التدخل الصيني- الروسي في إفريقيا  «3: المشاريع المشتركة»
عدد من الباحثين عدد من الباحثين

التدخل الصيني- الروسي في إفريقيا «3: المشاريع المشتركة»

أرست شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا أساساً سياسياً متيناً للتعاون الصيني الروسي في إفريقيا. على المستوى السياسي، لا يمكن النظر إلى روسيا والصين كمتنافسين إستراتيجيين. ينظر الطرفان إلى إفريقيا كعنصر أساسي في تحقيق الأهداف الوطنية الإستراتيجية لكلّ منهما، المتمثلة بوجه عام بإنشاء نظام عالمي عادل ومعقول ومتعدد الأطراف، بالإضافة إلى أنّ كلّاً من الصين وروسيا توليان اهتماماً كبيراً للحفاظ على الاستقرار والسلام في القارّة. السلام والاستقرار في إفريقيا شرطان رئيسيان في العلاقات الصينية/الروسية- الإفريقيّة. كما أنّ مصلحة كلا البلدين تكمن في التعاون مع إفريقيا لمكافحة الإرهاب. في الأعوام القليلة الماضية انتشر الإرهاب في إفريقيا، وبالتالي فمن مصلحة روسيا والصين الرئيسية مكافحة هذا الإرهاب، بشكل مباشر وعبر تجفيف منابعه بشكل رئيسي. تقدّم قاسيون هنا الجزء الأخير من ترجمة تلخيصية لتقرير نشره مركز أبحاث «مجلس العلاقات الخارجية الروسي».

في عملية تطوير العلاقات ذات المنفعة المتبادلة والتعاون مع إفريقيا، من الحتمي أن تكون لدى الصين وروسيا درجة معينة من التنافس في بعض المجالات. أولاً: الاقتصاد والتجارة. الفارق الهيكلي في مجال التجارة بين إفريقيا وكلّ من روسيا والصين واسع نسبياً، ولهذا فالمنافسة هنا ضعيفة. حجم التجارة الصينية- الإفريقية أكبر بكثير من حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا، ومن غير المنطقي أن تتنافس روسيا والصين اقتصادياً في إفريقيا. ثانياً: مجال الطاقة. فيما يتعلق بمجال الطاقة، لدى الصين وروسيا مستويات مختلفة من التنمية والأهداف. وبالتالي، هناك مجال أكبر للتعاون الصيني- الروسي بدلاً من المنافسة في إفريقيا.
ثالثاً: التكنولوجيا والتعاون العسكري. على مدى فترة طويلة كانت التكنولوجيا العسكرية الروسية أكثر تطوراً من التي لدى الصين، ولهذا فروسيا لديها ميزة تفضيلية في مجال المبيعات العسكرية. النمو السريع للتكنولوجيا العسكرية الصينية سيزيد المنافسة مع روسيا في بعض الأسواق العسكرية في إفريقيا. لكنّ هذه المنافسة ستكون مقيّدة في العموم وقد تفتح مجالاً للتعاون والتنسيق.
باختصار: لإفريقيا قيمة إستراتيجية هامّة بالنسبة لروسيا والصين كلتيهما، وهذه القيمة أكبر بكثير من المنافسة، وستفرض شكلاً من التعاون الحتمي. ومن المهم أن ندرك بأنّ تنمية الاقتصاد والمجتمع الإفريقي والحفاظ على الأمن والسلام فيه يتماشى مع المصالح الإستراتيجية لروسيا والصين. ومن المهم أن ندرك أيضاً بأنّ روسيا والصين ستبذلان جهداً خاصاً للتعاون في إفريقيا، لتسهيل تعزيز التعاون الشامل الإستراتيجي بينهما، وعدم السماح بخلق ثغرة تضغط على تحقيق مشروعيهما العالمي.

