصين 400 مليار دولار على شكل استثمارات في الاقتصاد الإيراني، مقابل أسعار مخفضة ومضمونة للطاقة الإيرانية، والتعاون في مشاريع المبادرة الصينية: الحزام والطريق. فالعديد من المحللين يرى بأنّ الأمر لن يستغرق الكثير من الوقت حتّى تؤكّد الصين وجودها تدريجياً في الميناء ومنطقته. وفي حين أنّ نطاق التعاون الصيني الإيراني في ميناء تشابهار لا يزال محدوداً في هذه المرحلة، تشير الدلائل على تكثيف النشاط الصيني مع إيران إلى أنّها تحاول الحصول على نفوذ أكبر في المنطقة.

قوّة إقليمية بإمكانات دولية

في دراسة لجامعة «North South» قبل عشرة أعوام عن إمكانات تحوّل إيران إلى قوّة عظمى، أي قبل أن يتم توقيع الاتفاق الإيراني الصيني، وقبل أن يحمل التاريخ ثمار تطوراته الحالية، وظهور التراجع الأمريكي بشكل كبير إلى العلن، وقبل خروج الأمريكيين من أفغانستان وتلويحهم بالخروج من العراق، وقبل حتّى الحرب في سورية التي أظهرت إعادة ترتيب الخارطة السياسية العالمية. خلصت الدراسة إلى نتيجة:
«يسلّط التحليل للقوة الإيرانية والمحددات الرئيسية على توسعها، الضوء على نقطتين هامتين. أولاً: تمتلك إيران إمكانات كبيرة للتحول إلى قوّة عظمى. أكثر المجالات الواعدة للقوة الإيرانية هي موقعها الجغرافي الاستراتيجي، والموارد الطبيعية غير المحدودة، والجغرافيا العسكرية، وقوتها العسكرية، وقوتها الديمغرافيّة. يمكن مقارنة القوة الإجمالية لإيران، ودون أن يبدو ذلك من قبيل المبالغة، بالعديد من القوى الكبرى الحالية، مثل الهند في جنوب آسيا، وألمانيا وفرنسا في أوروبا. بخلاف القوة الاقتصادية، تؤدي إيران بشكل جيّد في نواحٍ هامّة مع هذه القوى. ثانياً: تواجه إمكانات تحوّل إيران لقوة عظمى تحدياً خطيراً من قبل عدد لا بأس به من العقبات. لا يزال التحدي الأمريكي لإيران هو التحدي الأكبر... العلاقات منذ عام 1979 مع الولايات المتحدة لا تبشر بأمل أن تتمكن إيران من تقليل التهديدات الأمريكية... ومع ذلك فسعي إيران للطاقة النووية سيضمن حصولها على مكانة القوة العظمى ويولد اعترافاً بدورها الحازم ونفوذها في السياسة الإقليمية والعالمية من قبل الولايات المتحدة المتراجعة على المسرح العالمي.
على الصعيد الإقليمي، نجحت السياسة الخارجية الإيرانية بشكل كبير في تحسين العلاقات مع الدول العربية. تتلاشى التصورات التقليدية للتهديد الإيراني بشكل تدريجي، مفسحة المجال أمام المزيد من التفاهم المتبادل، وكذلك توسيع سبل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين هذه البلدان وإيران... تشير التغييرات في البيئة الأمنية في المنطقة الإقليمية، بشكل غير مباشر إلى نفوذ أمريكي أقل فأقل في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وما يقابل ذلك من انفراجات تساعد إيران على توسيع نفوذها. سيضمن ذلك إلى حدّ كبير صعود إيران كقوّة رئيسية، ويولّد اعترافاً بريادتها الطبيعية في الخليج، والتفوق الإيراني في الشرق الأوسط. من المرجح أن يؤدي هذا الموقف إلى إعادة توجيه السياسية الأمريكية تجاه إيران أيضاً... مثل هذه التغييرات المستقبلية ستعزز مكانة إيران كقوة رئيسية في السياسة العالمية. بغض النظر عن المجريات السياسية الآنية التي تبدو بأنّها غير قابلة للتغيّر.
الجمهورية الإسلامية في إيران في حالة صعود. تبرز إيران تدريجياً، ولكن بثبات، كلاعب كبير في السياسة الإقليمية والعالمية. وتصبح بشكل متزايد ميالة وقادرة على إنشاء نظام أمن إقليمي بالشراكة مع الدول العربية. يشير تضاؤل النفوذ الأمريكي في العالم العربي، والتقارب التدريجي في العلاقات العربية الإيرانية، إلى تطورات في هذا الاتجاه».

الموازنة الاستراتيجية الإيرانية

أثارت المحاولات الهندية والصينية المتزايدة في تعزيز حضورهما في ميناء تشابهار، مناقشات بين الأوساط السياسية الإيرانية حول كيفية تحقيق الاستفادة القصوى للبلاد من منافستهما، مع تقليل المخاطر الناجمة عن هذه المنافسة على إيران نفسها. يمكن للفرص الاقتصادية والدبلوماسية التي تقدمها الهند والصين أن تساعد إيران على تعزيز طموحاتها الخاصة بوضع القوة العظمى. لكن من ناحية أخرى يمكن لتقاسم السطوة غير المتكافئ والصفقات التجارية أن تجعل من إيران شريكاً صغيراً أو مجرّد ملحق هام للموارد. من هنا تحاول طهران أن تجد الطريق لتحقيق التوازن الاستراتيجي بين الهند والصين بحيث تبقي فرصها بالنمو أكبر وأصلب.
على سبيل المثال، يعكس انضمام إيران مؤخراً إلى منظمة شنغهاي للتعاون «SCO»– وهي المنظمة التي تضمّ الصين والهند أيضاً– رغبتها بتحقيق تحالفات ضدّ الهيمنة الغربية التي تعاني منها، إضافة لزيادة نشاطها وتثبيت دورها في شؤون آسيا الوسطى والشرق الأوسط. يمكن لإيران أن تستفيد من عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون كي تجد سبيلاً للاستفادة القصوى من التنافس الهندي والصيني عليها بحيث يخدم مشاريعها للتحوّل إلى قوة عظمى، مع الحفاظ على خطابها المستقل طويل الأمد المتمثل في عدم الاصطفاف بشكل حصري ووثيق مع أيّ قوة تشكل لها عائقاً.
مع ذلك، يمكن لعدد من المتغيرات أن تعطّل المسار الحالي لتطوير ميناء تشابهار. أدّت التطورات الأخيرة في أفغانستان إلى إعادة رسم الكثير من خطوط الشبكات التجارية بين أفغانستان وآسيا الوسطى، وهو الأمر الذي يسبب إزعاجاً كبيراً للهند بشكل خاص. في الوقت نفسه، تهدد الكثير من التغيرات التي تمرّ بها إيران بعدم قدرتها على متابعة مصالحها الإقليمية والدولية، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تكون إيران فيها مضطرّة لمواجهة حجمها الإقليمي.
مع ذلك، فميناء تشابهار يلعب دور نموذج ممتاز لمركز تنافس بين الهند والصين، ونموذجاً أفضل لتجسيد رغبة إيران في الاستفادة من المتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية لتعزيز مكانتها على المسرح الدولي.

بتصرّف عن:
Chabahar Port and Iran’s Strategic Balancing With China and India
IRAN ON THE GLOBAL STAGE: ASSESSING IRANIAN POWER AND ITS LIMITATIONS

معلومات إضافية

العدد رقم:
1042
آخر تعديل على الإثنين, 01 تشرين2/نوفمبر 2021 14:02