المشاريع متوسطة وقصيرة الأمد

بالمقارنة بالصين، عادت روسيا إلى إفريقيا متأخرة نسبياً. لكنّ روسيا تفتقر إلى الموارد اللازمة للاستثمار في إفريقيا. تحفز المنافسة بين القوى العظمى المشاركة الروسيّة في إفريقيا. لدى الصين وروسيا مصلحة مشتركة في العالم، ومن ضمنه إفريقيا، ولهذا تسعيان إلى التعاون الفعّال في القارة بدلاً من المشاركة من خلال شريحة استعمارية دخيلة على الطريقة الغربية. تحتاج إفريقيا إلى تنمية التصنيع والمدنيّة والزراعة، الأمر الذي يتطلّب المزيد من الموارد والمشاركة الخارجية. هناك سبع مجالات رئيسيّة للتعاون بين الصين وروسيا في القارّة: الصحة العامة، والزراعة، والتصنيع، والتمدين، والتجارة الدولية، والسياسة والأمن، والعلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.
تهدد الأمراض الوبائية، مثل: الملاريا والإيبولا والإيدز وزيكا، الصحة العامة في إفريقيا. إنشاء نظام إفريقي للصحّة العامّة مهمّة ملحّة. العلاج الطبي ليس إلّا نقطة النهاية بعد تفشي الوباء، أمّا الهدف الرئيسي لهذا النظام فهو السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وخاصة مكافحة الأوبئة. أنشأت روسيا بعد الثورة السوفييتية نظاماً لمكافحة الأوبئة غطّى كامل الاتحاد السوفييتي، المنطقة الشاسعة ذات الثقافات والأعراق المتعددة، وقد نجح النظام بشكل مذهل. بعد تأسس جمهورية الصين الشعبية نسخت النظام السوفييتي وطورته ونجحت في جعله نموذجاً وقائياً إيجابياً، حيث كان العاملون في مجال الصحة العامة يلقحون الرضع والمراهقين في المنازل. يناسب نموذج مكافحة الأوبئة الروسي الوضع في إفريقيا، وتتمتع كلّ من الصين وروسيا بخبرة غنيّة في هذا النموذج.
توافقت الصين وروسيا وجنوب إفريقيا على أن تقدم مجموعة بريكس وبنك التنمية الجديد فرصاً إستراتيجية لمزيد من التعاون والتنمية. مكّنت مجموعة بريكس الصين وروسيا والدول الإفريقية من العمل معاً، حيث تزودها بآلية جديدة ذات مؤسسات متعددة المراكز. وربّما الأكثر أهميّة هو أنّ إطار مجموعة بريكس يمكّن من إنشاء نظام جديد للتبادل النقدي الدولي، ممّا قد يساعد في تجنّب مخاطر الهيمنة الأمريكية والدولار. لدى روسيا خبرة في العمل كمهندس لنهج إيديولوجي وعملي جديد بشكل أساسي يسهّل حلّ المشكلات الدولية. أثبتت تجربتها الشرق أوسطية قدرتها على الحفاظ على علاقات بناءة وفاعلة مع الأطراف المتعارضة، والمتقاتلة أحياناً، والتوفيق بينها وتحقيق نتائج مذهلة.

تحتاج إفريقيا إلى تسريع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، أولاً وقبل كلّ شيء من أجل خلق وظائف جديدة لـ 29 مليون إفريقي سيصلون إلى سنّ العمل كلّ عام من الآن وحتى 2030. من الأهميّة بمكان توفير وظائف جديدة للشباب الأفارقة والنساء في جميع أنحاء القارة. حوالي 42% من الشباب العاملين في إفريقيا يعيشون بأقلّ من 1,90 دولار في اليوم، و12% من النساء فقط يحصلن على أجر مقابل عملهن. ورغم أنّ إفريقيا لديها أكبر عدد روّاد أعمال في العالم، فالكثير من هؤلاء يفتقرون إلى المعرفة الأساسية في الأعمال. على سبيل المثال: ليس لدى معظم رواد الأعمال الشباب في ساحل العاج ومدغشقر المعرفة الكافية للاحتفاظ بسجلات محاسبية مناسبة، واستخدام وسائل التصنيع الملائمة وأدوات التخطيط طويلة الأجل وحيازة التكنولوجيا ذات الصلة، وتطوير رأس المال البشري. يمكن أن يوفّر تفاعل روسيا مع الصين في هذا المجال للقارّة الفرص اللازمة لتحقيق اختراق نوعي. المساهمة في رأس المال البشري تحديداً هي النقطة التي يجب توسيع التفاعل بها، وهذا سيتطلب حتماً نوعاً من البناء على المستقبل بانتظار حصد الثمار. يمكن في هذا السياق لروسيا والصين التعاون في إنشاء المزيد من مؤسسات التعليم العالي والمدارس المهنية في إفريقيا، تمكّن جيل الشباب من صقل مهارات جديدة من أجل التنمية الحديثة.
هناك مجالان لهما أهميّة خاصة لتنمية القارة: التعليم والغذاء. إن تمكنت الدول الإفريقية من الاتفاق، ليس على شراء التكنولوجيا الجديدة وحسب، بل أيضاً التدرّب على تنفيذها واستخدامها، سيتم خلق وظائف جديدة، وستتحسن المهارات المهنية للقوى العاملة الإقليمية. المجال الثاني الذي لا يقل أهميّة هو الأمن الغذائي. لإطعام 1,3 مليار إنسان، من الضروري زيادة حجم إنتاج الغذاء. سيتطلب الانتقال إلى الزراعة المكثفة طرقاً وآلات ومعدات جديدة. بالنظر إلى العلاقة المتغيرة بين إفريقيا والعالم الخارجي، يمكننا أن نفترض بثقة بأنّ هذا المجال سيشكل فرصاً استثمارية مربحة تتطلب الشراكة بين الصين وروسيا لجذب الزراعة الإفريقية بعيداً عن الطرق الغربية التي لم تنفع.
بالنسبة لجميع اللاعبين الدوليين، العقبة الرئيسية أمام ممارسة الأعمال التجارية في إفريقيا هي المخاطر المرتبطة بعدم الاستقرار و«هشاشة» بعض الولايات القضائية. بعد تنفيذ إستراتيجية روسيا بنجاح في سورية، أصبح يطلق عليها بشكل متزايد اسم «مصدر الأمن». في الوقت نفسه، نشطت الدول الأوروبية في السابق، مُعربة عن اهتمامها برعاية «حفظ السلام» ووجودها في إفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ الصين قد زادت مؤخراً من إمكانات حفظ السلام لديها بشكل كبير، متقدمة على جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من حيث عدد الوحدات المُرسلة. المعلومات حول نشر قوات حفظ السلام من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن هي: الصين: 2151، فرنسا: 741، بريطانيا: 571، روسيا: 71، الولايات المتحدة: 35. الخبرة المتراكمة لممارسات حفظ السلام التي قامت بها القوات الروسية في إفريقيا جزء مهم من عمليات حفظ السلام الشاملة، بما في ذلك العناصر السياسية والعسكرية والدبلوماسية والشُرطيّة والجغرافية.

المشاريع طويلة الأمد

لدى التوافق المتزايد بين الصين وروسيا وإفريقيا في المنظمات الدولية، القدرة على التأثير في إنشاء عالم متعدد الأقطاب، لأنّ الأطراف الثلاثة يخضعون لضغوط من الغرب بذرائع انتهاك حقوق الإنسان، فضلاً عن فكّ الارتباط بالمؤسسات الدولية القائمة. يمكن للصين وروسيا المشاركة بشكل استباقي في المنتدى الإفريقي لتعزيز المزيد من التعاون الإقليمي في المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
بالنسبة لعدد من الدول التي تحمل أثر الماضي الاستعماري في العلاقات مع الغرب، يمكن أن يصبح التعاون مع روسيا والصين سنداً ممتازاً. وحتّى بالنسبة للغرب، يمكن أن يشكّل فرصة عبر التعاون مع الصين وروسيا كذلك، وربّما تكون الفرصة الوحيدة لشرعنة وتنويع أساليبها في عيون الأفارقة. من شأن إنشاء شراكات وتحالفات متعددة الأطراف بشأن قضايا محددة تحت رعاية روسيّة، أن يزيد من فعالية الإستراتيجيات الدولية. إضافة إلى ذلك، ستساعد مناقشة الموضوعات الإفريقية مع كبار الخبراء الأجانب في توضيح المشكلات المحتملة والتحديات التنافسية في العمل مع القارة. ولا يجب أن يغيب عن البال الدور الإفريقي- الصيني- الروسي في تطوير وتحسين آليات عمل الأمم المتحدة ووكالاتها وأجهزتها، وخصوصاً مجلس الأمن.
ضمن مبادرة الحزام والطريق العالمية، تمّ في اجتماع دافوس الصيفي الإعلان عن إطلاق «صندوق الحزام والطريق لإفريقيا» بشكل رسمي، بتمويل من الصين. سيركز الصندوق على الاستثمارات في إفريقيا والتي ستشمل الاستثمارات المشتركة في البنية التحتية والذكاء الصنعي والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية وإثراء صناعة الموارد في إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، سيكون الصندوق بمثابة منصّة تعاون بين قطاعات الأعمال في الصين وإفريقيا. مع الأخذ بالاعتبار أنّ مشروع الحزام والطريق الواحد الذي ينطلق من أوراسيا ليس مجرّد خطط حالمة، بل لديه مستندات عملية ستفرض نفسها شيئاً فشيئاً على المسرح العالمي بالتوازي مع نمو سلطة الهياكل الأوربية- الآسيوية. تعرب روسيا عن دعمها الكامل لمبادرة الحزام والطريق، وقد يفتح هذا التعاون صفحة جديدة للتفاعل بين روسيا/ الصين وإفريقيا أيضاً.

التصنيع والتمدين هما أولويتان رئيسيتان في إفريقيا، وهما المجالان اللذان تستثمر فيهما الصين منذ عقود. عززت مبادرة الحزام والطريق، من بين مجموعة مبادرات أخرى مشاريع البنية التحتيّة، ومثالها سكة حديد مومباسا- نيروبي. تتمتع روسيا بخبرة كبيرة وبتكنولوجيا لازمة لدعم عملية التصنيع، لا سيما في الصناعات الثقيلة التي يعتمد عليها التحوّل للتصنيع، مثل: مصانع الأسمدة في إفريقيا. يمكن للصين وروسيا التعاون لمساعدة إفريقيا على التمدّن والتحول للتصنيع من خلال نقل التكنولوجيا والمهارات والآلات الزراعية والتعدين والمواد الكيميائية وتكنولوجيا المعلومات والخدمات التي تدعمها.
مع تراجع الشركات الغربية، مثل: شركة بوينغ وعيوبها التكنولوجيّة، باتت الفرصة الآن سانحة للصين وروسيا للتعاون في سوق الطائرات الجديد، مثل: التعاون بين صناعة أنظمة الملاحة الصينية بيدو، والروسية غلوناس، من أجل توفير خدمات ملاحية منافسة لإفريقيا.
تفتح الثورة التكنولوجيّة القائمة اليوم في القارة الإفريقية الباب على مصراعيه لتوثيق العلاقات بين دولها والدول الراغبة بالاستثمار في الأسواق الواعدة. من المتوقع على مدى السنوات العشر القادمة أن تتغيّر إفريقيا أكثر ممّا تغيرت في قرن مضى، لتفتح مساراً جديداً للتنمية المستدامة. فمن جهة قفزت القارة عدّة خطوات معاً بالمقارنة بالاقتصادات في أوروبا وآسيا. ومن جهة ثانية أدّى التحول في إفريقيا إلى خلق مجالات واعدة جذّابة للاستثمارات الأجنبية. البلدان الإفريقيّة تشكّل نصف البلدان الأكثر تضرراً في جميع فئات اضطرابات البنية التحتية، ولسدّ هذه الفجوة قدّر بنك التنمية الإفريقي أنّ هناك حاجة لما يتراوح بين 130 و170 مليار دولار أمريكي. وتبعاً للقدرات الصينية- الروسية المنفصلة والمشتركة الهائلة في مجال البنية التحتية، يمكن لهما أن يلعبا الدور الأساسي في تطوير البنية التحتية الإفريقية بحيث تكون مرنة ومستدامة.
تعاني إفريقيا من مشكلة استبدال مصادر الطاقة التي تحرق الفحم بمصادر طاقة أكثر استدامة، مثل: الطاقة الشمسية. الحلّ الأفضل سيكون، إذا ما أخذنا بالاعتبار عدم قدرة دول إفريقيا مجتمعة على تأمين التمويل اللازم لمثل هذا التحوّل، وصعوبة وصولهم إلى التمويل من المؤسسات الدولية وخطر هكذا مقاربة، هو التنسيق مع الصين وروسيا لإنشاء وضمان فاعليّة شبكة قارية موحدة تعتمد على محطة أو محطتين للطاقة النووية. يمكن أن يساعد ذلك الجمع بين تكنولوجيا الطاقة النووية الروسية وتكنولوجيا نقل الكهرباء الصينية فائقة التطوّر «UltraVolt».

1016-13

نتيجة

الحكمة تقول: لكلّ أزمة، إضافة إلى مخاطرها وتحدياتها، فرصها الجديدة. وجميع ما تحدثنا عنه من فرص اقتصادية وسياسية واجتماعية، هي لكلّ من الصين وروسيا من جهة، والقارة الإفريقيّة من جهة. لنأخذ مثالاً ثورة الطاقة. تتمتع إفريقيا بجميع المزايا الجغرافيّة والموارديّة والمناخيّة لتطوير قطّاع طاقة جديد مستدام. لكنّ القواعد الغربية القديمة لن تنفع إفريقيا، ولهذا يمكن لتكنولوجيا الطاقة الشمسية الصينية، والطاقة النووية والهيدرومائية الروسية أن تكون حاضرة لأجل إفريقيا. ولا يعني هذا احتكار الصين وروسيا للقارّة، فيمكن للاتحاد الأوروبي في مثالنا أن يوفّر تكنولوجيا الرياح المتقدمة لديه أيضاً لتكامل القارة ودولها.
يجب على تجربة التحوّل الصناعي والتمدّن في إفريقيا ألّا تكون إشارة على التراجع، بل أن تتم هندستها للمساهمة في تطوير القارة وأسواقها الداخلية وبنيتها التحتية. علاوة على ما يعنيه هذا من التطوّر الاجتماعي للنساء والأطفال على المدى القصير والمتوسط، وعلى البنى السياسية واستقرارها على المدى المتوسط والطويل.

من المهم الملاحظة، أنّ هذا سيتم مع انجذاب النخب الإفريقيّة، التي جعلتها ضغوط المؤسسات المالية الغربيّة تابعة، إلى النموذج الصيني التنموي البديل الذي رفض صراحة «عالميّة القيم الغربية». ورغم أنّه من غير المرجح أن يقف كامل العالم الإفريقي موقفاً موحداً من الصين، لكنّ هذا ليس بالأمر المستحيل. خلافاً لذلك سنشهد تنافس الدول الإفريقية بعضها مع بعض في منح بكين تفضيلات ومزايا من جهة، والاستمرار في الاعتماد على الغرب من جهة أخرى. كلّما كان هذا الاختلاف أضيق، زادت فرصة إفريقيا بالتنمية الشاملة بشكل أوسع.
تنمية القارة الإفريقية ستؤدي حتماً إلى إعلاء شأن مؤسسات الدولة، الوحيدة القادرة على إنتاج حركية اقتصادية- اجتماعية فاعلة، الأمر الحتمي لأيّ مشروع تحديث وطني. ستكون مثل هذه المؤسسات قادرة على خلق توازن فاعل بين المراكز المدنيّة والأطراف الأقل تنمية، ممّا سيضمن عمليات لا مركزة منطقية وفاعلة لا تؤدي إلى انهيار للدولة لا يمكن السيطرة عليه. مؤسسات الدولة في إفريقيا وحدها قادرة على الاضطلاع بالمهام التي تحدثنا عنها. روسيا والصين، بمواقفهما المشتركة والمتسقّة على الصعيد العالمي، وضمن القارة الإفريقية، من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول إلى عدم وضع شروط خصخصة مسبقة للتعاون، إضافة إلى امتلاكهما مؤسسات دولة قويّة وفاعلة، لديهما القدرة على تسهيل بناء وتطوير المؤسسات الوطنية الإفريقية.

بتصرّف عن: China – Russia Bilateral Cooperation in Africa

التدخل الصيني- الروسي في إفريقيا «1: وصف الأزمة الإفريقية»

التدخل الصيني- الروسي في إفريقيا «2: المبادئ والوقائع»

معلومات إضافية

العدد رقم:
1016